عين إينانا تحمي رعيتها.. سنّ الذيب للولد والعفصة للبنت والسبع عيون للجميع

ريا عاصي/

تتشابه طقوس المناسبات السعيدة، خاصة، اينما كانت، مثل الأمثال، فهي خبرة شعوب مختلفة تراكمت لتصبح تراثا عالميا مشتركا. وتتشارك العائلة العراقية بمختلف مشاربها ومنابعها وعقائدها بطقوس تقليدية في الزواج والولادة. في موضوعنا هذا، سنتحدث عن معاني أيقونات طقوس الولادة التي لا تختلف في كافة انحاء العراق.

إذ تهدي الجدة المولود الجديد ايقونات مختلفة حسب جنسه، للولد (سن الذيب) وللبنت (العفصة)، وسبع عيون لكليهما. وعند عبورهما الاربعين يوما ستلبس الأم للولد (شحم ولحم) وللبنت او لكليهما (المحمدية).

سن الذيب هي حلية ذهبية يتم شبكها بدبوس في قماط الطفل الذكر عند الصدر، وهي في الأساس اطار ذهبي بحلقة ذهبية يتدلى منها سن الذيب. والاعتقاد الشائع انها ستحميه من الأمراض والجن والعالم الآخر، وبأنها ستقوي ذكورته، لكنه أصبح أحد دلائل محبة الجدة لحفيدها المولود حديثا، فأهل العراق يؤمنون بأن المولود جالب للفرح وللرزق لأنه سيحافظ على اسم العائله وسيكبر شجرتها التي يذكر فيها فقط الذكور.

العفصة، وهي نمو غير طبيعي على النبات تسببه عادة يرقات الحشرات، وخصوصا الزنابير الصغيرة، وقد توجد على الجذور والساق أو برعم الزهرة أو الورقة أو الزهرة. ولارتباط العفصة بالتجميل، خاصة في المحافظة على البشرة و لونها ولمساهمتها في علاج حالات العجز الجنسي عند النساء، خصصت العفصة في الموروث العراقي بالنساء وتقوم الجدات بتزيين العفصة بالذهب وتعليقها بقماط المولودة حديثا، اعتقادا منهن بانها ستزيد من انوثة هذه المولودة.

سبع عيون، وهي قطعه من السيراميك المزجج باللون الشذري، تحمل سبعة ثقوب بشكل يشبه زهرة البابونج، ويعود تاريخها الى العراق القديم، فالحضارات التي توالت على وادي الرافدين كانت تؤمن بعين الأم اينانا التي ترعى رعيتها بأن تضع عيونها عليهم كي تحميهم، وكل الحضارات التي تعاقبت كانت تؤمن بزهرة البابونج كزهرة المحبة والسلام لأنها تنبت في بيئات مختلفة، فهي تعيش في الجبال والبراري والصحراء والسهول والغابات وتقاوم أسوأ الظروف المناخية، لذا بقيت رمزا على مر العصور والحضارات فخلدها الفنان البابلي في بوابة عشتار وكذلك فعل مصمم الازياء والحلي الآشوري ووضعها في زي الملك وحليّه وتاجه ووضعها السومريون قبلهم في حليّهم وازيائهم، وتطورت ودمجت مع أعين الآلهه العراقية المتعددة لتنتج عنها السبع عيون، وظل العراقي على مر العصور يؤمن بأنها تقيه من الحسد والأرواح الشريرة.

أصل الأيقونة

في البدء لم تكن للانسان لغه، فالانسان في الكهوف والغابات كان يستخدم لغة الاشارة، وكان يأكل العشب أخضر ويأكل لحم صيده نيئا، وحين اكتشف النار صار يطبخ ويشوي ويأكل الأعشاب واللحوم المطبوخة، وكان يصارع وحوش الغابه برمحه اليدوي، وحين يقتل الوحش يحمل احد أضراسه على شكل قلاده يدليها على رقبته بخيوط جلديه، من جلد الوحش ذاته، فكان يعتقد ان الوحش حين يرى ضرس قرينه الوحش متدليا من رقبة الانسان سيهابه ويبعد عنه.

وحين اكتشافه النار صار يذهب بعيدا للبراري ليصطاد فريسته التي سيقدمها لعائلته، ولأنه كان يغيب عن منزله الكهف لفتره صار يعلق قلادته في رقبة ابنه المولود اعتقادا منه بأن الوحش لن يقربه، لانه سيعتقد ان هذا المخلوق الصغير هو من قتل الوحش قرينه، ومن هنا جاءت اول ايقونه في العالم لنحمي بها ابناءنا ونطرد بها مخاوفنا.

ألبستُ وليدي يوما احدى هذه الايقونات شكرا وعرفانا للجدات اللواتي حاولن بكل جهودهن ومعتقداتهن حمايتنا جيلا بعد آخر.