ضحايا “الديب فيك”.. قُتلن قبل أن يثبتن براءتهن!

آية منصور/

تخيل أنك تستيقظ فتجد نفسك في المالديف، أو أنك تتحدث بعصبية، أو تضحك مع مجموعة أشخاص “لا تعرفهم في الواقع”، لكن ملامحك وحركاتك واضحة في الفيديو، الذي لم تعمله أصلاً، لكن التقنية الإلكترونية، صار بإمكانها أن تتلاعب بحياتك وتستخدم صورك وتجعل منها شخصاً ينطق، ويقول كلاماً لربما لم تفكر فيه يوماً، هذه التقنية تغزو واقعنا الافتراضي، وتجلب معها الكوارث لأناس وقعوا ضحية لآخرين وظفوها لغايات عديدة.
إن مفهوم الذكاء الاصطناعي بدأ يصل الى المتلقي والفرد بأشكال عديدة، أهمها اليوم وأكثرها “أقاويلاً، بين الناس” هي تقنية “الديب فيك ” Deepfake، التي يخشاها الكثيرون، خوفاً من أن يقعوا في شباكها الشرسة، فلماذا؟ ولاسيما أن عدداً من النساء في المجتمعات العربية قُتلن تحت بند غسل العار، عندما فشلن في إقناع أهاليهن بأن هناك من تلاعب بصورهن وصنع منها فيديوهات في مواقع إباحية، بل حتى المجتمع الافتراضي لم يرحمهن، ولم يمنحهن الوقت للدفاع عن أنفسهن، قبل أن يكتشف العالم هذه التقنية الخبيثة التي تتيح لمن يستخدمها أن ينقلك من عالم إلى آخر باستخدام صورتك ووضعها على أجساد أشخاص آخرين.
خوارزمية التحكم بالبشر
الخبير التقني مصطفى عبد الهادي يؤكد أن “الديب فيك” هي تقنية من تقنيات الذكاء الاصطناعي، التي تُقدم الى المتلقي من حيث استخدامها في إنتاج فيديو أو التعديل على فحواه بشكل كامل ليستعرض شيئاً لم يكن موجوداً فيه بالأصل.
“أطلقوا العنوان deepfake، للاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعية للتعلم العميق من أجل العبث بوجوه النجوم والمشاهير وإدخالها في فيديوهات لا علاقة لهم بها، ولذلك، فإنّ التسمية جاءت لتجمع بين تقنيات التصوير والتزييف.”
ويوضح عبد الهادي أنه كان يتصفح في الإنترنيت حينما صادفته كلمة “deepfake” فظن أن العبارة خاطئة، وكانت معروضة “كخدمة”، مؤكداً أن فضوله أجبره على دخول المتصفح ليفاجأ بوجود خدمات مقابل المال، تقدم خمس دقائق من تعديل الوجه “المراد تعديله” ووضعه على صور او فيديوهات “إباحية” مقابل ٣٠ دولاراً للخمس دقائق!
“كدت أجن، الأمر بهذه الصورة ينذر بكارثة، كان المطلوب فقط هو دقة الصورة للشخص المراد وضعه في الفيديو وزاوية التقاطها، ولم أتخيلها مهنة، حتى تأكدت من التفاصيل المنشورة في الموقع.”
الحذر واجب
ويوضح مصطفى أن على الأشخاص الحذر والحيطة من نشر صورهم بزوايا ثابتة أو بدقة عالية، إذ أنه رغم غلق الموقع من قبل الإنتربول واليوربول، إلا أنه موجود في “الديب ويب” ولا تستبعد إعادة انتشاره بضغوط او تأثيرات من صناع القرار في العالم، “جميعنا نعلم حجم الضغوطات التي تمارس بحق النساء في العراق، بعضهن يُقتل لأسباب تافهة! علينا أن نقوم بتوعية بعضنا بعضاً من مسألة الـdeepfake ومحاولة ابتزاز المرضى والمجرمين للفتيات في العراق.”
كما يلفت مصطفى إلى أن هذه التقنية تعتبر من الأساليب السهلة والبسيطة للتعديل على الفيديوهات أو تركيبها بالكامل، ما يجعلها خطيرة وتفتح الباب لإساءة سمعة الآخرين أو الترويج لأجندة معينة.
التكنلوجيا والأخلاق
في السنوات الأخيرة، تطورت التكنلوجيا بشكل خطير وسريع، ومن المتوقع أن تتطور إلى درجة أننا لن نستطيع تمييز الفيديو او الصور التي تم التلاعب بها، فكل ما نحن بحاجة إليه هو التوعية، ليدرك المواطنون، أن ليس كل ما يرونه، حقيقياً!
ويبين عبد الهادي أنه مهما كانت التوعية شديدة، فإن الانغلاق والكبت المجتمعي، سيلقيان باللوم على الضحايا دائماً، ونتيجة لهذه التقنيات، فإن أموراً سيئة عديدة قد تحصل. “كل هذا يحثنا على تجديد الدعوة بتحديث القوانين المرتبطة بالأسرة، وزيادة العقوبات على المبتزين والمتلاعبين على جراح الآخرين من خلال التكنلوجيا، فبالقانون الحي يمكننا مواكبة التطور دون خوف وضمان استرجاع حقوق من قد يتعرض لهذه الممارسات.
من الترفيه الى الابتزاز
من جانبه، يرى التقني، وصاحب إحدى الصفحات المعنية بالابتزاز الإلكتروني، حيدر محمود، أنه في بداية ظهور تقنية “الديب فيك” كان غرض استخدامها للأوقات الترفيهية، كالتلاعب بوجوه النجوم او جعلهم يتحدثون عبارات مضحكة او حتى الاستمتاع برؤيتهم وهم يتحدثون عبارات يود مركبها أن يسمعها، وقتها كان من السهل للغاية معرفة الفيديو الحقيقي من المزيف، إلا أن ازياد شعبية هذه التقنية أدى إلى وصولها إلى عدد أكبر من الناس، وهو ما جعلها حالة غريبة محاطة بالأسئلة، إذا ما كنا بحاجة إليها بالفعل أم يجب وضع حد لها.
“انتشرت في الهند وقبل فترة قليلة، فيديوهات مخلة ومبتزة لكثير من النساء العاملات في مجال الصحافة، بوضع وجوههن على فيديوهات غير أخلاقية تم تركيبها لابتزازهن وجعلهن يتركن (أعمالهن) ولاسيما تلك المناهضة للقمع الفكري والسياسي والاجتماعي.”
ونظرا إلى سهولة استخدام الديب فيك، ازدادت مثل هذه الحالات يوماً بعد يوم، وبات هنالك الكثير من المحاولات لنشر أخبار كاذبة “موثوقة” بفيديوهات مركبة.
زوايا الصور
من جهته، أوضح الخبير في المجال المعلوماتي، أحمد الغالب، أن تقنية التزييف العميق تعتمد على “تشويه سمعة” المقابل وتلفيق التهم إليه دون وجه حق، ووضع أقاويل له لم يفكر في قولها يوماً، والأمر لا يقتصر على النساء وحسب، بل قد يمتد الى المسؤولين والحكام، بجعل الحرب تقوم بينهم وبين المواطنين بسبب فيديو مفبرك! وترك نصيحة لمتابعيه بقوله “على متابعي السوشيال ميديا نشر صورهم بدقة غير عالية، وبزاوية غير منتظمة، أي أن لا يكون الوجه مباشرة نحو الكاميرا، لأن هذه الخوارزمية تعتمد على أن يكون الوجه “متكامل الزوايا وبدقة عالية” لوضعه على الفيديو.
في الإنترنيت
وتوضح الناشطة ديما البكر، أن خوارزميات الإنترنيت، تجعل المواطن يقترب أكثر من هذه المواقع التي قد تكون مغلقة في هذه الفترة، لكنها، بلا شك، ستصبح متاحة يوماً ما، كجزء من التسويق لبقاء الإنترنيت وزيادة متابعيه. وبينت أن هذا الأمر طبيعي، فليس جميع صناع المعلوماتية في عالم الإنترنيت غايتهم هي الفائدة العامة. “بعضهم يستفيد من هذه المشكلات التي قد تطرأ على الأفراد بجنيِهِ أموالاً أكثر، ومما لا شك فيه هو أن الكثير من التطبيقات ستظهر في الأمد القريب نظراً لسرعة تطور التكنلوجيا، وكل ما يلزم المواطن هو الحذر واتباع الطرق الصحيحة باستخدامه الإنترنيت.”