في مطبخ دوستويفسكي

1٬259

بقلم: فالري ستيفرز- ترجمة: خاتون /

“بَصَلة” هو أحد أشهر عناوين الفصول في رواية دوستويفسكي “الإخوة كارامازوف”، وهو لا يحيل إلى الطبخ الروسي، الذي يُعتبر فيه البصل عنصراً أساسياً، بل إلى القصة التي ترويها شخصية “جروشنكا” عن امرأة عجوز شريرة تم سحبها من نيران الجحيم من خلال التمسك ببصلة قدمها لها حارسها الملاك. عاشت المرأة حياة سيئة لكنها ذات مرة أعطت بصلة إلى شحاذ، وكان هذا الصنيع الطيب الوحيد الذي يمكن أن يخصلها. الحكاية تهدف إلى إظهار إمكانية غفران الله، وراويتها “جروشنكا” تقول عن نفسها في أحد مشاهد الكتاب المثيرة: “إنني مهما أكن شريرة، فقد وَهبتُ بَصَلة”، مشيرة إلى استعدادها للخلاص. (أما بالنسبة للمرأة العجوز، فالأرواح الملعونة الأخرى تحاول الإمساك بقدميها لتُسحبها معها إلى الأعلى أيضاً، وهي بأنانية تبدأ بركلهم بعيداً. البصلة تتقطع، “فسقطت المرأة في بحيرة النار وما زالت تحترق هناك حتى يومنا هذا”).

دوستويفسكي معروف بالكآبة، لكنه في المقام الأول كاتب مسيحي. الإخوة كارامازوف الثلاثة وأخوهم الآخر غير الشقيق رجال ساقطون، متميزون “بالشهوانية” و”الخسّة”، و”الاضطراب”، وربما “بالتعطش غير اللائق للحياة”. كثيراً ما يشار إليهم على أنهم “حشرات”. عندما قتل أحدهم كارامازوف الأب، يقترح بأننا جميعاً يمكن أن نفعل مثل هذه الأفعال من دون يد الإيمان الزاجرة. فكرة أن “كل شيء مباح” بدون الله هي إحدى الثيمات الرئيسة للكتاب. المتع الحسية، ومن ثم، الجنس والطعام والشراب، هي إقليم الكارمازوفيين، لكن هذا ليس بأمر حسن. تميل الشخصيات إلى تناول أطعمة سخيفة، مصنّعة، أو مستوردة ـ “زبيب أزرق”، “كومبوت بالأناناس” ـ لتستعرض خيلاءها. ديمتري كارامازوف، ليس رجلاً سيئاً لكنه شخص تتحكم به عواطفه، يهدر “فطائر ستراسبورغ، السمك المدخّن، اللحم، الكافيار، وكل شيء، كل ما يحصلون عليه” على الفلاحين خلال حفلات شرابه الفاضحة. بالنسبة للتحلية، يطلب ديمتري “حلويات، كمثرى، بطيخاً أحمر، اثنين أو ثلاثة أو أربعة، كلا، بطيخة واحدة تكفي، وشوكولاتة، كاندي (حلوى سكّرية ملونة)، توفي، فندان (أقراص سكرية). والد الإخوة الشهواني والعجوز الدنيء كثيراً ما كان يُشاهد عند المائدة، يأكل ويشرب في غرفة مؤثثة “بأبهة من طراز قديم”. “خذ بعض القهوة الباردة وسأصب ربع كأس من البراندي فيها. إنه لذيذ، يا ولدي”. يقدم ذلك إلى ابنه الأصغر المترهب، إليوشا، في لحظة ما، وهو يتلمظ بشفتيه. ثم هنالك سمردياكوف، الأخ غير الشقيق المصاب بالصرع. إنه أكثر شخصيات دوستويفسكي شراً، رجل لا يعرف الله على الإطلاق، سمردياكوف مقرف جداً حتى في شهوانيته، لكنه مغرور جسدياً، يبذر معاشه على “الملابس، المراهم، العطور، وأشياء مثل هذه”. والغريب أنه، بعد أن أرسله الأب إلى موسكو للتدريب، أصبح “طباخاً من الدرجة الأولى”. وقد ناداه إيفان ذات مرة بلقب “صانع الحساء!” كإهانة.

قمت بعمل نسخة تصورية من “الأوخا”، حساء السمك الذي يطبخه سمردياكوف لوالده العجوز. (نوع الحساء يحدد باللغة الروسية لكن ليس في الترجمة)، وهذا الحساء ليس باذخاً، لكنه شيء يصنعه الصيادون في جردل من صيد اليوم. حسائي كان جميلاً بالرغم من بساطته ـ أوراق غار، شعير، سمك، جزر، بطاطا، وباقة صغيرة من الكرفس. ملأ شقتي بعبير سماوي داخن. وبطريقة وبأخرى حلّت فيه روح جعلته أكبر بكثير من مجموع أجزائه. ترى كيف ستكون رائحته إذا ما صنع أثناء جلسة سمر على ضفاف الفولغا؟ الله وحده يعلم ذلك.

حساء سمردياكوف

8 أكواب من الماء البارد.

10 حبات فلفل أسود.

3 ـ 4 أوراق غار.

باقتان من الكرفس.

سمكة نهرية كبيرة يزال الرأس والذيل منها (يمكن استخدام سمكتين صغيرتين أو ثلاث).

حبة بطاطس كبيرة (مقشرة ومقطعة).

3 رؤوس جزر (مقشر ومقطع).

كوب شعير (مطبوخ).

1/3 كوب من البقدونس والشبت (مفروم فرماً ناعماً).

ملعقتان كبيرتان من الليمون المعلب (مقطع إلى مربعات).

طريقة التحضير

يوضع السمك في الماء مع حبات الفلفل الأسود، وورق الغار، والكرفس. يسلق المزيج، ثم يترك على نار هادئة لمدة عشرين دقيقة إلى أن ينضج السمك. بعدها تُخرج السمكة من القدر وتوضع جانباً لكي يترشح الماء منها. وبعد أن تبرد تزال قشرة السمكة وعظامها.

تضاف البطاطا والجزر إلى السمك ثم توضع جميعها في القدر وتطبخ إلى أن تصبح الخضراوات طرية. بعدها يضاف الشعير المطبوخ ويطهى المزيج لمدة خمس دقائق.

تطفأ النار ويضاف البقدونس، والشبت، والليمون إلى الحساء ثم يقدم ساخناً.

The Paris Review