كرسي المديرة عدائية ذكورية أم عُقدة نسوية؟

آمنة عبد النبي /

ما حكاية أصحاب العِرق الوظيفي النبيل ممن يعدّون أنفسهم “قادة بالفطرة” لمجرد أنهم ذكور شرقيون، وهل حقاً أن شخصية المرأة المزاجية وجرأتها المبتورة وثقتها المهزوزة بقراراتها هي مُبررات كافية لبنات جنسها لتفضيل قيادة الرجل وحصر مسؤولياتها بقيادة المطبخ،ولماذا يا ترى لا نجد إجماعاً إنسانياً، لا عدائياً، على كرسي المرأة المديرة التي برعت في إدارة أسرتها المُصغرة مُسبقاً، لكنها وقفت خارج بيتها وحيدة محاطة بالخذلان والتسقيطات المُبطّنة!
عدائية واحتقار
” ردود أفعالهم العدائية تُجبرني على التغاضي عن أخطائهم وتجميلها، لأن قيادة المرأة في مجتمعنا الشرقي أشبه بالقتال وحيدة بلا أسلحة أو حصانة قانونية.”
بهذا الاعتراف المهني، الذي لا يخلو من الجرأة ومصارحة الذات بما كان يحيطها من خذلانٍ مجتمعي قهري، قصّت لنا المغتربة العراقية في أميركا (سماء الجواهري) تجربتها في القيادة قائلة:
“تجربتي في إدارة الحسابات في العراق كانت مأزقاً نفسياً مؤطراً بسطوة المجتمع الذكوري، عُينت في هذا المنصب الحساس لكفاءتي التي لم تشفع لي لدى كثير من النفوس المحيطة بي، ولم تردعهم عن استهدافي واعتباري لا أصلح لكرسي مهم كهذا، فضلاً عن صغر سنيّ، تلك النقطة التي أثارت حفيظة كثير من أصحاب الخدمة الطويلة طالما هم رجال ويعتقدون جازمين أنهم أحق مني في كل الحالات، حتى العقوبات التي كنت أصدرها جزاء تأخرهم أو غيابهم المتعمد كنت أضطر إلى شرح الأسباب بجهدٍ إضافي لإرضاء من عاقبته قبل أن أبلغه الخبر تفادياً لشرّه، بصراحة كنت أخشى ردود أفعالهم العدائية وأتعمد التغاضي عن أخطائهم، بل أحياناً أجمّلها كي لا أضطر للصدام، والمؤسف في هذا الجو الضاغط الذي يُفترض أن تكون النساء فيه عوناً وسنداً لي، كان يحدث العكس تماماً لأن أغلبهن يعانين من عقدة الغيرة أو جلد الذات بتعزيز فكرة قيادة الرجال على أساس أنهم الأصلح والأنجح، مع أن القيادة بصراحة لا علاقة لها أصلاً بجنس الشخص، بل إن الأمر كله متعلق بالمهارة والكفاءة والحصانة القانونية، وهو ما لمسته في المجتمعات الغربية، معيار اختيار النساء القياديات هنا في أميركا هو الكفاءة ولا يوجد هنالك من يجرؤ على تصغير وتحقير المرأة لمجرد أنه رجل، وإنما الكفاءة والمنافسة الأكاديمية لا غير”.
انحياز وعُقَد
“عُقد كثيرة تتسرب من تحت كرسيها، مثل ضعف موقفها إزاء قدرات الرجل وبراعة الأخريات، تلك الفوبيا التي لن تفارق ذاكرتها الإقصائية.”
هكذا فتحت الموظفة في وزارة التربية (نازك العزاوي) النار على بنات جنسها وأسقطت عنهن حق الإدارة واستبدلتها بقيادة المطبخ قائلة:
“غالبيتنا نُجمع على أنها تعرقل ارتقاءنا الوظيفي وتزيد من ضغوطات العمل، لأن قيادة المرأة للمرأة أمر غير مرغوب فيه من النساء قبل الرجال، مشكلتي معها تكمن في تمسّكها بحالة النسوية المعقدة حتى داخل جلباب وظيفتها التي يُفترض أنها خارج نطاق كل شيء، لذلك فإن الخلط لديها وارد وطبيعي جداً في أن تكون آراؤها نابعة من تركيزها على شكل الموظفة وملبسها وعمرها، مثلما تفعل مديرتنا التي أعتقد أن مكانها الطبيعي هو المطبخ لأنها لا تكف عن نقدنا وتخطئتنا وتحقير إيجابياتنا داخل العمل، في حين أنها تكون منحازة، أو بالأحرى ضعيفة أو مجاملة، تجاه أخطاء الرجال.”
عدالة وانتقاص
” لا أعرف مَن الذي حصر القيادة بالرجل، إنها كارزما مشروطة بصفات الإنسان رجلاً كان أم امرأة، المعادل هنا هو قوة الشخصية ومهاراتها فقط.”
الباحث الأنثروبولوجي (خضر المالكي) اعترض بشدة على عنصرية الجنس في شغل المناصب، قائلاً:
“تأريخياً، بلقيس التي ذُكرت في القرآن الكريم والكتاب المقدّس كانت ملكة ومُطاعة من الرجال قبل النساء، ولستُ هنا مثالياً وناكراً للذكورية التي تغزو مجتمعنا سواء في الشارع أم في البيت أم في المؤسسة، لكن هذا لا يُلغي دورها وحضورها اللافت، أي أن القضية مرتبطة بقوة شخصيتها، فإذا كانت قوية وموضوعية فسوف تواجه أكبر الأخطاء والانتقاصات بحقها، بل سوف تُجبر الجميع، والرجال منهم على وجه الخصوص، على احترامها والرضوخ لأوامرها إذا كانت مُسندة من القانون. أما فيما يتعلق بعلاقة المرأة بمديرتها وطبيعة العلاقة بينهما، أنا أظن أن عنصري الغيرة والتحسس سيكون لهما أثر واضح بينهما، ولا يمكن حصر الذنب بالمديرة لمجرد أنها امرأة، لكن على نحو عام ليس هنالك فرق ما بين الرجل والمرأة في إدارة العمل من ناحية الكفاءة والجهد والتنافس الوظيفي. أما جزئية فرض القرار والشخصية فتبقى خاضعة لطريقة كلٍ منهما.”
قرار ومواجهة
” جزء من حق المرأة المديرة في ردع التحقير الذكوري المعتاد لإدارتها المجروحة، هو أن تكون أكثر صرامة مع الرجال.”
مظلومية المرأة تأريخ طويل وممتد حسب ما يعتقده الموظف تحت إمرة امرأة، يؤكد (عقيل النصراوي) قائلاً: “لسنا نحن الرجال وحدنا من يتسبب بظلمها، بل إن غالبية بنات جنسها في العمل يقفن في الخندق المضاد، أو المتفرج في أقل تقدير، وبطرق مبطنة يعزّزن فيها الاعتقاد القائل إن الرجل أكثر انضباطاً في العمل وأقل تغيباً، على افتراض أن المرأة هي بالأساس ربة بيت وزوجة مسؤولة عن بيتها وأبنائها، الأسباب كثيرة هنا، في مقدمتها تقف التنشئة الاجتماعية الشرقية التي غيّبت وصادرت حق المرأة منذ طفولتها في صناعة فكرة القرار وفي بناء شخصية قوية، لذلك تجدينها تقاتل قتالاً مريراً للحفاظ على منصبها، وهذا حقها.”