لا يقوى على قول “أحبك” للحب تعابير أخرى

أنسام الشالجي /

يتعامل الرجال مع الحياة بواقعية أكثر من المرأة، حتى إن كانت تعمل مثله، في مهنته نفسها، او في مهنة أخرى، فالمرأة عاطفية بطبيعتها وأحياناً لا تستوعب واقعية الرجل فتبدأ المشاكل التي قد تؤدي الى ما لا تحمد عقباه.
تعبير الزوج
بدأت فكرة ورشة عمل بعنوان (أحبك) من شكوى السيدة (أمل، اسم غير حقيقي كما هي الأسماء الأخرى في هذه المادة، صيدلانية، ٣٨ سنة) التي شكت لي حياتها العاطفية الجافة مع زوجها الصيدلي أيضا. أمل وزوجها لم يتعينا في وزارة الصحة بإرادتهما لإدارة الصيدلية الكبيرة لوالد زوجها، وهو صيدلي معروف، ومن ثم أصبحت لديهما صيدليتهما الخاصة ولهما ابن وحيد في المرحلة الابتدائية.
قالت أمل إن زوجها (ليث، اسم غير حقيقي، ٣٩ سنة) لم يقل لها كلمة (أحبك) منذ سنوات، “ربما مع ولادة ابننا”، وأضافت “كل تصرفاته معي سواء في البيت او في الصيدلية تخيفني، ومهما فعلت له، من المستحيل أن يسمعني الكلمة التي تعيد لي سعادتي وهي (أحبك) !”
سألتها بماذا تخيفها تصرفاته، مثلا هل هو مقصر في واجباته البيتية والزوجية، وكان جوابها النفي.. سألتها مرة أخرى إن كان يرغمها على الذهاب معه الى الصيدلية إن كانت تشعر بالتعب، وأجابت “أبدا”، وأضافت بأنه قال لها مراراً إن كان العمل في الصيدلية يتعبها لأنها كزوجة مشغولة بأعمال البيت وتربية الابن، فلا مانع لديه من تركها العمل.. وسألتها أيضا إن كان مقصراً معها في متطلباتها المالية واحتياجات البيت ومصاريف مدرسة ابنهما.. وللمرة الثالثة نفت وأكدت أنه خصص لها راتباً شهرياً من الصيدلية، وطالبها بأن لا تصرف منه ديناراً على البيت وبأنه كريم جدا معها ومع ابنهما فضلاً عن أنه لا يتردد في مساعدة أي فرد من عائلتها إن كان في ضائقة مالية..
للحب تعابير أخرى
قلت لها إن هناك رجالاً لا يعبرون عن الحب بكلمة (أحبك) ولاسيما بعد سنة او اثنتين من الزواج، إنما يعبرون عن هذا الحب بتصرفاتهم مع الزوجة وشؤون البيت. وشرحت لها باختصار أن ليثاً (زوجها) لا يحبها فقط، انما يحبها جدا ويقدرها ويحاول بكل جهده أن يشعرها بمدى حبه لها، لكنها، وبنظرتها العاطفية، تتناسى كل ما يفعله لأجلها وابنهما، وتتوقف عند كلمة (أحبك)..
ورشة (أحبك)
وأعلنت عن ورشة العمل التي عنوانها كما أسلفت (أحبك)، وأدهشني أن عدد الرجال الذين سجلوا فيها أكثر من النساء، وعرفت مسبقا أنهم سيشكون من الطرف الآخر الذي لا يريد أن يتفهم مواقفهم، إن كان هذا الطرف زوجة أو حبيبة أو أحياناً شقيقة أو أماً.. وبدءا، طلبت من المتزوجين أن يدعوا زوجاتهم الى الاستماع في الأقل إن رفضن المشاركة.. هذه المرة، كانت الورشة حضورية، مع انخفاض عدد الإصابات بكورونا، الشكر لله، ولكن مع وجوب إحضار بطاقة التلقيح كشرط للمشاركة مع مراعاة التباعد الاجتماعي في القاعة. وكانت أمل من المشاركات وأقنعت زوجها ليثاً بالمشاركة أيضا.. كان المشاركون من أعمار مختلفة، الأصغر كان في العشرين والأكبر كان في الخامسة والستين ومن مهن مختلفة، كذلك المشاركات من أعمار ومهن مختلفة.. ينبغي على المشاركين أن يتحدثوا بصراحة عن الوسيلة التي يعبرون بها عن الحب، وعلى المشاركات المناقشة إن كانت هذه الوسيلة تمنحهن الاطمئنان..
يخاف على مستقبلها
بدأ الورشة محمد، أصغر المشاركين عمراً، وهو طالب جامعي يعمل بالوقت نفسه في ورشة للفخاريات ويفكر بمشروع خاص بعد التخرج في كلية الفنون الجميلة.. قال محمد إن علاقة حب جميلة تربطه بجارته (نهى) التي تصغره بسنة واحدة وفي الصف الأول من كلية الطب وأن الأهل -أهله وأهلها- يعرفان بعلاقتهما، كذلك الجيران، لأنها علاقة نظيفة ومحترمة جدا ونهايتها الارتباط.. ومنذ أن أصبحت نهى طالبة طب، ارتأى محمد أن يقلل مكالماته معها ولم يعد يدعوها الى مشاهدة فيلم في السينما او الذهاب معاً الى أحد المقاهي لشرب (استكان) شاي، لكنه لا ينسى عيد ميلادها ولا ينسى اليوم الذي صارحها فيه بحبه لها ويبعث لها بوردة وهدية مناسبة مع شقيقته.. ونهى بدأت تشكو أنه لم يعد يحبها، ولا تريد أن تتفهم بأن تصرفاته هذه لأجل أن تهتم بدراستها وتحافظ على تفوقها وتعبر عن مدى حبها لها من خلال خوفه على مستقبلها.
العِشرة أكبر من (أحبك)
أما أكبر المشاركين عمراً (عزيز وهو محاسب متقاعد وجدّ لستة من الأحفاد) فقال إنه ارتبط بزوجته، حبيبة عمره، حين كانا في المرحلة الثالثة من دراستهما الجامعية وكانا في الصف نفسه في كلية الإدارة والاقتصاد، ويعترف بأن زوجته تحملت الكثير، فهي كانت موظفة وأم، وهو جندي مكلف في الحرب، وكانت حياتهما رغم مصاعبها مريحة، لكن بعد زواج الأبناء الذين أصغرهم يسكن معهم، ولكن في الطابق الثاني، أصبحت الزوجة تشعر بالوحدة وتريده على مدار اليوم أمامها وأن “أقول لها أحبك على رأس كل ساعة مثل نشرة الأخبار”.. بينما هو يحبها جدا على طريقته، لم يحاول أن يجرحها بكلمة طوال حياتهما الزوجية لأربعين سنة، وكان غالبا ينسى عيد زواجهما سابقا، لكن منذ أن أصبحا لوحدهما، أصبح حريصا على تذكره ودائما يفاجئها بكيكة ووردة في هذا اليوم ويحاول أن يفتح معها حديثا بعيدا عن العمر ويحاول أن يحثها على الخروج معها لزيارة الأبناء في بيوتهم وزيارة الأقرباء والأصدقاء ويحاول اختلاق فرص حتى يقدم لها هدايا صغيرة، لكنها تصر على كلمة (أحبك) وكما قال “على رأس كل ساعة”.. كانت الزوجة تستمع إليه وأجابته “اذا كل هذه التصرفات لتبرهن لي أن حبك لي كما كان قبل أكثر من أربعين سنة، فمن السهولة أن تقول لي أحبك”.. أجابها بدوره أن علاقة الحب تتحول بمرور السنوات الى عِشرة حلوة تجعلهما لا يستغنيان عن بعضهما البعض وهذه العشرة أكبر جدا من كلمة (أحبك)..
وأخيراً..
نصيحة للنساء عامة، والزوجات خاصة، كما برهنت الورشة، فإن كلمة (أحبك) ليست لغة الحب الوحيدة، او ليست الوسيلة الوحيدة للتعبير عن الحب، فللرجال المحبين الحقيقيين وسائلهم المختلفة في التعبير عن الحب، قد لا تراها النساء رومانسية، لكنها تعبر عن الحب، وللمثال وليس الحصر، فموقف معين في ظرف عصيب يظهر الحب الكبير الذي يكنّه الزوج لزوجته…