بَسمَة أمَل قصة نجاح امرأة
حوار: جواد سليم /
عندما تضيق الحياة بك، تتساءل في داخلك عن جدواها وأهمية وجودك، هل تستحق الكفاح، أم تركن وتستلم لصعوباتها ومعوقاتها التي تقف حائلاً في طريقك ومستقبلك؟ تبدأ التساؤلات أكثر وأكثر، رغبة في إثبات ذاتك. هنا تتولد في داخلك شعلة وهاجة تنير لك الدرب، وتكون حافزاً وأملاً لتستمر في الحياة، لكن ليس كما الأخرين، بل أن تكون مميزاً، وتحظى بفرص النجاح والتفوق، فتكون قصة نجاح.
“بسمة أحمد”، ولدت في عائلة ذات دخل محدود في قضاء بلد (محافظة صلاح الدين)، (فتاتان، وثلاثة أولادٍ)، تقول “بسمة” عندما سألناها عن نشأتها: “توفي والدي تاركاً مسؤولية تربيتي وأخوتي للأم التي تحملت عناء الحياة وصعوبتها لتنشئنا بصورة أمثل. بدأت رحلة العذاب والتحدي معي وأنا بعمر سنة واحدة عندما تسبب خطأ طبي بإصابتي بشلل الأطفال، فلم تكن طفولتي كباقي الأطفال، بل قضيتها في المستشفيات أملاً في شفائي، حتى دراستي لم تكن تشبه بقية أقراني وأنا أنظر اليهم من بعيد كيف يلعبون ويقفزون ويمرحون، فكنت غالباً ما أبقى في الصف أطالع الدروس.”
حلمُ الدراسةِ كان مُكلفاً
تركت «بسمة» المدرسة بسبب التكاليف المادية، مضحية من أجل بقية عائلتها، لكنها كانت تتساءل في قرارة نفسها: هل النجاح ضربة حظ؟ هل الناجحون ولدوا ليكونوا كذلك لحكمة إلهية؟ وهل الفاشلون مقدّر لهم الفشل ولا سبيل لتغيير هذه الحال؟ فجاء قرارها بتحدي المجتمع والذات، بدأت تقرأ وتطالع وتتعلم، قائلة لنفسها «إن النفوس بحاجة إلى تحفيز من وقت لآخر، ويجب عليّ أن أثبت ذاتي وأتحدى نظرة المجتمع واستهزائهم بمن يحملون مرضاً معيناً».
رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة
لم تكن بداية دخولها للإعلام صدفة، بل كانت بتخطيط وإصرار وتحدٍّ. تقول بسمة:
«بدأتُ بكتابة مذكراتي اليومية وبعض الخواطر، إلا أنني قرّرتُ من جديد أن أعود لمدرستي وأكمل المسيرة التعليمية، فعاود الحظ السيئ محاولاته بالوقوف في طريقي بموت أخي وابنه بتفجير ارهابي قرب مرقد السيد محمد (ع)، فاجتاحت غيمة سوداء حياتي وحياة أسرتي من جديد، إلاّ اني كتمت حزني وألمي في داخلي معلنة عدم الاستسلام والنهوض لمواجهة هذه الحياة مرة أخرى.”
“كانت الخطوة الأولى فعلياً عندما قرّرتُ أن أدخل عالم الإعلام، والذي لم يأت صدفة بل كان أمنية طالما حلمتُ بها، فكنت أشارك في إذاعة نشأت في مدينة بلد بعد عام 2003. أتّصلُ وأشارك في البرامج العلمية والدينية والثقافية، إلى أن بدأتُ بإعداد برامج لهذه الاذاعة. وبسبب تميزي وكفاءتي طالب أصحاب الإذاعة أن أعمل لديهم بصورة رسمية، فبدأت الحياة تزهر حولي من جديد وتورق الكروم والبساتين. وعلى الرغم من معارضة أحد أفراد أسرتي ووالدتي، بسبب خصوصية المجتمع هناك، إلاّ أنني بقيت مصرّةً على تحقيق هذا الحلم الذي أطمح في أن أقدم من خلاله خدمة ورسالة سامية أنفع بها المجتمع. وفي الوقت الذي لم أنس فيه الكتابة التي تحتل مكانة ومرتبة عالية في سلّم أولوياتي واهتماماتي، حيث كنت أبعث مقالات وخواطر لتنشر في إحدى الصحف الصادرة في مدينة “بلد”. وفي خضم هذه اللحظات السعيدة والمحزنة، استطعت لفت الأنظار نحوي من خلال مواهبي، فطلب مني الحاج هيثم البلداوي مؤسس إذاعة “بلد”، أن أعمل لديهم مقدّمةً للبرامج. وبعد محاولات عدة لإقناع عائلتي بالعمل كمقدِّمة للبرامج، جاء الرد بالإيجاب: (نعم، موافقون). حمدتُ الله كثيراً، وباشرت العمل معدّةً ومقدِّمةً للبرامج الدينية والثقافية والمنوعة، وحزت العديد من التكريمات والشهادات التقديرية في مناسبات عديدة.”
«بسمة أمل».. خيرٌ وعطاءٌ
«بسمة» التي تحمل هموم وطنها ومجتمعها آملة بخدمته بتقديم برامج تنهض وترتقي به، وجدت نفسها أمام مهمة أخرى تستحق أن تخوضها، سألناها عن فكرة تأسيس فريقها الطوعي فقالت:
«بدأت فكرة تأسيس فريق «بسمة أمل» تختمر في رأسي عندما بدأت المطالبات والمنشادات من قبل متابعيّ في صفحتي على الفيسبوك بإيصال أصواتهم لحل مشكلاتهم، وبدأت أجدُ استجابةً من قبل بعض المسؤولين، فقررتُ أنا وزميلي ياسين الكظماوي إنشاء صفحة على الفيسبوك باسم (مجاناً في بلد) تختص بالعمل الطوعي ومساعدة الفقراء والمحتاجين. فشرع الشباب والشابات في «بلد» بالانضمام إلى هذا الفريق التطوعي، فوزعنا سلات غذائية وشاركنا ببناء وترميم بيوت الفقراء وتجهيز غرف نوم وأثاث للمحتاجين ومساعدة الأيتام، من خلال نزهات ترفيهية وشراء كسوات عيد وملابس مدرسية وتقديم المساعدات العلاجية والأدوية، وأخذ فريق (مجاناً في بلد) بالانتشار وأصبح له صدى واسع لدى الأهالي، ثم بدأنا بتقديم المساعدات للمحتاجين خارج المدينة في بغداد وغيرها، من خلال المساعدات التي تصلنا من المتبرعين.
ولجهودي ومثابرتي واجتهادي قرر الفريق أن يغير اسمه، ليصبح (بسمة أمل)، عرفاناً وتقديراً لي، والذي يهدفون من خلاله إلى رسم البسمة والفرح وادخال السرور على قلب كل فقير ويتيم ومحتاج في هذا الوطن.