النهوة.. تقاليد وأعراف قاسية تقف بوجه الشريعة والقانون

1٬525

حيدر الجابر /

تتمظهر عملية اضطهاد النساء في المجتمعات الشرقية في عدة مظاهر، منها منعها من العمل، الى المنع من الدراسة، وصولاً الى الإجبار على الارتباط برجل ما برباط الزوجية، الذي يشترط فيه الإيجاب والقبول من دون ضغوط. ثم يصل الاضطهاد الى منع المرأة من الزواج، وهو ما يُعرف بـ”النهوة”.
ويفضل العربي والشرقي زواج ابنة العم من ابن العم، حفاظاً على دعم القبيلة، ثم تتحول هذه الرغبة الى سلطة تفوّض ابن العم السيطرة على مصير بنات عمه.

النهوة

والنهوة على وزن “فَعلة” من الجذر “نهى”، وهو المنع، واصطلاحاً هو حق حصري بابن العم، الذي هو الأولى بالزواج من ابنة عمه، مهما كان فارق العمر او التعليم. ولا يعرف على وجه الدقة تاريخ شيوع هذا العرف، فلم تسجل كتب التاريخ او الأدب العربي مثل هذه الحالة، وإنْ شاع الغرام والعشق بين أبناء وبنات العم. ويبدو انها ترسخت وتطورت عبر الزمن مع هجرة القبائل العربية من شبه الجزيرة العربية الى العراق في العهد العثماني. وهي تشيع عموماً في الريف والبادية، ثم تسربت الى المدن، كما أنها موجودة لدى القبائل الكردية والتركمانية.

قصص حزينة

إذا ما أردنا تسجيل حالات النهوة فسنحتاج الى موسوعة من أجزاء، تسجّل قصصاً حقيقية بالغة القسوة، شديدة الحزن. تروي الأخبار أن أكثر من عروس تم إلغاء زواجها بنهوة ابن العم، على الرغم من ابن العم “الناهي” متزوج وله أولاد. قبل مدة، وفي إحدى محافظات العراق، تمت إعادة عروس بعد يوم من الزواج الى بيت أهلها، بعد أن هاجمهم ابن عمها بالأسلحة النارية، ليتم إرضاؤه عشائرياً فيما بعد. ويطول الحديث عن نساء فاتهن القطار بسبب النهوة التي تعرضن لها وسط احترام شديد لأحكام العشائر وتجاهل لأحكام الدين والقانون.

الدين والقانون

يشدد الدين الإسلامي، كذلك بقية الأديان الاخرى، على أن الزواج يجب أن يتم برضى الطرفين، بلا ضغوط او إغراءات، وأن لا يتدخل أحد بتقرير مصيرهما. ويرفض أي منع أو تأثير على مصير الرجل والمرأة، لأنه سيتسبب في انتشار المفاسد. ويحدد الإسلام ولاية الأب او الجد على البنت، فيما يفوض أمر البكر الرشيد الى نفسها، فضلاً على الثيّب ـ المطلقة او الأرملة.

قانوناً، تعد النهوة جريمة يحاسب عليها القانون، إذ أن المواد 431 و430 من قانون العقوبات العراقي تكيّف النهوة العشائرية على أنها جريمة تهديد ويعاقب عليها بالحبس.

تفاصيل

ومع ذلك، يبدو أن النهوة ـ حالها حال العديد من الأعراف والتقاليد ـ تنشط وتضعف حسب أحوال البلاد الثقافية والتعليمية، وعموماً فإنها اليوم تشهد تراجعاً ورفضاً تدريجياً، لا سيما بعد ازدياد مستوى النساء التعليمي والوظيفي. ومع امتلاك ابن العم لسلطة النهوة، إلا أنها بدأت بالانحسار، وأخذ الناس يجدون بدائل أخرى لحل نزاعاتهم بعيداً عن المرأة.

“النهوة مو من شان الخيّر”، أي ليست من شأن الإنسان المحترم، هذا اول حديث يواجهك حين تفتح هذا الموضوع، والسبب لأنها ستفتح باباً للمشاكل من الصعب أن يغلق، وستؤدي الى شيوع الفرقة والبغضاء بين أبناء العائلة الواحدة.

ولا يستسيغ العرف أن يبلّغ “الناهي” أهل المرأة بنفسه، دفعاً لحصول مشاكل وأزمات، وانما يكلف شخصاً غريباً عنهما، او رجلاً وسطاً. ويحق للأقرب أن ينهى الأبعد، ويمنع ابن العشيرة غيره من العشائر الأخرى، وهذا يعني أن النهوة حق عام للعشيرة. وتلجأ عشائر أخرى مثل السادة الى منع بناتهن من الزواج بغير السيد، وهو نوع من أنواع النهوة. كما أن أسر الإقطاعيين تمنع بناتها من الزواج برجل من خارج العشيرة، وتوافق فقط اذا كان الرجل “سيداً” من ذرية رسول الله (ص).

وتجاهل النهوة مشكلة عويصة، إذ تعد خرقاً للسيادة، وعليه، فيجب أن يتقدم الى تلك العشيرة بما يرضيها، وهو على العموم امرأة اخرى تحدد بالاسم وتقدم لهم كزوجة، يمكن أن يدفع بدلها نقداً في وقت آخر، وبعيداً عن التفاصيل واختلافها من عشيرة الى اخرى، فيجري تغريم متجاهل النهوة في كل الأحوال، هذا اذا لم تتطور الأمور الى ما لا تحمد عقباه، عندها تأخذ الأمور منحى اكثر خطورة.

المحامية والناشطة النسوية عضو لجنة المرأة النيابية انتصار الجبوري توضح أن “قانون الأحوال الشخصية منع النهوة التي تعني سلب ارادة المرأة باختيار شريك حياتها، وتجبر على الزواج من ابن العم بغض النظر عن حالته الاجتماعية او تترك من دون زواج، وبالتالي هذه جريمة انسانية.” واضافت أن “هذا تمييز بين المرأة والرجل، فهل يستطيع الرجل ينهى الرجل؟ يجب النظر الى انسانية المرأة.” وبينت ان “الدستور اكد في المادة 14 على المساواة بين المرأة والرجل امام القانون في الحقوق والواجبات، فكيف يتم السماح بمنع ارادة امرأة من الزواج بشخص ترغب به؟ هذا سلب حق لأبسط حقوق الانسان وهو حق العيش باختياره.” وكشفت الجبوري أن “العقوبة موجودة في القانون ولكن كم من النساء ذهبن الى المحكمة شاكيات؟ لا يوجد”، وتابعت ان “المشكلة تكمن في ان المرأة تضطر للسكوت لأنها لا تعرف حقوقها واذا ما عرفت لا تستطيع الوصول الى الجهات المختصة، اضافة الى تأثير الأسرة والتقاليد والأعراف التي تفرض نفسها وتعتبر ان شكوى المرأة قلّة ادب”، ولفتت الى ان “مجتمعنا يعتبر العادات والتقاليد اعلى شأناً من الشريعة والقانون، والمتضرر الأكبر هو المرأة.”

آثار

تقع آثار النهوة على المرأة حصراً، ومع أن الرجل الناهي يظل مشكول الذمة في الدنيا والآخرة، إلا أن من حقه الزواج والحياة بصورة طبيعية جداً، في حين تظل المرأة عزباء حتى يفوتها القطار، وهذا تنتج عنه مفاسد اخلاقية واجتماعية. ذلك ان نفسية المرأة الحساسة جداً تضطرب، ثم تضطر مع مرور الزمن الى الرضا بأي رجل في حال سمح لها بالزواج، وقد تكون زوجة ثانية، او يكون الزوج كبيراً في السن وقد تم تزويجه لغرض الاعتناء به.