آمنة الموزاني/
لعبة (البوبجي)، التي تثقب قلب طفلك بطلقات كلاشنكوف إلكترونية، وتجبره على الهروب العنيف، وجمع الأرواح الميتة من أجل البقاء على قيد الحياة، هي -في الحقيقة- خطر دماغي ونفسي وأخلاقي يهدد كل بيت. اما لعبة (الكلاش) العنيفة، وقبلهما (المزرعة السعيدة)، فجميعها نماذج من الفخاخ الإلكترونية المخدرة لعقول الأطفال وشيطنة أفكارهم بخلق جيل رقمي مدمن ومصرّ على تهديم فكرة “لو كبر ابنك خاويه”
أمام صيحات ورعب الأمهات والآباء، الذين يقفون عاجزين أمام كل هذا التخريب بلا حولٍ ولا قوة! مصائد إلكترونيةٌ مغرية تخطف الطفل الى عالمها، وتفصله تماماً عن عالم والديه الحائرين، ربما بمشاكل الزوجية والمصاريف،بينما يقضي الصغير ساعات لعب مريبة مع أشخاص مجهولين. علماً أن ميل الأطفال وإدمانهم، هما أمران واقعان لا يمكن الهرب منهما، وليس أمامنا إلا تقبلهما بحكمةٍ وتساؤلاتٍ حساسة: ترى مع من يتكلم ابننا بتلك الألفاظ البذيئة؟
وعلى ماذا يتراهن حول فكرة الفوز المقلقة وما ترتبه عليه؟ وما خطورة الفارق العمري بينه وبين المتخفي الذي يسبقه وعياً وحيلة؟!
قلق ومخاوف
“الألعاب الإكترونية لئيمة، لكنها مادة منعشة لأدمغة الأطفال وأجهزتهم العصبية، وحتى عملية تحريك وتدريب الأصابع والذاكرة تتكفل بها تلك الشاشة التي نعجز أمامها، كآباء وأمهات.”
بقلق وشعور بالعجزِ أمام هذا المأزق الإلكتروني، النافع والضار،بدأت أم زينب حديثها، إذ تقول :”مصيبتي التي تؤرقني هي مشكلة (الإدمان)، ذلك الغول الذي يبتلع أجساد أطفالي ويتركني شاردة، وعاجزة أحياناً، لساعات، عن منعهم من إطفاء الشاشة، لأن استخدام الألعاب الإلكترونية، لأكثر من نصف ساعة يومياً، يحول تفكير الطفل الى عملية إنهاك فكري،بحيث تجدين عقله الباطن مشدوداً بتجاذباتها الى ما قبل النوم بهوس، ويظل الطفل قلقاً: ماذا سيحدث إذا لم يحقق الفوز الذي يمتد بهاجسه أياماً؟ وإلحاحه الذهني، هل يوصله الى مرحلة متقدمة على أصدقائه؟ كل تلك التساؤلات -التي تتخم ذاكرته- هي صراع لاشعوري على فكرة الفوز، تخيلي أنه يعيش محبوساً بتلك الفكرة، فكيف سيستقبل الخسارة وتداعياتها النفسية مقابل الخذلان؟ هذا صعب جداً بالنسبة لعمرهِ، أضيفي الى ذلك أن حتى حركة جسده ستكون بطيئة، وسيعتاد على إنجاز فروضه بتكاسل. وفيما يخص ما يتعلمه من سلوكيات، كالألفاظ البذيئة مثلاً، فأنا –كأم- استخدم طريقة الرقيب غير المباشر لمراقبة أطفالي، لأن المتابعة المباشرة تضرّ بشخصية الطفل وتجعلها مهزوزة وقلقة في التعامل الحياتي. أو -مثلاً- نتفق على إبقاء خاصية المخاطبة مسموعة، فضلاً عن استخدام طريقة الحكاية، أي أن أضرب له مثالاً قريباً لحالته من خلال حكاية جميلة، أسوّق من خلالها النصيحة بطريقة تربوية.”
اندماج وتخريب
“السعي المحموم للوصول الى مستوياتٍ صعبة، قد يخلق في داخله التحدي الحارق لعلاقته الطبيعية والمسترخية مع أهله وأصدقائه، سيكون هنا مضطراً ومجبراً على التحول الى كتلة من التشنج الحاد”! تلك المخاوف، التي جاءت على شاكلة كلمات مستفزة، شخصها الكاتب الاجتماعي عماد المسافر، قائلاً: “يمكن حصر المخاطر بنوع الألعاب المقلقة لأن هنالك ألعاباً من شأنها تنمية قدراته الذهنية، كما أن هناك العكس، وهو الشائع والمستخدم للأسف، أضيفي الى ذلك أن اندماج الأبناء بشكل مفرط يجعلهم منعزلين عن الحياة مع العائلة، غير ملتزمين بتعليمات الآباء، فضلاً عن تسبب إدمانها بشكل مباشر بتعزيز مرض التوحد، لأن العزلة، بسبب قضاء ساعات طوال خلف الشاشة، تبعد الأبناء عن ممارسة الحياة الطبيعية مع والديهم وإخوتهم واصدقائهم.”
خطف وتوتر
أما الأم لأربعِة أطفال،المعلمة أزهار البغدادي، فقد امتعضت من فكرة تخفيف شيطنة الشاشة الإلكترونية الصغيرة في تخريب سلوكيات الأطفال، قائلة بانزعاج:”يقضي أطفالي، الذين فقدت السيطرة على التحكم بأوقاتهم المهدورة، الكثير من الوقت أثناء اللعب، إذ أن العديد من ألعاب الكمبيوتر تتطلب التزاماً كبيراً بالوقت لاستكمالها، ما يدفع اللاعبين للتخلص من أنشطة أساسية في الحياة، وذلك لإكمال ألعابهم والفوز في مراحلها المختلفة، كذلك هناك الألعاب التي تحتاج إلى مشاركة منتظمة من اللاعب لتجنب الخسارة فيها، ما قد يسبب الإدمان وخطف الطفل من محيطه الواقعي، أضيفي الى ذلك المصيبة في الجلوس لفترة متواصلة بنفس الوضعية، والضغط على نفس الأزرار ما قد يؤدي إلى إجهاد اليدين والعينين، والشعور بالتعب البدني ومواجهة صعوبة في النوم والتركيز والانتباه.”
مخاطر وهستيريا
“الإدمان الهستيري على الألعاب الإلكترونية يشكل خطراً كبيراً على أجساد الأطفال ويؤدي الى تعنيف أفكارهم الفتيّة!” هكذا يفتح المختص بطب الأطفال، د. عماد سلام، النار على مورفين الألعاب الإلكترونية بالتفصيل :”يعد إدمان الألعاب الإلكترونية من أكبر المخاطر على صحة الأطفال، لأنه قد يؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم بسبب الاندماج في تلك الألعاب، وعدم النوم، مع زيادة معدلات السمنة، فضلاً عن أنه قد يؤدي إلى الإصابة بمرض السكري المبكر، نتيجة للسمنة المترتبة من الجلوس لفترات طوال أمام تلك الألعاب، التي تجذب الأطفال من خلال قدرتها على التحفيز والاستمرار، علماً أن مدة النوم الطبيعية تعد مهمة جداً في تعزيز صحة القلب وعملية التمثيل الغذائي، لذلك يجب الحد من إدمان تلك الألعاب الإلكترونية، وتقنينها، بالاتجاه إلى ممارسة الرياضة والقراءة والفنون بشكل منتظم، لأنها تقوي الجسم والذهن معاً، كذلك محاولة البحث عن أشياء يحبها الأطفال تكون مفيدة للصحة، بعيداً عن تلك الأجهزة الإلكترونية، التي تؤثر على حياة الطفل الدراسية، وتؤدي الى انخفاض نسب التحصيل العلمي، كذلك فإن من شأن هذه الألعاب أن تكسب الطفل سلوكيات سلبية أخطرها العنف والعدوانية.”