شراكة الواجبات البيتية.. جرأة أم سطوة قانون؟

#خليك_بالبيت

آمنة عبد النبي /

لماذا يتقبّل رجالنا (الشرقيون) في المجتمعات الاوروبيّة وبأريحية تامةٍ مهام ربّ البيت ومدبرة المنزل ومربية الأطفال دون التفوّه بأيِ كلمة تذمر، وبالمقابل نجدهم في مجتمعاتنا الشرقية يشترطون الارتباط بربةِ البيت المتفرغة لكلِّ ذلك ودون اعتبارٍ للأدوار غير المنصفة في الحياة الزوجية من وجهةِ نظر السيدات.
هل الأمر مقرون بسطوة القانون الاوروبي أم أن له علاقة بالنظرة الحداثوية لفكرة الشراكة؟، ومن المسؤول عن الربط المُهين ما بين نظرية إسقاط الرجولة وفكرة جلوس الرجل في البيت للعناية بالأطفال؟!
قناعة مهزوزة
مهما ادّعى التحرّر والانصهار بشخصية الاوروبي، فلا يمكنه الخروج من حلقة التناقض التي يعيشها، ومن تصرف العكس فالأمر متعلق بأصلِ تربيته المدنية سواء داخل أوروبا أو خارجها.
هكذا تبدأ التربوية في مدينة يتوبوري، ثاني أكبر مدن السويد (إلهام علي) حديثها، مضيفة: لدينا رجال شرقيون وجودهم بأوروبا عزّز نظرتهم لثقافة الحرية تجاه المرأة واحترام حقوقها لا سيما تحت السقف الأسري وواجباتهِ، هذا الأمر يعود لتربيتهم بالأصل داخل العراق أو خارجه وما اعتادوا عليه تجاه أخواتهم وأمهاتهم وزوجاتهم وزميلاتهم بالعمل، لذلك تجدينهم في البيت يأخذون دور ربّ البيت بكل أريحية، بل يتناصفون مع زوجاتهم أعمال المنزل والعناية بالأطفال، لكن ما أود أن أشير له بصراحة هنا أنّ الشرقي وبصورة مؤسفة لا يغيّر قناعاته بسهولة أبداً ويظل يعشق الانغلاق داخل بيته وخارجه، على العكس من المرأة فتجدينها سريعة التكيّف، ولو أنّ المرأة فعلا رغبت بممارسة حقّها كاملا لتضايق الرجل من سلوكها وقد يقبل ولكن على مضض، تخيلي مثلاً نسبة كبيرة من رجالنا هنا وهو في قلب اوروبا يدعم فكرة تعدد الزوجات ويجيزها علماً أنّ القانون يجرّمها لكنّه هو من ينظر لها نظرة منقوصة وظالمة وكأنّما يشتري المرأة بعقد طابو، وتجدين آخر لا يرتبط بامرأة لها ماضٍ أو سبق لها الزواج، في حين أن الغربي يعدّ الأمر ضمن دورة الحياة وحقوقها بثقافة التجربة، كل ذلك لأنّ الأخير قطع شوطاً في مجال احترام الحقوق والحريات.
جلباب الذكورة
المهندس (كرار حميد) أبدى اعتراضاً واضحاً باستخدامه مصطلح “جلباب الذكورة” قائلاً باستغراب: لا أعرف السر وراء تلبيس المرأة جلباب الذكورة، أنا اعتقد أنّ لكل جنس وظائف فطرية وبايولوجية، وعلى هذا الأساس تمّ تصنيف الأدوار في البيت والحياة، فصارت حصّة المرأة العناية بالبيت والأطفال وصار الرجل متكفّلاً بالعمل لتدبير المعيشة، وإذا فعلها الرجل وتبادل معها الدور فلا يعني أبداً إسقاطاً لرجولتهِ، غير أنّ البيئة القبلية التي تحكم زوايا مجتمعاتنا قد تتدخل وتفسد الأمر، لذلك تجدين أنّ من يكسرها يُتهم بالكثير، أما قضية اضطلاع الرجل في اوروبا بدور ربّ البيت فاعتقد أنّه جاء خوفاً من القانون لا إيماناً بالشراكة الزوجية.
وبشأن فكرة الكثير من الرجال في مجتمعاتنا الشرقية ممن يفكرون بالارتباط بامرأة ربة بيت، انطلاقاً من قناعتهم المبنية على عدم انشغالها عن بيتها وأولادها، فأنا اعتقد أنّ هناك من يعدّ المتفرغة هي الخيار الأفضل، ولكل رجل الحق باختيار ما يناسبه ولا يحق لا للمرأة ولا للمجتمع أن يضع له سياقات ويحدده، أنا شخصياً كنت أبحث عن زوجة ربة بيت لكن بعدها ارتبطت بموظفة.
إقصاء ثقافي
الكارثة الجندريّة بدأت من أفكار خاطئة ومغلوطة زُرعت في عقول الرجال في مجتمعاتنا بشأن بايولوجية المرأة الضعيفة معنوياً وجسمانياً.
هذا الرأي المحتج قادم من بلاد الارز لبنان، من مسؤولة العلاقات العامة في الاكاديمية الاميركية للتدريب (مريم سمير) التي تقول: لقد أقنعوها ثقافياً بكونها لا تصلح لأكثر من فكرة الانجاب وتدبير المنزل، الرجل هو من أسّس لتلك الأرضية الاقصائية، علماً أنّ لدينا الكثير ممن يفهم ويقدّس المرأة ودورها بشتى النواحي بمفهوم صحيح وواعٍ، نعم الجزء الاكبر من العمل البدني الشاق والوظائف الصعبة يتكفل بها الرجل ويتحمل مسؤوليتها لاختلاف بنيته الجسدية وحالته الجسمانية التي تساعده، لكن هذا لا يمكن اعتباره حداً فاصلاً بين التقسيمات الوظيفية وإبقاء المرأة بعيداً عن سوق العمل.
إذن ليست القوانين وحدها تختلف من بلد لآخر فحسب، بل التوجهات الذاتية والدينية والعرفية التي صارت تتدخل حتى في نوعية أطعمتنا وملابسنا، كيف يمكنها أن لا تتدخل في أمر كهذا وتفسده، في اوروبا القوانين تختلف جذريا عن الموجودة في مجتمعاتنا الشرقية الهشة والمتخمة بالترهلات لا سيما من ناحية التفاضل بين الرجل والمرأة، هذا الموضوع كثرت فيه الجدالات وما زالت خاضعة لمزاجيات المجتمع الذي سواده الأعظم يميل لما تميل له السلطة الذكورية.
ماكنة إنجاب
الإعلامي المقيم في اوربا (حسين كاظم) يقول: الرجل الحقيقي والمتفهم لديناميكية الحياة ويريد بناء أسرة حقيقية متعاونة ينظر إلى السعادة الزوجية كفعل مشترك، الرجل المتكئ على الأعراف القبلية الخاطئة الذي يعد مساعدة زوجته في البيت إنقاصاً لرجولتهِ، لا يهين سوى نفسه وكرامتهِ، لدينا ارتباطات شرقية تشعّبت داخل منظومة خاطئة في مجتمعاتنا، فأفرزت العقدة الذكورية التي تصنف المرأة كماكنة، مهمتها الواجبات البيتية والعناية الأسرية لوحدها كتربية الأطفال، بينما الرسول الكريم (ص) يقول: “خيركم خيركم لاهله وأنا خيركم لأهلي”، واعتقد من باب التسليم بمعتقداتنا التي تحفظ قيمة المرأة ولا تفرّق بينها وبين الرجل في الحقوق، يجب علينا أن نقتدي جميعا بما ذكره النبي محمد (ص) وهو يرسم آلية التعاون المشترك بين الزوجين بوصفها خُلق الاسلام والدين المحمدي.

النسخة الألكترونية من العدد 360

“أون لآين -3-”