المتسربون من المدارس..أطفال إنحنت ظهورهم مبكراً

 جمانة علي/

أسباب بعضها ذاتي وآخر موضوعي تدفع بعض التلاميذ والطلبة الى التسرب من المدرسة واللجوء الى حلول أخرى لمواجهة الظروف القاسية التي يتداخل العاملان الاقتصادي والاجتماعي في خلقها، فيكون الضحايا من الأطفال والصبيان والصبايا الذين يدفعهم الخراب العائلي والعوز المادي أو فقدان أحد الأبوين الى أن ينتهوا عند قارعة الطريق أو شغيلة في مخبز أو مطعم أو كوفي شوب، فتضيع البراءة ويخسر الجميع الفرد والعائلة، لكن الخاسر الأكبر هو المجتمع الكبير الذي تراجع دوره لأسباب كثيرة في مقدمتها إنحدار مستوى التعليم بل تقهقره
ومايرتبط به من أسس التربية والبناء النفسي والذهني غير السليمين… الأسباب لهذه المشكلة عديدة ومتنوعة لكن الحلول والمعالجات شحيحة إن لم تكن معدومة في معظم الأحيان.

عاملة في مقهى

رند ابنة الـ(15)عاماً تعمل في مقهى حيث وجدت أن العمل ضمان لها أفضل من الدراسة. تقول رند: كنت طالبة في الصف الثاني المتوسط وكانت درجاتي عالية جدا, الى أن انفصلت أمي عن أبي وتزوج أبي بأمرأة أخرى، ثم قامت أمي بالتعرف على شخص آخر حيث تقضي معظم أوقاتها معه ولاتعلم مايحل بي، فبدأت بأهمال دراستي شيئا فشيئا وبدأت أقضي معظم أوقاتي مع صديقاتي وأصدقائي في الكوفي شوب, الى أن وجدت فرصة عمل فيها وهنا دخلت عالماً آخر لا أعلم فيه عن مستقبلي شيئا سوى أنني أحصل على أجوري اليومية وتقديم الخدمة للزبائن بعيداً عن أمي العاشقة وأبي المتزوج بأمرأة ثانية..

الفقر

وفي حالات كثيرة، لا يسمح وضع الأسرة المادي بتحمل نفقات التعليم من رسوم الدراسة والكتب واللباس المدرسي، إضافة إلى خسارة الدخل الذي يمكن للطفل أن يؤمنه إذا مارس عملا ما بدلا من الدراسة.
بعد استشهاد والده إضطر منتظر ذو الـ(14) عاما لترك الدراسة وإعالة عائلته التي تسكن محافظة ميسان، حيث قدم الى بغداد للعمل في منطقة الكاظمية كحمال للبضائع. منتظر ينام في الشارع صيفاً وشتاء متحملا البرد القارس والصيف اللاهب في سبيل الحصول على لقمة عيش تغني عائلته عن مد يدها للآخرين, يتحدث منتظر بحسرة قاتلة عن وضعه المأساوي بعد استشهاد أبيه ليتحمل مسؤولية عائلة متكونة من أمه وأخوته الثلاثة الذين تركوا الدراسة أيضاً لعدم توفر المال الكافي لسد إحتياجاتهم الدراسية.

المشاكل الاجتماعية

أحمد لديه طفلان أحدهما في السادس الابتدائي والآخر في الثالث المتوسط انفصل عن زوجته بسبب المشكلات المستمرة، يعمل أحمد كمنتسب بقوى الأمن الداخلي ونظراً لانشغاله بوظيفته، ترك الطفلان الدراسة وأصبحا من رواد المقاهي وصالات الألعاب, عند سؤالنا للأطفال لماذا تركتم دراستكم؟ قالوا وماذا نفعل بالدراسة فليس لدينا حسيب ورقيب وليس لدينا من يتابعنا, الأم ذهبت وتزوجت بشخص آخر، والأب مشغول بعمله ونحن هنا مع الأصدقاء نقضي أوقات فراغنا.

أما الأب فقد رمى باللائمة على المشاكل الزوجية التي أدت الى انفصاله عن زوجته، فلو كانت الأم موجودة لما حصل ماحصل وتسرب الأطفال من مدارسهم.

سوء الإدارة المدرسية

أحد الطلبة الذي وجدناه في صالات الألعاب القريبة من المدرسة أثناء الدوام المدرسي وهو يحمل سيكارة بيده, قال: خرجنا من المدرسة بسبب الأستاذ الذي كلما أتى إلينا يبدأ بصياحه ولانستطيع فهم أي شيء من المادة وكلما ذهبنا الى الإدارة لنبلغ عن تصرفاته لايستمع إلينا أحد، فاضطررنا لترك الدرس كلما جاء الأستاذ إلينا.
أبو علي يرى أن العامل الرئيس هو طرق التدريس، حيث لاتوجد وسائل تعليمية لجذب الطالب للمادة واقتصار بعض المعلمين على طريقة تدريس واحدة تفتقر لعنصر التشويق، كما يعتمد بعض المعلمين على طرق تدريس مملة إضافة لعدم التزام بعض المعلمين بالخطة الدراسية.

طالب متسرب آخر قال مانفع الشهادة وأغلب من حصلوا عليها يجلسون كحالنا في المقاهي…
علياء فاضل معلمة في إحدى المدارس وجدت أن طول المنهج وكثرة المواد المقررة وصعوبتها وعدم ارتباط المنهج ببيئة الطالب كلها أسباب لنفور الطالب من دراسته.

وتؤكد الباحثة الاجتماعية بتول عبد العزيز أن هناك عوامل عديدة تتسبب في انقطاع الطالب عن المدرسة، وبعض هذه الأسباب متداخلة إذ إنه لا يمكن أن نجزم بأن هذا الطالب ترك المدرسة لسبب بعينه من دون الأسباب أو المؤثرات الأخرى التي اسهمت في انقطاعه عن المدرسة. فمثلاً قد يترك الطالب المدرسة لشعوره بأنه أكبر سناً من زملائه بالرغم من أنه لم يرسب أو يعيد أي سنة، أما سبب تأخره الدراسي فيعود إلى أمية والده الذي لم يلتحق بالمدرسة في حياته، ولذا فهو لم يلحق ابنه بالمدرسة إلا في سن متأخرة بعد أن أصبح عمره 8 سنوات. وهنا لايكون السبب المباشر في مغادرة هذا الطالب للمدرسة لأنه أكبر عمراً من زملائه، بل السبب الحقيقي لتأخر دخوله المدرسة بسبب جهل أو إهمال والده، وهذا بالطبع يؤثر على نفسيته لشعوره بأنه أكبر زملائه في الفصل وأن أترابه قد سبقوه، ويتسبب ذلك في إصابته بالإحباط الأمر الذي يؤدي في النهاية لانقطاعه عن المدرسة إضافة الى إهمال الطالب، كعدم مراقبته وكثرة الأشغال والانشغال بالمشاكل الحياتية المتنوعة لضمان لقمة العيش. وهذا ما قد يعد بداية مؤشر على عدم مواصلة التلميذ لدراسته بالجدية المطلوبة مادامت المجهودات التي تبذل داخل المدرسة تحتاج للدعم والتقوية في المنزل، بل قد يزداد الأمر فداحة إذا اقترن الإهمال في المنزل بعنصر آخر خارجي وهم رفاق السوء.

حلول

معلمون وأساتذة وجدوا أن الحل يكمن في توعية الطلبة بأضرار الهروب من المدرسة وابلاغ ولي أمر الطالب فوراً وتسجيل الغياب لكل حصة ومساعدة الطالب على تلافي أسباب الهروب، ومن ذلك على كل مدرسة أن تحتفظ لكل طالب بملف خاص تسجل فيه مستواه الذهني ومستواه الدراسي وسماته البارزة واتجاهه الخلقي العام وميوله… وذلك لمتابعة حالته كذلك يجب على كل مدرسة أن تهتم بعلاج المشكلات والانحرافات السلوكية مباشرة وتعمل على العلاج المبكر قبل أن يستفحل الأمر ويستعصي شفاؤه، فلا بد أن تهتم المدرسة بالتعاون مع البيت للكشف عن أسباب هذه المشكلات، كما يجب على الوالدين تجنب النقاشات الساخنة والمشاحنات أمام الأولاد، وإشباع رغبات الأبناء بقدر المستطاع وعدم حرمانهم المتطلبات الرئيسة للمدرسة.