الكيمياء العاطفية فخ لاصطياد الآخر أم حقيقة ؟!

آمنة عبد النبي /

هل جربت أن يمضي بك الوقت مع أحدهم وانت محمول بجناحيّ فراشة مع تسارعٍ في ضربات القلب وتورُّد ملحوظ في الوجه، لا تود التوقف عن الحديث وتشعر بخفةِ روحك ورغبتها المُلحة بالتحليق ما بين السطور والزهور دون ملل، إنها “الكيمياء” الفطرية والذبذبات الانسانية التي تُجذب أحدنا للآخر بطريقة المصادفة.
ما حكاية الكيمياء العاطفية ومحاذيرها، ولماذا تواجه النساء رفضاً اجتماعياً حاداً من الرجل اذا ما تعلق الامر بحذفه خارج حياتها لانعدام التوافق، بينما يحق له أن يجاهر برفضه لها بحجة الكيمياء دون أن يُعيبه أو يتهمه أحد، وهل حقاً أن رواسب الرعونة النسويّة والذكورية المقيتة لا تزال حجر عثرة أمام كيميائية الإنسجام الحياتي المطلق.
كيمياء ذكورية
“الرجال لا يؤمنون بشيء اسمه كيمياء اذا ما تعلق الامر بتركهم واضحاك الجميع عليهم بحسبِ وجهة نظرهم الذكورية، لانه لا يمكن للمرأة بعد الزواج أن تكتشف بأنه لا يوجد كيمياء، لان كل شيء بنظرهم يمكن اصلاحه”.
أول من فتحت النار بوجه الرجال وعدتهم كيمياء ذكورية غير قابلة للانسجام مع نقيضاتها، هي المحامية العراقية المغتربة في السويد (احلام الغراوي) قائلة: حينما طلبت الانفصال من زوجي بسببِ عدم وجود أية كيمياء بيننا، اعتقد أن هذا الحوار الغريب عبارة عن مزاح ثقيل ولم يخطر بباله على الإطلاق بأنني جادة ولا يمكنني إكمال حياتي معه بتلك الطريقة الباردة، بل وعد السبب حجة لإنهاء الزواج وإهانته والتخلي عنه بعد ثلاثة أعوام ولا استغرب بصراحة من عدم شعوره بما أعانيه طالما كنت لا أشعر معه بأي نوع من أنواع الانجذاب أو الانسجام أصلاً، لم يكن يجمعنا سوى السرير ومائدة الطعام بل كنا اذا اجتمعنا في البيت لوقت طويل سنقضيه صامتين او منشغلين بهواتفنا، واذا خرجنا للتسوق يتعمد فرض رأيه باختيار الحاجات خصوصاً المنزلية، بصراحة وصلت معه للحد الذي يُحسب فيه عليّ أمام الناس وبضمنهم أهلي شريكاً متكاملاً تجاه واجباته المنزلية، غير أن ما تحتاجه المرأة ككائن شفاف يختلف اختلافاً كبيراً عن تلك الشكليات.
رعونة نسوية
“الكيمياء العاطفية العاجزة عن خلق حالة من التوافق وتذليل الصعاب بين الطرفين المحبين والمختلفين بذات الوقت، هي كيمياء موهومة ولا تملك أي نضج وعقلانية”
المنتسب لعناصر الحماية الامنية في مطار ستوكهولم (علي نجم) عد العقلانية هي كيمياء تفتقدها الكثير من النساء اللواتي استبدلنها بالرعونة، قائلاً: هي النظرة الروحية لطبيعة العاطفة وتوافق الجسد معها توافقاً كاملاً، أي إنها تطابق كيميائي جاذب لجسدين او روحين نحو بعضهما، ونظرة تحليلية لكلٍ منهما ومدى سرعة قبوله سنجد أن الانسجام العاطفي يأتي بسرعة ما بين الطرفين، أما الفكري فقد يأخذ وقتاً طويلاً، أنا متزوج منذ أكثر من عشرِ سنوات ولهذي اللحظة بيننا توافقات فكرية لم نصل فيها لنتيجة مشتركة، لكن ما يجمعنا هو التوافق العاطفي الذي يمد علاقتنا بالانسجام والهدوء ولا يمكن تغافل الطريقة الكيميائية التي تتعامل فيها المرأة هنا بكونها تختلف اختلافاً كبيراً عن الرجل في ما يخص نضجها وتعقلها وتهذيبها حتى لكيميائها اذا ما تعلق الامر بحماية السقف الزوجي من الانفصال نجدها أعقل من الرجل بكثير، مع أنني لست ضد الانفصال ولكن القضية تحتاج أحياناً الى وقت لفهم المؤثرات الظرفية لأن أغلبنا يمر بظروف سيئة ومؤقتة تفرض عليه قرارات متسرعة يندم عليها لاحقاً، أي إن الموضوع بين أي شريكين يحتاج منهما إلى انضاج لمساحة الكيمياء لتلافي ما لا يحمد عقباه كما حدث مع صديقة لي تزوجت للمرة الرابعة ولم تكن المشكلة في زيجاتها وإنما كلما ارتبطت باحدهم يسير الامر في البداية بشكل جيد ولكن مع الوقت وبظهور الاختلافات الجانبية التي تحتاج للاحتواء والتفهم منها تقوم بترك كل شيء برعونة وتطلب الانفصال، اذن هنالك من يحتاج نضجاً كافياً لتتغلب كيمياؤه العاطفية على بقية الثغرات الطبيعية.
تخلف ثقافي
“الكيمياء فطرة بشقيها الحميمي والفكري بل هي الشكل الحقيقي للتوافق بين الطرفين ولا يجب أن يتم الارتباط بشكل سريع يفقدهما السيطرة على مواطن الاختلاف، واذا لم يتمكنا من ذلك فهذا يعني أنه لا توجد كيمياء بينهما”
السيدة العراقية (أمل هاني) استغربت من حالة التراشق واتهام الطرفين لبعضهما، عادة التخلف المجتمعي هو المسؤول عن غياب ثقافة الكيمياء، مكملة: نزعة فطرية وتقارب بايولوجي تلقائي، لا علاقة للعمر والتجارب بنضجها وإنما هي هكذا تنشأ بذات الانسان وجسده فطرياً، الفارق الوحيد هنا هو اختلاف شكلها من شخصٍ لآخر لأن لدى كل شخص تفاصيل صغيرة لا يلاحظها أحد لكن حين تكون هناك كيمياء بين شخصين فسيلحظان حتماً التفاصيل بالتقارب، علماً أن وجود الكيمياء داخل المرأة بشكل مركز تجاه الرجل الذي تود الارتباط به هو إيجابي جداً، لأنه يجعلها تتنازل عن بعض الامور الثانوية باعتبار أن التوافق يصلح النقوصات، والغريب اللافت في مجتمعاتنا أن ثقافة الكيمياء العاطفية تواجه رفضاً من غالبية العوائل حينما يحتاج الرجل او المرأة وقتاً ومساحة تسبق الزواج لمعرفة حجم التوافقات العاطفية والفكرية والجسدية، سوف تُقابل تلك الثقافة بالرفض القاطع وتُتهم بالعيب والتخلف ولذلك نجد أن الكثير من الاخطاء الاجتماعية الكبرى كان يمكن تلافيها وتجاوزها او على الاقل كانت بضررٍ أقل لو أن فترة التقارب كانت كافية لمعرفةِ بعضهما البعض أكثر.
مدنية وحداثة
“كارزما الشخصية وتكاملها يبدأ من تدرجات البيئة المحيطة أما التجارب الحياتية المُتعاقبة فيما بعد فسيكون دورها محصوراً بصقل الشخصية”

الكاتب والناشط المدني (مثنى السعيدي) التقط برأيه صوراً ثقافية للكيمياء من زاوية المجتمع وتقلباته، قائلاً:
الانسان بشكل عام يهتم بالعموميات ولا يركز او يشغل نفسه بالتفاصيل، وعندما تحدث الكيمياء سوف يقترب كلا الطرفين لا إرادياً لأدق التفاصيل لأن هذه هي الفطرة الطبيعية، علماً أن التركيز في التفاصيل عند المرأة يكون أكثر من الرجل وهذا لا يعيبها بل ينحصر ضمن تركيبتها البايولوجية والنفسية، لكن بشكل عام فإن الحديث عن الكيمياء هو حديث عن ثقافة حداثوية ضرورية جداً لا سيما في مراحل الخطوبة والتعارف وهي مهمة جداً لكلا الطرفين قبل الارتباط، لأن الارتباط التقليدي يُعاب عليه أنه خالٍ من الكيمياء بل مجرد اعجاب واطمئنان نفسي بين الطرفين وقد يتحول بعد الزواج الى كيمياء او لا يحدث وهو الاغلب، أما هل الكيمياء مقبولة اجتماعياً ولها مساحتها، اعتقد في السابق كانت مرفوضة تماماً بسبب ذكورية المجتمع وحاكمية الرجل العميقة، أما اليوم فإن الكثير من العوائل اصبحت متفهمة لطبيعة هذا الارتباط، لكونها أصبحت أكثر مدنية في التعامل مع هذا الموضوع.