ببنطال ممزق و نرجيلة.. نساءٌ يتمردن على التقاليد

امنة الموزاني /

بربيشُ نرجيلة قاتل، وبنطالُ جينزٍ بالٍ وممزق، وقائمةٌ طويلة من الألفاظِ البذيئة التي يكاد يتحول استخدامها في الجدِ والمزاحِ إلى ثقافةٍ شفاهيةٍ هجينةٍ تجعل كلّ من ينظر ويستمع لأصحابها يشعر بانّ وجود الاباءِ صارَ مكملاً لأثاثِ البيت.
تُرى من يقَف خلفَ ترويج البذاءةِ المُبطنة إلى الفتيات عبر مواقع السوشيال ميديا ونجوم الطشّة والانحطاط، وما هو سرّ تقاطع جيل السوشيال ميديا مع ثقافةِ الخجلِ والادابِ العامة التي تربَّت عليها أجيالنا السابقة، ولماذا تحولت الموضةُ البناتية الهجينة والستايل الممزق القبيح إلى رمزٍ للتمردِ والوقاحة؟!

جرأة وقناعة
“لا أحد يحدد للاخر ما يلبسه ولا ما يتلفظ به، وعلاقة العدوانية بالملبس خرافة، والآباء لهم حق إبداء الراي فقط، أما القناعة فهي قرار شخصي..”
تمردٌ واستهجانٌ، بداته ريتا جاكوب، وهي شابة عشرينية مولودة في إنكلترا من أصل عراقي.. تقول جاكوب:
ما أتلفظ به وما أرتديه، محتشماً كان أم ممزقاً، هو شاني الخاص، وراحتي النفسية والذوقية أجدها في لبس الجينز المُمزق لأن تصميمه يمنحني فرصة الخروج عن المالوف والجراة لدرجة أني أحياناً أتعمد تكبير فتحاته ليكون أكثر إثارة، وعدم لبسه لا يعني انني فتاة محترمة، بالمقابل فإن لبسه لا يمنحني حق ارتكاب الأخطاء، أما باقي التفاصيل فإن الإنسان بعمر المراهقة له حق اكتشاف الأشياء وتجربتها بنفسه مثل التدخين والمغامرات الأخرى، الحياة في أوروبا فضاء مفتوح من الحريات، إذ لا مكان للعادات والتقاليد المتوارثة.

وقاحة وضياع
“حمقاء بامتياز إذا قمت بإهدار صحتي ببربيش النرجيلة لمجرد أن يُقال عني متحررة، وغبية بإصرار حينما أحط من شان أخلاقي بالألفاظ البذيئة لمجرد أن أنعت بالجريئة..”
بهذا الانفعال، ردت الشابة العراقية رنا عطا الله، الطالبة في معهد المعلمات، على كل من تعتقد بالحرية المُطلقة، قائلة:
الشباب يتقربون ويجاملون الفتيات اللواتي لا تتورع ألسنتهن عن المجاهرة بالكلمات البذيئة أو اللواتي لا يفارق بربيش النرجيلة أفواههنّ في الحفلات والمقاهي، لكن حينما يفكرون بالارتباط أو يصنفون الفتيات أخلاقياً فإنهم لا يضعون “المتحررات” الاّ في خانة الانفلات المستنسخ من (الفاشنستات) والطاشات والبلوكرات، وفي نهاية الأمر مهما شاعت تلك السلوكيات بين الفتيات في مجتمعاتنا يبقى النموذج السوي والمتزن هو المعيار.

سياسة وتكنولوجيا
عبير اللامي، المتدربة في مجال البحث الاجتماعي في السويد، أشارت إلى الفارق الثقافي بين المجتمعات “ففي السابق كنا نشاهد كبار السن في المقاهي هم فقط من يدخنون السائر أو النرجيلة، الان أصبح منظر الفتيات اللواتي يتفاخرن بها صادماً.”
وتستدرك محذرة: الكارثة أن مادة “المعسّل” مخلوطة بمواد مخدرة. كذلك الحال بالنسبة للألفاظ البذيئة التي وجدوا لها تبريراً وقحاً لا علاقة له بالذوق والتربية. مضيفة: أما ظاهرة الجينز الممزق، فإن لها تاريخاً قديماً يمتد إلى سبعينيات القرن مع حركة (بانك) الثقافية المتمردة التي كان يقوم اعضاوها بتدمير السلع كنوع من الاحتجاج، ومن هنا بدات هذه الصيحة تلفت نظر صناع الموضة الذين قاموا بتوظيفها.
أما التربوية زهراء الزبيدي، فاعتبرت أن تدني الاخلاق والياس بين الشباب وتدهور العلاقات الاجتماعية قد تزيد الرفض انتشاراً، لأن التكنولوجيا والتحديثات الإلكترونية هما من يصوغان حياتهم، لا تقاليد الأمهات والجدات، وما يتلفظون به من كلمات بذيئة هي بنظرهم مجرد كلمات غير مرغوب فيها اجتماعياً كونها جريئة وعلامة من علامات الشباب والانفتاح.

تشويه وانهيار
الكاتب والتربوي علي خضر أكد على أن هناك غزواً ثقافياً ممنهجاً يتعرض له الجيل من خلال حملات التشويه الفكري، موضحاً بتفصيل:
تعلّق الفتيات بالجينز والبذاءة والنرجيلة هو أهم أسباب ومغذيات تهديم الشخصية وضياعها، والسبب الرئيس هو لعنة السوشيال ميديا وما يُنشر من أفكار هدامة للقيم على المستوى العام، وتدمير ممنهج لشخصية الفرد على المستوى الخاص، وهنا أقصد كثيراً من الحسابات العلنية والوهمية والبيجات المليونية ذات الأهداف الهدامة، والعتب واللوم بالدرجة الأولى يقعان على ولي الأمر الذي لم يقم بدوره كمربٍّ ومسوول عن تربية أسرة بالكامل، ولاسيما الفتيات بعد تسويق فكرة التربية في بعض المجتمعات الأوروبية التي تعطي المراهق حق الاستقلالية في حياته عند بلوغه سن الخامسة عشرة وما بعدها، وهذه هي السن الأخطر، وهنا تحديداً نجد أن العائلة العراقية قد تاثرت بهذا المبداوأهملت متابعة أو محاسبة المراهق في تلك المرحلة التي أدت إلى تلك السلوكيات غير الصحيحة.
ذات مرة سالت ولي أمر أحد الطلاب في المدرسة عن سرّ تشدده في السابق وعدم موافقته على ذهاب ابنه لممارسة رياضة كرة القدم في إحدى الساحات الرياضية، فعلل الأمر بانه يخاف على ابنه من أن ينحرف، وهذا الكلام كان قبل عشر سنوات تقريباً، واليوم هو ذاته من يجلب النرجيلة لابنه معللاً الفارق بان الزمن قد تغير، وحقيقة لا أعرف ماذا يقصد، برغم أن الزمن واحد والخطا واحد والتربية واحدة. إذاً، فإن غياب دور الأهل بالدرجة الأساس هو من سمح لتلك المعايير البائسة أن تتمدد وتسمح لدعاة التحرر والبذاءة واللا أخلاق بالظهور والتغلغل في أوساط الشباب وحثهم على ذلك بدواعي الثورة على التقاليد المتخلفة، ولاسيما أن اعتقاد الفتيات المراهقات بان البذاءة الكلامية مشروطة بقوة الشخصية صار يقيناً بعد أن أشاعت شخصيات السوشيال ميديا من النساء ودعاة التحرر والفاشنستات اللواتي يجاهرن بالبذاءة، بل يصل الأمر إلى استخدام مصطلحات معيبة في النقاشات، كذلك الشتم وسب الذات الإلهية، ولا مانع في أن يصل الأمر إلى حدود خطرة تصل إلى العري المُطلق في العلن وهذا مارايته مرة عند إحدى صديقات الفيسبوك في خاصية الأستوري وهي تعرض صورة لها بحركة إيحائية جنسية مع ظهور جزء من جسدها وتقول متهكمة “في منتصف الليل لا مكان للمراة سوى بيت فحلها..”
وفي جولتنا التحقيقية هذه، اتضح لنا من خلالها أن هناك غزواً ثقافياً ممنهجاً يحاول تسويق ثقافة التمرد والوقاحة تحت عناوين التحرر والانفتاح، وأن تدمير الشخصية يبدا من إقناعها بان كل ما تختاره هو حق الاكتشاف وذوقها الشخصيّ، وأن لا أحد له الحق في توجيه النصح والموعظة لتقويم تصرفاتها، لأن طاعة الأبوين واحترامهما موضة قديمة، وأن هناك قصوراً واضحاً في احتواء الأبناء والعزلة عن عوالمهم الخفيّة، سواء من الآباء أو الهيئات التربوية التي يفترض أن تمارس دوراً تربوياً قبل أن يكون تعليمياً.