الرجل هو الأسبق في استخدام مساحيق التجميل

باسم عبد الحميد حمودي/

الله جميل يحب الجمال.. ذلك ما نؤمن به وما يسعى الإنسان إليه, وتسعى إليه حبيبتنا التي هي (الإنسانة), السيدة والحبيبة والزوجة والشقيقة… والآنسة والصديقة!

ذروة العلوم الإنسانية

ويعد علم الجمال ذروة العلوم الإنسانية التي وضعت قوانين إبداع الفكر الإنساني, لكن فن الجمال أسبق تطبيقاً لدى ذلك المخلوق الذي ساد الأرض وعمرّها.. وهو الإنسان.

اتجهت سيدتنا وأمنا الـأولى (حواء) أول ظهورها جنب الوالد العزيز (آدم) الذي نكبنا بالتفاحة اللعينة الى الأشجار لتحتمي بها واستخدمت أوراقها غطاءً وملاذاً, ولم تنس أن تتجمل بالأزهار وذلك بأن جدلت منها أغطية رأس, وأساور وزناديات.. احاطت بها رسغيها وزنديها.

لم تنس (حواء وهي في محنة نزولها الى الأرض أن تتجمل بما حصلت عليه من الطبيعة من ممكنات التجميل ولكن:

من الأول في التجميل؟

تاريخياً, يقول أستاذ فن الماكياج الفرنسي ميشيل دوريل وزميلته الكاتبة وأستاذة فن التجميل سابين ديروس في كتابهما المشترك (أسرار الجمال), أن الرجل هو الأسبق في استخدام مساحيق التجمل من المرأة, ولذا فهما يفندان تهمة (هوس) المرأة بالتجميل حيث سبقها أخونا (الرجل) في الركض وراء المساحيق المتيسرة في أيام البشر الأولى على الأرض, ليكون جميلاً ومقبولاً عند الساحرة التي دوخته.. الأنثى!

غرائب

في أعماق قلوبنا لسنا نرى شيئاً أجمل من أشكالنا وحيث يبدأ الفن من تمجيد الإنسان لشكله وجسمه, هذا ما يقوله أستاذ تاريخ الحضارة الإنسانية وول ديورانت في كتابه (قصة الحضارة).

ولايتفق البشر على مفهوم واحد للجمال, فالأذن المطروقة العريضة هي المفضلة قديماً لدى نسوة أفريقيا الساحلية الشرقية وفي نيجريا تكاد تكون لفظتا السمنة والجمال لدى المرأة مترادفتين, فجمال المرأة الكامل يكون في مدى سمنتها, وليس أقبح عند الرجل من المرأة النحيلة و(التنحيل) أمنية كل امرأة عصرية اليوم و(النحت) عند الأطباء وسيلة قاسية من وسائل الاضعاف عند امرأة عصرنا هذا

الغريب أن مؤرخ الجمال (بنوك) يقول أن الرجل لدى الشعوب البدائية هو الذي يتزين عن طريق جرح جسمه عدة جروح وفي مواضع متعددة, ليكون مقبولاً لدى الجنس الآخر, ويقول بلوك أيضا:

أن التجميل في أستراليا قديماً وفي ماليزيا وغينيا الجديدة كان احتكاراً للرجال, حيث كانوا يصبغون أجسامهم بألوان متعددة ليخيفوا الأعداء وتسعد النساء بألوانهم الجميلة!

عند النساء: كانت سيدات قبيلة (بنجو) يحملن اينما ذهبن حقيبة أدوات التجميل: ملقطاً للرموش والخدود ومشابك شعر على هيئة رماح صغيرة وخواتم وأزرار.

نساء قبائل (الفلاتة) في أفريقيا الوسطى كن ينفقن عدة ساعات في اليوم لتجميل أنفسهن, وهن يصبغن أيديهن وأرجلهن صبغة أرجوانية بأوراق الحنة, ويصبغن أسنانهن بالأزرق والأصفر والأرجواني على التوالي، وأما الشعر فيطلى بلون أزرق!

حكاية الوشم

للوشم حكاية أخرى، ففي جزر غرينلند وشمت الأمهات حتى شفاه بناتهن ليمهدن لهن سبل الزواج, لكن الوشم الكثير التفاصيل لدى الرجال في قبائل الهنود الحمر قديماً كان يزيدهم بشاعة ليخيفوا أعدائهم وليظهروا قوتهم أمامهم.

وكانت قبائل ايبوكوتا يجعلون أوشامهم شبيهة بأشكال الدب والتمساح والسلحفاة، حتى أنك لا تكاد تجد جزءاً من أجسامهم لم (يزين) بالوشم أو يشوه.. في عرفنا في الأقل.

يقول الفنان الراحل والباحث في حقل التراث الجمالي في دراسة له عن الوشم: أن المرأة السومرية كانت أقدم النساء في الأرض اهتماماً بالوشم وتطريزه على الجسد بأشكال متعددة.

واذا وصلنا تاريخياً الى القرن العشرين وتجولنا في ملفات الوشم في العراق، لوجدنا أن امرأة المدينة تنافس امرأة الريف والجبل بالتزين بالوشم الذي يحيط برسغ اليد ويرسم حجلاً في القدم ويدق على الحنك.. وفي أماكن أخرى من الجسد الإنساني.

وللرجل العراقي وشمه أيضاً, فبعض القبائل تختار وشماً على الصدغ الأيسر, وعرفت قبائل النعيم بالوشم سابقاً بنقطة واحدة عند أسفل الأنف وعلى يسار الشفة اليمنى.

واذا كان الوشم عند الرجال قد اختفى أو كاد في العراق, فقد تعاظم شأنه في غرب أوروبا وافتتحت معاهد لتعليمه ومراكز لتطبيقه ورسمه على أجساد الجنود والبحارة منهم بوجه خاص.

وبعد

فأن الهدف من التزويق والتجميل هو اظهار محاسن الجسد الإنساني للجنس الثاني, أو أظهار هيبة الإنسان في عطره وملبسه وزيه, وقد اختلف الناس في كل عصر وزمان في ألوان التجميل والتزويق لشعر الرأس وتسريحاته, وزادت النساء في أصباغ الشعر وتدقيق الأنف وقص المعدة والتباري في تعديل الحنك وتغيير معالم الوجه لاظهار الشكل البشري بأفضل وجه في عرفهن!

وتبارى بعض المترفين من الرجال في تنحيف الجسم وزرع شعر الرأس وابدال أجزاء من السحنة.. ايغالاً في التجميل واظهار الشكل البشري بأفضل وجه.. كما يتصورون, وكما أغراهم به أطباء التجميل.. ولله في خلقه شؤون.