عز الدين طابو كاد أخي يقتلني لأنني مثلت!!

1٬833

عبد الجبار خلف/

لأكثر من مرة كنت اسأل الفنان الكبير عز الدين طابو (1940 – 2011) عن يوم مميز من عمره، فكان يطلب مني أن انتظر، لكنه اتصل بي ذات يوم على الهاتف الأرضي، وبصوته الجهوري قال لي اكتب، فقلت له: احك، فقال: عشقت الفن من صغري لكنني قررت أن أحث الخطى في الفن مثلما أحث الخطى في الدراسة متمنيا أن أجعل من نفسي شيئا ولو بسيطا في عالم الفن،
فقررت الانتماء عام 1964 الى مجموعة فنية يطلق عليها (مجموعة طارق حسن) ابن محلتنا والموظف في وكالة الأنباء العراقية آنذاك، وكنت أنا حينها طالبا في الصف الرابع الثانوي، كانت باكورة أعمالنا برنامجا تلفزيونيا عنوانه (في الطريق) من اعداد طارق حسن واخراج حسين رشيد، وكانت حصة الاسد من حلقاته لي فمن مجموع أربع حلقات قدمناها كانت ثلاثا من بطولتي، والبرنامج كان تربويا توجيهيا ولكنه تمثيل.
واضاف: نفذنا الحلقة الأولى وبثّت على الهواء مباشرة بعد بروفات كثيرة متعبة ومرهقة جدا طوال النهار، ونالت الحلقة نجاحا باهرا وكان هذا اليوم بالنسبة لي يوم العمر وما أجمله من يوم، خرجت من مبنى الاذاعة والتلفزيون في الصالحية الى الشارع بمكياج وملابس التمثيل، كنت اتعمد السير من أمام المقهي هذه لأحصل على كلمات الاعجاب والاستحسان، مرة اسمع مالا يمكن أن يكتب فأغض الطرف والسمع عنه، ومرة اسمع كلمات حلوة مشجعة، المهم .. وصلت الى محلتي مشيا على الأقدام من الصالحية، واذا بشباب المحلة كانوا بالانتظار لي وعلامات الاعجاب بادية على وجوههم فبارك من بارك و(سطرني) من سطرني على رقبتي كنوع من اظهار للاعجاب بهذه الطريقة العراقية (السطرة ضربة خفيفة على الرقبة من الخلف).
واستطرد أبو العز: ودلفت الى بيتي وصرت وجها لوجه مع اختي الكبيرة (الحاجة صبرية) رحمها الله، التي صرخت بوجهي قائلة (عزا ..شيخلصك من اخوك عبد الاله؟ شافك بالتلفزيون لو انكلبت الدنيا، قم ..قم امعزة لا تصير كدامه تره متحلف لك!!) ،فكان جوابي لها:( ليفعل ما يفعل .. ماذا فعلت أنا؟ هل ارتكبت جريمة؟ الا يعرف أن الفن حضارة وثقافة؟) ثم طلبت منها تهيئة الطعام لي، ذهبت اختي لأعداد طعام العشاء بينما توجهت أنا الى الحمام لأغسل المكياج من وجهي، ثم عدت أدراجي الى المطبخ لأقتعد مقعدا (تختة)، واذ كنت منهمكا بتناول العشاء واذا بي اتلقى ضربة قوية على ظهري، جعلتني اصرخ بلا وعي: لماذا ..لماذا ؟ فأجابني صوت أخي عبد الاله: اسأل المكان الذي اتيت منه، والله اذا رأيتك مرة أخرى سأنهي حياتك، ثم تركني وذهب ونهضت متوجها الى الحمام مرة أخرى لأغسل مرقة الباميا التي صبغت قميصي الابيض!!، واذ كنت أقوم بالغسل اطلت النظر في المرآة متفحصا وجهي، مقطبا تارة ومغلقا عيني للنصف تارة أخرى مع ابتسامة خفيفة متخيلا نفسي اعتمر قبعة كقبعة ممثلي الكاوبوي الامريكان وقلت في نفسي وكأن الذي حصل لي قبل قليل يجعلني اتخذ موقفا من أخي حقيقة، نسيت أمام الحالة الجديدة التي طرأت لي ما حدث، وسرحت مع كاري كوبر ، واذا بي اتلقى ضربة ثانية اقسى من الأولى هذه المرة حيث تطاير زجاج المرآة في وجهي وقد قذفني أخي عبد الاله بيد (الهاون) الحديدي الذي لولا انحرافي قليلا لكان في رأسي !!، ولكن الله قدر ولطف، ولم أجد الا أن اصرخ قائلا (كافي عاد ..ثخنتها ما تقلي اشسويت حتى شديت وياي هاالشدة..؟ ، كافي عاد، كافي هاي انت ابن مدارس ومثقف لعد ما اعيب على………!!) ، وفي هذه اللحظة ارتد عن غيه ودلف الى غرفته بدون أن يقول اية كلمة، وذهبت الى غرفتي وأنا في حالة غيظ يرثى لها.
واضاف أيضا:وبعد وقت ليس بالطويل جاء الى غرفتي، وما زلت على تلك الحالة متأسفا على الفرحة التي لم تتم، فبادرني قائلا:( عزي ..الناس اكلت قلبي ) فقلت له: الناس بيت البلاء، لكنه قال: مع ذلك اطلب المعذرة منك.. كانت سورة غضب ليس الا!.