فكرة الطائي /
أصبح العبء كبيراً على العوائل العراقية مع بداية العام الدراسي الجديد والدوام الحضوري للتلاميذ والطلبة، بعد فترة طويلة من العزلة والتباعد الاجتماعي والتعليم الإلكتروني إثر جائحة كورونا.
دعت هذه العودة إلى أن تستنفر العائلة جهودها كلها من أجل إعادة الاندماج المجتمعي للأولاد وتعليمهم كيفية ترتيب يومهم وواجباتهم المدرسية، وعدّت الأسر الدوام الحضوري للتلاميذ والطلبة مسألة ليست بالسهلة عليهم وعلى أولادهم، ولاسيما فيما يتعلق بترتيب يومهم وانتظام واجباتهم وأشيائهم الخاصة، إذا ما أدركنا أهمية الالتزام بالنظام والنظافة والشعور بالمسؤولية، وهي من القيم المهمة في حياتنا اليومية، لذا يتطلب منا تدريب أولادنا على هذه القيم، وأخرى كثيرة، ليكونوا عناصر نافعة في المجتمع.
فمن المهم أن نعلم أولادنا الاعتماد على أنفسهم من خلال أعمال منزلية كتهيئة أماكنهم الخاصة، وترتيب ملابسهم وكتبهم المدرسية، وعدم ترك مسؤولياتهم على الأم أو الأخت الكبيرة، لكي نزرع فيهم حب النظافة والنظام.
يكتسب الأطفال الكثير من العادات عن طريق التعليم أو المشاهدة ، إذ تُزرع تلك القيم والعادات والسلوكيات في النفس البشرية، فيما تبقى مسؤولية الأسرة قلع الطحالب التي تحيط بالقيم والعادات الإيجابية من أجل تعزيز السلوك الإيجابي لدى الأولاد وتعويدهم على الممارسات الفاعلة في خدمة الأسرة والمجتمع، وهذا الأمر أشبه بالنقش على الحجر.
أدرب أولادي على النظام..
تقول خلود عزيز -58 سنة- موظفة: “إن النظام وترتيب الحياة اليومية للإنسان من القيم المهمة التي لابد من تعلمها في الصغر، وإن لم يتعلمها فعلى الأسرة زرعها زرعاً في نفوس الأطفال.” واسترسلت قائلة: “هذه البذرة سوف تنمو وتكبر معه يوماً بعد آخر لتصبح سلوكاً يومياً يستمتع بتنفيذه في كل يوم، ولا يرمي مسؤولية ترتيب يومه وأشيائه على الآخرين، فإذا ما خرج من غرفته يجب أن لا يتركها في حال من الفوضى، وعليه منذ خطوته الأولى في الشارع أن يدرك جيداً ماذا سيفعل اليوم وإلى أين هو ذاهب.”
مللت..!
تشكو ابتسام خلف -28 سنة- أم لطفلين، ربة بيت، من عدم سماع ولديها لكلامها، تقول: “ما أتكلم به معهما يتبخر فوراً حين يخرجان إلى الشارع، فالشارع مكتظ بالأطفال، والمنطقة مزدحمة، وما يكتسبانه في الشارع من سلوكيات غير منضبطة أكثر مما نسعى إلى بنائه في دواخلهما، المحيط الاجتماعي صار أكثر تأثيراً مني على ولديّ، ففي كل يوم أكتشف أنها تعلما مفردات وسلوكيات غريبة وغير متداولة داخل العائلة.”
والحل..؟
– قالت: “لم أعد قادرة في السيطرة على سلوكهما ، فأنا وحدي المسؤولة عن تربيتهما وتوجيههما، وفي حال مغادرتي البيت لإنجاز بعض المهام البيتية الضرورية، يبقيان وحيدين، إذ لا يوجد شخص كبير (جد أو جدة) في وقت غيابنا، وفي هذه الحالة يكون الشارع أقوى مني.”
أنا وزوجي..
كيف يمكن لنا أن نعلم أولادنا ترتيب حياتهم؟ أنا أعيد عليك السؤال، هكذا بدأت الحديث لمياء علي – 45 سنة- موظفة، وأجابت: “أصبح العبء كبيراً على الأسرة، وكثرت الواجبات اليومية، ولاسيما على الأم الموظفة التي تقضي ثلثي النهار في العمل والوظيفي، من هنا لابد لها من أن تعلم أولادها كيفية ترتيب يومهم منذ ساعة نهوضهم من الفراش صباحاً، حتى العودة إليه ليلاً استعداداً ليوم جديد.”
قلت: “وكيف يكون ذلك؟”
قالت: “لابد لكل فرد من أفراد الاسرة من أن يعرف واجباته داخل البيت، ولابد لهذه الأسرة من أن تتعاون في تنفيذ وتأدية هذه الواجبات بصورة كاملة غير منقوصة، فأنا وزوجي نتعاون في تأدية الواجبات والمهمات الرئيسة في البيت، لكن هذا لا يعني أن نقوم بترتيب غرف الأولاد وأسرّتهم، إنما هم من يقومون بهذه الواجبات، وعند الجلوس إلى مائدة الطعام يجب أن لا يترك الأولاد صحونهم الفارغة على المائدة وإنما يحملونها معهم لغرض تنظيفها وغسلها ووضعها في المكان المخصص لها، نظيفة وجاهزة للاستعمال، لا أن تترك الأواني في المغسلة بانتظار الأم لتقوم بتنظيفها، بعد ذلك يؤدي كل فرد من أفراد الأسرة واجب إنجاز مهماته الأخرى في البيت، حيث يذهب الأولاد الى غرفهم لأداء واجباتهم المدرسية، ودائما أقول وأكرر عليهم القول: قسموا واجباتكم على عدد ساعات اليوم كي تفلحوا في حياتكم وتحققوا ما تصبون إليه من نجاحات مستقبلية، فالتنظيم أساس النجاح في الحياة.”
السباق مع الزمن..
أما عباس محسن – موظف -52 سنة- فيقول: “أنا أب لثلاثة أولاد، ومن أجل تعريفهم بأهمية تنظيم الوقت في حياتهم اليومية، أضع لهم جدولاً يومياً وأسبوعياً لأداء الواجبات المدرسية والبيتية، ولا استثني نفسي أو زوجتي من هذا الجدول والالتزام به بشكل دقيق، فهذا الجدول يساعدنا في استثمار الوقت خير استثمار، ولا نترك للزمن فرصة كي يسبقنا، هذا الجدول نشترك جميعاً في إعداده، ولا يخلو من ساعات اللعب واللهو والمرح والنزهة وزيارة الأصدقاء والأقارب، فلكل فعالية يوم وزمن محدد لا يجري التجاوز علية لحساب فعالية أخرى، قد يرى الأولاد في ذلك صعوبة في بادئ الأمر، إلا أنهم بمرور الأيام سوف يعتادون على هذا النظام فيقومون بترتيب يومهم بالطريقة المناسبة والمريحة لهم، وسيكون هذا السلوك مرافقاً لهم حتى في حياتهم العائلية المستقبلية.”
مسائل تربوية..
يؤكد الباحث والتربوي خالد العضاض على أهمية تعليم الأولاد الاعتماد على النفس ومنحهم الثقة، مع الحرص على متابعة أن يعقد أبناؤنا الصداقات مع أقرانهم من ذوي الأخلاق والمتميزين في دراستهم وإبعادهم عن الكسالى والفاشلين، لأن الصداقة مع المتميزين في العلم والأدب تسهم بصقل شخصية الأبناء. وأشار إلى أن عملية الاعتماد على النفس يزرعها الآباء في نفوس الأبناء منذ الصغر، كما أن الاعتماد على النفس من العوامل التي تجعل الإنسان متميزاً وصاحب شخصية محترمة وعقل يفكر ويحقق النجاحات العلمية والأدبية.
ودعا إلى بث القيم والمعايير الأخلاقية التي تمكن أولادنا من تمييز النافع والضار والخير والشر والاعتدال والتوسط في كل شيء، وأن نعلمهم معاني المسؤولية والمشاركة من خلال المساهمة في أعمال الخير ومساعدة الجيران والمحتاجين.