ظاهرة الانتحار في ذي قار.. إحصائيات تدعو للقلق

 حيدر قاسم/

صوت إطلاق عيار ناري قريب من مستشفى الحسين التعليمي في الناصرية، دفع الناس إلى الخروج لرؤية ماجرى فكان مشهداً مروعاً، شاب غارق بدمه بعد أن نفذ عملية انتحار بالقرب من بوابة الطب العدليّ في المستشفى، ليضيف نفسه ضحية أخرى لضحايا ظاهرة الانتحار التي باتت تؤرق الجميع هنا في ذي قار.

ترى ما الذي يدفع هذا الشاب وسواه للانتحار وكيف يجري التعامل مع هذه الظاهرة التي هزت المجتمع هناك وتداعت أخبارها لتحتل مكانها في وسائل الإعلام العراقية والعربية؟

“الشبكة” ألقت الضوء على هذه الظاهرة، أسبابها ونتائجها وآثارها الاجتماعية فخرجت بهذه الحصيلة.

فاجعة

حاولنا التعرف على الضحية الجديدة، والأسباب التي دفعت هذا الشاب إلى الانتحار بهذه الطريقة الغريبة، بإطلاق النار على نفسه من دون سابق إنذار، فتبين إن الشاب، بحسب رواية أحد ضباط الأدلة الجنائية في شرطة المحافظة، الذي حضر لمعاينة الحادثة وكتابة تقرير جنائي عنها، أن الضحية «يدعى «ب ـ ج»، ويبلغ من العمر 21 عاماً فقط، أقدم على هذه العملية، بعد أن تعرض والده الذي يعمل مسؤولاً في أحدى الدوائر الخدمية إلى حادث سير فارق على أثره الحياة، وحين أبلغ ولده «ب» لم يستطع تحمل الصدمة، فما كان منه إلا إن أطلق النار على نفسه مستخدماً سلاحاً آلياً كان بحوزته، ليلقى مصرعه بهذه الطريقة، ولتتضاعف فاجعة هذه العائلة بفقدها الأب والابن في غضون ساعة واحدة فقط!

انهيار نفسي

يعزو الباحث النفسي “ضياء عبد” هذا الفعل إلى حالة الانهيار العصبي التي واجهها هذا الشاب، الذي أقدم على إنهاء حياته بعدما فقد الأمل بالحياة وأسودت أمامه كل الحلول فجأة، فكثير من الأولاد يرون في آبائهم الأمل والساند الوحيد لمواجهة تقلبات الحياة وظروفها، وأي اختفاء مفاجئ لهم قد يعرضهم إلى الإقدام على مثل هذه الأفعال.

مشاكل أسرية ودراسية

بعض العوائل التي انتحر ابناؤها تنظر إلى القضية على أنها تهمة بل إنها بصمة عار تنال من سمعتها في مجتمع ينظر بعين الريبة والشك لهذه الظاهرة.

الشهادات التي حصلنا عليها في الغالب، كانت بمثابة دفع تهمة عن العائلة وأفرادها، فالكثير من أولياء الأمور الذين فقدوا أولادهم بهذه الطريقة، يؤكدون لـ”الشبكة” أنهم كانوا يوفرون لأبنائهم حياة مثالية، شبه خالية من المشاكل، وهم يجهلون أسباب انتحار أبنائهم، لكن دراسات محلية محدودة بهذا الشأن تنفي ما يذكره الأهالي، وتتحدث عن مشكلات اجتماعية بالغة التعقيد واجهها المنتحرون بسبب إهمال العوائل لمشاكلهم وعدم قدرتها على مشاركتهم تلك المعاناة إما جهلاً أو إمعاناً بتأنيب أبنائهم أو عجزاً في حالات أخرى عن المساهمة في هذه الحلول.
إلا أننا في بحثنا الذي استغرق أكثر من شهرين متتاليين، توصلنا إلى حقيقة مفادها أن الكثير من المنتحرين، وبالخصوص فئة المراهقين منهم، كانوا يعانون من مشاكل أسرية، بعضها يتمثل بانفصال الأبوين، أو حالات شبيهة بذلك، أو فقر مدقع، ما دفعهم لإنهاء حياتهم بهذه الطريقة بحسب مقربين من تلك العوائل، تحدثوا لنا .

هل هي جرائم قتل؟

وتراود الشرطة شكوك دفعتها إلى إجراء مزيد من التحقيقات بشأن بعض حالات الانتحار، ويقول الضابط في الشرطة «صالح الناصري» لـ «الشبكة « أن «بعض العمليات المصنفة كعمليات انتحار، قد تكون جرائم قتل تتم بسرية، ومن ثم يجري الإعلان عنها باعتبارها انتحاراً».

ويضيف «غالباً ما ترد إلى مراكز الشرطة عمليات إخبار بوقوع عمليات انتحار وخصوصاً لفتيات، وعلى الفور تشكل الشرطة فرقاً مختصة للتحقيق في هذه الجريمة، وتعد تقريراً جنائياً يجري الاستناد فيه بأسباب الوفاة إلى تقرير الطبابة العدلية التي تشخص سبب الوفاة، وهذا يتطلب إجراء عملية تشريح لجثة الضحية، يتمّ في بعض الأحيان تجاوزها لأسباب متعددة».

ويتابع «إلا أن هذا لا يعني وجود تواطؤ من قبل الجهات المختصة، دون أن ننفي أن هناك بعض القصور الذي يحدث في متابعة هذه الحالات، ويجب التشدد في عمليات الكشف على جثث الضحايا، خصوصا الفتيات».

تصاعد مقلق

واصلت «الشبكة» البحث عن إحصائيات موثقة لعمليات الانتحار، التي دفعت السلطات في ذي قار إلى تشكيل لجنة حكومية لبحث الظاهرة، ومحاولة إيقافها بعد أن باتت ظاهرة تهدد المجتمع برمته، فتوصلنا إلى أن محافظة ذي قار تشهد منذ عدة أعوام تصاعداً في هذه العمليات، إلى حدّ أنها تحتل المراكز الأولى بأعداد المنتحرين بين المحافظات العراقية لسنوات متعاقبة، فبحسب تقرير أعدته المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق عن هذه العمليات، وحصلت عليه «الشبكة»، تبيّن أن المفوضية سجلت 371 حالة انتحار في عموم البلاد عام 2013، احتلت محافظة ذي قار المرتبة الاولى فيه بـ 119 حالة.

وبحسب تقرير آخر، فان ذي قار سجلت خلال النصف الأول من العام 2014، حالات انتحار تجاوزت الـ 73 حالة، ما يعني أن ذلك العام شهد ارتفاعاً كبيراً لهذه الظاهرة.

حالة انتحار كل أسبوع !

بحسب تقرير اللجنة الحكومية المكلفة بمتابعة حالات الانتحار في ذي قار، والذي نشر مؤخراً، وحصلت “الشبكة” على نسخة منه، فأن عام 2016، شهد تسجيل 52 حالة انتحار، أي بمعدل حالة انتحار واحدة أسبوعياً.

ويشير عضو اللجنة “علي عبد الحسن”، في حديث صحفي، إلى أن حالات الانتحار في العام 2016، توزعت بواقع 27 حالة انتحار لامراة و25 حالة للرجال، مضيفاً أن بين المجموع الكلي كان هناك 12 منتحراً دون الـ18 من العمر .

طرق الانتحار

بحسب المحقق القضائي «حسين عبد الرضا» فإن وسائل الانتحار في محافظة ذي قار، تتنوع بين استخدام الشنق، وإطلاق النار على النفس، أو استخدام الكهرباء، أو تناول السموم والعقاقير الطبية المميتة.
ويشير إلى أنه لاحظ “ميل الكثير من النساء إلى إحراق أنفسهن، وهذا خيار قاس جداً الا أنه يبدو “الأنسب” والأكثر توفراً لمن يفضلن الموت على الاستمرار في الحياة”.

الأسباب

رئيس لجنة المرأة والطفل في مجلس محافظة ذي قار «زينب خلف» أكدت في حديث لـ»الشبكة» إن حالات الانتحار بين النساء كانت الأعلى في المحافظة. مشيرة إلى أن دوافع هذا الفعل تتنوع بحسب ظروف كل عملية، الا أن الكثير منها يعود لخلافات عائلية أو بسبب البطالة. أما المنتحرون من صغار السن فكانت أسبابهم تتعلق بالضغوط الدراسية والعائلية بحسب بحث أعدّه المجلس مؤخراً.

دراسة أكاديمية

العميد الحقوقي «عماد عودة لايذ» أكد أن 13 % من أسباب حالات الانتحار مجهولة، فيما 7% من هذه الحالات تأتي نتيجة التأثير السيء للإعلام، وهي أكثر من النسبة التي تسببت بها حالة الفشل الدراسيّ وانحصرت ب 5% من المنتحرين.

لايذ أعدّ دراسة أكاديمية عن الظاهرة، وعرضها في مؤتمر تنمية ذي قار الذي نظمته الجامعة العام الماضي، أشار إلى أن تصنيف الأشخاص المنتحرين خلال السنوات الأربع الماضية بيّن أن 68% من المنتحرين عزّاب، وهم من أصحاب الدخل المتوسط وليسوا من الفقراء، وكانت نسبة الذين يملكون منزلاً باسمهم هي 52%، بينما كان 20 % منهم من الأميين، وكانت نسبة خريجي الدراسة الابتدائية 43% منهم، وكان تصنيفهم العمري يشير إلى أن 60% من الشباب، بينما بلغت نسبة الأحداث 24% من قرابة 100 شخص تم تسجيل حالات انتحارهم رسمياً خلال السنوات الأربع الماضية، بينما سجلت 73 حالة شروع بالانتحار خلال نصف عام فقط.

هذه الأرقام تجعل من ذي قار من أكثر المدن التي تحدث فيها حالات انتحار في العالم.

قتل لا انتحار

في إطار المعالجات الحكومية للظاهرة، فإن المحافظة بصدد إنشاء أول مركز متخصص لمعالجة هذه الظاهرة، أو على الأقل الحدّ منها بعد أن باتت تتفشى بشكل مقلق، إلا أن الصحفي «علاء حسن» المختص بالحوادث يشكك بمثل هذه الخطوة، ويرى فيها مجرد «إضافة بيروقراطية» لا أكثر.
ويشير حسن في حديث لـ”الشبكة” إلى ان “هذه الظاهرة ستنمو، لسبب بسيط، يتمثل في ان المشاكل تتعقد ولا تجد حلولاً لها، لاسيما البطالة والفقر والعنوسة والعزوف عن الزواج والمفاهيم والأعراف الاجتماعية المتزمتة التي لا تعترف بالخطأ ولا تغفره أبداً. ولذا فإننا إزاء قتل مبطن يسمونه انتحاراً ليفلت الجناة من العقاب”.