لاعبة الجُمباز التي استبدلت قدميها بالأجنحة
آية منصور /
كان والداها ينتظران مجيئها سنة 1996، ينتظران ابنتهما الأولى بعد أربعة اولاد، إلاّ أنهما لم يتوقعا يوماً أنها ستأتي لهم بمفاجأة قد تغير مجرى حياتهم.
بعد مجيء (نور) إلى نور الحياة، اكتشف والدها أنها من ذوي الاحتياجات الخاصة. لم يفكرا وقتها بشيء، ولم تخطر تلكم الأسئلة في ذهنيهما: لماذا؟ كيف؟ ومتى حصل هذا؟ كل ما أراداه هو أن تعيش (نور)، ليغمر نورها منزلهم إلى الأبد.
تبتدئ نور قص حكايتها علينا بضحكة جميلة وقلب مليء بالتفاؤل والبهجة:
“بعد ولادتي كان موتي متوقعاً بعد 24 ساعة من ولادتي، لكن جدتي (الطبيبة) استطاعت اقناع الأطباء بإجراء عملية جراحية لي، فدخلتُ صالة العمليات وعمري 16 ساعة فقط ونجوت، لكنهم أخبروا عائلتي بأنني لن أبلغ الثالثة عشر من عمري حتى أفارق الحياة”.
تقول (نور) إنها علمت بفكرة موتها بعد أن بلغت الثالثة عشر عن طريق الصدفة، الأمر الذي جعلها تشعر، وإن بصورة مؤقتة، بالخوف والرعب من فكرة الموت المنتظر، حتى أقنعت نفسها بالهروب من عالم الكرسي وسجنه الحديدي.
“فكّرت بذلك الكرسي الذي سيجعلني حبيسة كل شيء، فكّرت بوزني، والتغيرات التي قد تحدث بمرور الزمن. تركت الكرسي وبدأت بالزحف على يدي، تعثرت ووقعت كثيراً، وتمّت خياطة جروح فمي عشرات المرات مع اخرى في رأسي”، تقول ذلك وتضحك ثم تكمل:
“إلى أن تعلّمت. واجهتُ صعوبات كثيرة، استطعت الخروج ولعب “التوكي” وكرة القدم وأنا أزحف. استقبلت الكثير من العبارات السيئة بشأن حالتي وأنا طفلة، وكنت أبكي كثيراً، لكن سرعان ما أعود بعدها لأكمل اللعب”.
استطاع الجمباز تغيير حياة “نور” إلى الأبد حينما بدأت بتحدي أخيها أن تتسلق إلى كتفيه وهو واقف، قدماها لا يتحركان، لكنها فعلت ذلك بيدها فقط لتتيقن من سيطرتها التامة على جسدها دون الحاجة لقدميها.
“بعد ذلك واجهتُ قضية اندماجي في المدرسة. لم تستقبلني العديد من المدارس في بادئ الأمر، أنا وقدمي المتوقفة وكرسيي الذي أحتاجه في أوقات الدوام فقط”.
بعد بلوغ (نور) الثالثة عشر لم تمت، فاحتفلت عائلتها بذلك بطريقة جنونية.
“كنت أحلم أن أصبح راقصة بالية، لكن هذه المهمة الشاقة كانت بحاجة لقدمين وأنا لا أمتلك سوى يدين. بدأت بالتدرب على الجمباز لأنه كان مشابهاً للبالية مع اختلاف الأطراف. تماريني كانت في المنزل وبواسطة أشياء بسيطة، كما أن غرفتي كانت في الطابق الثاني، أي أن عليّ أن استخدم السلّم عشرات المرات في اليوم الواحد”.
لعدة سنوات ظلت نور تمارس هوايتها في الجمباز، حتى تم تشخيص اصابتها بالسكّري، وكان التعب والجهد يضاعفان من خطر المرض، مما اضطرها لترك الجمباز سنة كاملة من أجل العلاج والسيطرة على المرض.
“أحب أن ألعب “العقلة”، وذات مرة لم أستطع منع نفسي من ممارسة لعبتي المفضلة حتى شعرت بالإعياء والتعب، صداع قوي وإرهاق كبير يومها، لكنني شعرت أن عليّ أن أعود وبقوة للعبتي التي أشعر من خلالها بأنني أنا، فقمت بتغيير نظامي الصحي والغذائي”.
بدأت نور بتغيير حميتها الغذائية، حتى استطاعت ترك علاج السكّري والاعتماد حصرياً على الحمية الغذائية لمواصلة تدريباتها:
“واجهتُ العديد من الصعوبات في حياتي كأيّ إنسان آخر، لكن قدميّ لم تكونا عائقاً بوجه أحلامي، ولم أر شيئاً مستحيلاً. القوة تأتي من إيمان الشخص بذاته، وأنا أؤمن بيديّ ووكذلك بقدميّ اللتين تتحركا”.