ما بين مثاليات الانفتاح وخاتم الزفاف.. هاربات من معركة المقاسات!

#خليك_بالبيت

آمنة عبد النبي /

مقاسات (كازانوفا) الذي صدع رؤوسنا بمثاليات الاختيار الحر في الزواجِ من ذات البشرة الغامقة أو البنت المعاقة جسدياً او المبتلية بتجربةِ انفصال فاشلة، مازالت تُلاحق النساء الهاربات من معركة المقاسات المجتمعية (المسلفنة) إلى البيئة الإسكندنافية العادلة ليقعن مرة أخرى ضحايا ازدواج معايير وشروط سوق الرجال المعفوّين هناك أيضاً من دفع فاتورة المواصفات.
فهل ياترى مُعايرة الرجل أو نظرة الشفقة التي قد تلاحق مغامرته من الارتباط بمثل هذا النوع لها طرف في الموضوع؟ أم أن مقدار ما أخذه الرجل من الحرية الفجائية بعد دهور القمع كان صادماً، وغير مجدٍ لباطنِ عقله؟

نفاق وانسحاق
“الجغرافية المسكينة لاعلاقة لها بعقلهِ الخالي من الأنانية، لا تتصوري أبداً أن بيئة أوروبا قادرة أن تسحب الرجل الذي صدع رؤوسنا بمثالياته ليتزوج مثلاً من ذات البشرة السمراء، أو المعاقة جسدياً، أو صاحبة التجربة الفاشلة.”
(زهراء الكناني) التي تقيم في السويد منذ عشر سنوات، فتحت النار برأيها هذا بوجهِ كل رجل يدعي خلو رأسه من فكرة المثاليات قائلة بانفعال: أعيش في السويد منذ ما يقارب العشرين سنة، حينما واجهتني فكرة الارتباط وتكوين عائلة في البداية، وقبل تجربة طلاقي، حقيقة لم أشعر بها أبداً، لكن حينما انفصلت بعد عشر سنوات وعاودت فكرة الارتباط برأسي، صُدمت من هذا الانتقاء والمواصفات التي تصورت أننا غادرناها بمغادرتنا بيئاتنا الشرقية، مثلما نشاهده في علاقات السويديين التي لا يحكمها أي منطق ثابت، أحد المتقدمين إليّ كان أعزباً واستمرت فترة خطوبتنا سنة وانتهت لأسباب مضحكة تتعلق برفض والدته للموضوع من أساسه لكنه أقنعها بطريقته، تخيلي اتفقنا أنا وإياه وبقناعة كاملة على أن نسكن في بيتي بحكم أن أطفالي صغار ومازالوا بحاجة لرعايتي، ثارت ثائرتها ورفضت رفضاً قاطعاً ولا إنسانياً وعيّرتني بكل بشاعة “مو مشكلتي انتِ منفصلة وعندك اطفال، بإمكانك أن تتزوجي شخصاً منفصلاً مو أعزب!”
دخلنا في سلسلة طويلة من المشاكل والتحديات انتهت بفسخ الخطوبة، وبالمناسبة، وحتى أكون منصفة، تخيلي حتى أهلي كانوا رافضين، والدتي كانت دائماً تكرر على مسامعي خشيتها إذا ما اختلفنا يوماً من الأيام وتذكرني دائماً بكونه شاباً أعزباً وأنا سيدة منفصلة، لذلك كانوا يفضلون ارتباطي بشخص منفصل أو أرمل أو متقدم في السن، وكأنما أسهمي في سوق الزواج هبطت تماماً ولم يبق أمامي سوى أن أتقبل زوجاً منفصلاً أو أرملاً أو أكبر مني بضعف.

شبهات ظالمة
“معايرة الرجل أو نظرة الشفقة التي قد تلاحقه حينما يرتبط بفتاة لها تلك الظروف، هي من تمنع جرأته على الدخول بمثل هذه التجارب، لأن فكرة المرأة التي غادرت الثلاثين لأي سبب كان ولم تجد زوجاً يتقبلها، تبقى شبهة عالقة في أذهان الكثيرين.”
(منار حسين) صاحبة التجربة الأسوأ في هذا الموضوع المؤسف إذ تحدثت بغرابة عمن يقف بجوار فكرة القبول أمام الناس ويخالفها إذا ما تعلقت به، قائلة: لي صديقة من ذوي الاحتياجات الخاصة تجاوزت الثلاثين لم يتقدم لخطبتها أي شخص، حتى أن اخاها الأكبر كان له صديق يعاني من خلل عميق في النظر حاول إقناعه بالزواج منها، غير أن الأخير رفض، تخيّلي، بل اعتبر أن الموضوع لا يناسبه باعتبار أنه رجل وليس امرأة وأن بإمكانهِ الزواج من امرأة طبيعية، وفعلاً هذا ما حدث له بعد سنة ونصف.
بالمناسبة حتى عندما تفرض أو تتمنى أية واحدة منا شروطاً أو مواصفات معينة فيجب أن تكون صاحبة هذه المعايير تحمل مواصفات (فول أوبشن) كحماية ودرع، وإلا فليس من حق المنفصلة أو قليلة الجمال أن تتجرأ على إخضاع الرجال لآلية الانتقاء، وإذا تشجعت وأعلنت مواصفات ما تتمناه فحفلات التنمّر والسخرية والاستهزاء تتناولها من كل حدب وصوب، واقعية وحساسية هذا الموضوع تركت ثقافة راسخة في أذهاننا، وصرنا نعرف أن أسهم هذا السوق ترتفع وتنخفض فقط حينما يتعلق الأمر باختيار الرجل للمرأة الأقل جمالاً أو المصابة بعاهة متعلقة بحركتها أو حياتها أو التي فشلت في تجربة زواجها.

عقدة ودونيّة
“جزء كبير من مشكلة الدونية تلك تتحملها عائلة المرأة التي تميّز ما بين من يتقدم لابنتهم ومن يتقدمون لخطبتها كزوجة لولدهم، الترجيح في كفة الرجل، حتى إذا كان كبير السن أو مصاباً بعاهة، يبدأ من هنا.”
الكاتب الصحفي (عماد المسافر) جاء رأيه متوازناً ومشروطاً بأساسيات القاعدة الأسرية الخاطئة كونها سبباً رئيساً لكل ذلك، قائلاً: تلك النقطة التي يبدأ منها هدم قيم المجتمع التي لا تميز بين الرجل والمرأة، يُفترض أن هذه الأمور تشكل عائقاً أمام الرجل، كما المرأة، لخلق حالة التوازن المجتمعي، ولاسيما إذا كان قد تقدم في العمر ولم يتزوج، ما يتوجب على أهل المرأة التي يريد الزواج منها أن تضعه أمام تساؤل مماثل: لماذا لم يتزوج منذ وقت مبكر؟ فإذا كانت العائلة على درجة من الوعي هنا عليها ألا تستعجل بقبول الرجل دونما معرفة الأسباب الحقيقية، وأنا شخصيا لي صديق منفصل وجد معاناة كبيرة إلى أن وجد من توافق به كزوج، وفي نظري فإن هذا مؤشر جيد على أن المجتمع ينظر للرجل المنفصل نفس نظره للمرأة المنفصلة من باب المساواة بغض النظر عمن هو السبب في الانفصال.
يقول الشاعر الثائر على مجتمعه قبل ان يكون ثائراً على أي احتلال “إن الحب للشجعان، والجبناء تزوجهم أمهاتهم”، في إشارة رمزية إلى اختيار الشخص لحياته.
لكن الأمر لا يقف عند هذا لأن العادات تختلف من شعب إلى آخر. والمعروف أن المجتمع الشرقي هو الأكثر ظلماً للمرأة، وهنا لا يمكن أن نقيس تجربة مجتمع ناجحة ونطبقها على مجتمع آخر يختلف في كل شيء حتى في طريقة التفكير، لأن القوانين الناجحة تنجح بمدى ملاءمتها للمجتمع وليس بمدى قدسيتها، علماً أن تلك النظرة الدونية للشريكة تنطبق غالباً على المجتمع الذي يتفشى فيه الفقر والخوف من المستقبل باعتبار أن المرأة تريد أن يكون مستقبلها مضموناً على الأقل، وتعتقد أن ضمان المستقبل هو الوضع المادي متناسية أن الحب المتبادل وتقارب الأفكار بين الزوجين هما الضمان الحقيقي لديمومة الحياة الزوجية.

شراكة مشوّهة
“العائلة كفكرة للمشاركة فشلت عالمياً، طالما أنّ المبدأ هو سقف واحد، فالمحصلة هي سجن واحد تحكمهُ سلطة واحدة، لذلك أعتقد أنّ الغرب تنبأ بهذا الانهيار فسبقنا في صياغة البدائل الاجتماعية المحُدثة.”
هذا الفكر الناسف لما سواه من الآراء، كان للكاتب العراقي المقيم في السويد لما يقارب الأربعين عاماً محسن الجيلاوي إذ يقول: لم يأتِ إدخال البدائل عن الزواج، كـالسامبو مثلاً، أي المساكنة كما معروف في السويد، من فراغ وإنما هم أدركوا انهياراً مبكراً لفكرة السقف المطلق سواء للرجل أو المرأة، سبقته متغيرات كثيرة أنتجت سقوط وضع العائلة أو هشاشته، ولاسيما أنّ دخولهم إلى ما بعد الحداثة، أنتج شيوع الحرية الاقتصادية والجسدية والفكرية، وحتى العبثية، وصار المجتمع هو من يتحكم بتوجيه الحريات من خلال القوانين، وماعليهم سوى تكييف المجتمع وقوانينه مع آليات جديدة، لذلك تجدين العقدة التي يصطدم بها العقل الشرقي داخل أوروبا، ولاسيمّا المرأة، هي مفهوم الشرف الشرقيّ المحدد بالمرأة كجسد، بينما الفكر الأوروبي ينظر للشرف كمفهوم سلوكي لايميّز بين انسان وآخر، لذلك حتى المرأة الشرقية التي تتحرر (بالانفصال) يظل فهمها لما متاح من الحريات، هو فهم مشوّه ومصطنع وثأري من الرجل في أحايين كثيرة، لأنّ مقدار ما أخذته من الحرية الفجائية بعد دهور القمع كان صادماً، وغير مجدٍ لا لنفسها ولا للبلد المُضيف الذي يراهن بمداه البعيد على أطفالها.