أية منصور/
وكالة الانباء العراقية (واع)/
تخيلوا، الصورة النمطيّة القاسية في المجتمع العراقي حوّلت كل من يذهب إلى الطبيب النفسي إلـى “مجنون”، وجعلت العائلة تنظر إلى مشكلاتها النفسية والصدمات بشكل سطحي، فتتركها تتراكم دون حلول وخلاص، فلماذا لا يتجه الأب الموتور إلى الطبيب النفسي لمعرفة كيف يصحح معاملته لأطفاله مثلاً ؟
لم لا ينصح الأطفال باستشارة الاختصاصيين النفسيين في مدارسهم -إن وجدوا- وهذا غير متوفر أساساً، ولماذا تعتبر الأم أن كل الضغوط النفسية التي تواجهها يومياً هي أمر عادي لن يؤثر عليها مستقبلاً؟!
كذبة العلاج النفسي
يقول (آدم محمد) إن “أطباء الأمراض النفسية لا يتعاملون مع المريض عبر جلسات استماع، بل يكتفون ببعض الأسئلة الروتينية وبعدها يشخصون العلاج، الذي غالباً ما يكون مهدئات ومنومات، بينما نجد أن العراقيين، ولاسيما العائلات، قد تحتاج الكثير إلى جلسات علاج استماع أو وصفات أخرى غير العقاقير، فالعقاقير والمراجعات الدائمة تكلف مبالغ كثيرة..” يضيف آدم: “أنا أعتقد أن علي -كأب لثلاثة أطفال- توضيح فكرة أن الطب النفسي أمر طبيعي لكي يعتاده أطفالي، ويشعروا أنه جزء من حياتهم، لأن متابعة الحالة النفسية أمر ضروري، آمل أنهم حتى نضوجهم يجدون أطباء غير جشعين لا يتعاملون مع المهنة بوصف العقاقير فقط.”
أما (فرح)، فإنها تواجه صعوبة في تقبل فكرة أن الطب النفسي وجد لمساعدة الأفراد، بسبب المصادفة السيئة التي واجهتها، ومنها بدأت تمتنع عن زيارة الطبيب النفسي، أو حتى قبول ذهاب زوجها أو أحد أفراد عائلتها إليه، لأن ما فعله الطبيب جعلها تفكر بعدم العودة مطلقاً، مهما واجهت من مصاعب وأذى، إذ إن كل ما فعله هو منحها أدوية ومسكنات، لذا فإنها تعتقد أن الطبيب النفسي في العراق يحتاج إلى طبيب نفسي!
تنمر عائلي واستهزاء
من جهتها، توضح الناشطة الاجتماعية (سناء احمد) أن “المشكلات العائلية، ولاسيما تلك التي تؤدي إلى الطلاق، تتطلب تدخلاً سريعاً ومباشراً بما يخص الأطفال من خلال الجلسات العلاجية النفسية من أجل مستقبل أفضل لهم، لكن بدلاً عن ذلك يجري التعامل مع صدماتهم النفسية بشكل سطحي واستهانة وسخرية، ما قد يؤدي بالأطفال أن يصبحوا عنيفين ومتوحشين، وذلك فقط من أجل الدفاع عن أنفسهم وتحصين أرواحهم من الفقدان المقبل، لذا يجب أن يخصص الوالدان وقتاً لأطفالهم ولصحتهم النفسية، كما ينبغي عليهما ألا يخجلا من الاعتراف بالمشكلات النفسية التي قد تصيب أولادهما بعد انفصالهما، إذ إن واجبهما في تلك المرحلة هو احترام أولادهما وتقديم الخدمات المعنوية والنفسية من خلال الطبيب النفسي وبإشرافهما، لكي يتمكن الصغار من تخطي هذه الأيام الصعبة.”
وترى سناء كذلك أن “بعض العائلات تتعامل مع أطفالها بعنف وقسوة، الأمر الذي يتطلب المساعدة من أحد أفراد العائلة للأطفال وتقديم خدمات الدعم النفسي لهم، ولاسيما أولئك الذين يتلقون ضرباً وتعنيفاً جسدياً تبقى آثاره لديهم حتى مراحل متقدمة، بل وتتفاقم إن لم تنل العلاج النفسي الكافي. جدير بالذكر هنا أن المستوى الثقافي لدى الفرد العراقي متأخر، لذا فإن المريض النفسي يتعرض دوماً إلى السخرية والتنمر، لذلك نجد الكثيرين من المرضى النفسيين يترددون في مراجعة الطبيب النفسي، فكيف لو أن الوضع وصل إلى صغار العمر؟ سيقولون إنكم تريدون (تخبيل أولادنا) وجعلهم مجانين، لكن رغم ذلك، يجب التعامل بحزم مع هذا الوضع.”
هروب من المسؤولية
الباحثة النفسية (سوسن البكّاء) ترى أن “الكثير من الأطفال والمراهقين في العراق يعرضون أنفسهم لخطر الانتحار بسبب أن لا أحد يستمع لشكاواهم وأوجاعهم النفسية واحتياجاتهم، إذ إنهم متروكون ومهملون ومحطمون بسبب إهمالهم، فيما هم بحاجة إلى رعاية متكاملة، ودعم وحضن ومحبة صادقة وكلام محفز، لكن ما يحدث لهم هو العكس دائماً، لذا فإن علينا الرفق بصغارنا ومراهقينا.”
تضيف سوسن أن “ما يحدث من استسهال للطب النفسي وسحبه إلى عوالم (الجنون) ما هو إلا تهرب من واقع الأمراض النفسية ورفض الاعتراف بها، اذ يعتقد بعض الآباء أن الطب النفسي خدعة، ولربما نتفق أن بعض الأطباء النفسانيين في العراق ما زالوا كلاسيكيين وغير مؤهلين لاستيعاب تطور وحداثة تقنيات الطب النفسي، فبعضهم يصف الأدوية فقط، لكن مع هذا فإن هناك الكثير منهم جيدون وقادرون على معالجة الأطفال من أمراض نفسية مستعصية كبيرة قد تستمر معهم حتى آخر العمر.”
وتبين في حديثها أن “بعض الآباء ممن يرون أن الطب النفسي ما هو إلا خدعة، عليهم احتواء أبنائهم وجعلهم نافعين للمجتمع، وأن يستمعوا إليهم دائماً ويمنحوهم الثقة غير المشروطة، وأن يسهموا باحترام أفكار أولادهم بدلاً من تعنيفهم أو السخرية منهم، إذ إن بعض الآباء غير قادرين على نطق ولو كلمة طيبة بحق أولادهم، إذ لا يشجعونهم ولا يحفزونهم، بل يطلبون المزيد من صغارهم وكأنهم روبوتات، إذن تخلصوا من أمراضكم النفسية اولاً بمعاملتكم السيئة لأولادكم، ثم صفوا الطب النفسي بالجنون.”