ممثلون بارعون وطشّاشو أسرار.. حينـما يظهرالوجه البشع فجأة

آمنة عبد النبي /

تخيلوا أنه صار بإمكانِ بنات الكراهية و(زومبيات) الأحقاد الناعمة تبادل الأقنعة التمثيلية بأريحيةِ محلية الصنع، وكأن المسرح الكاذب هو لبّ حياتنا الواقعية طالما أن سوسة الخراب النفسي والاجتماعي التي تنخر حيطان بيوتنا وتهدم بيبان ضمائرنا بالنفاق لم تعد تأتي من الخارج، ولا على متن البوارج، وإنما أصبحت تولد بيننا خلسة وتكبر في أدغال الوجوه دون أن يصطدم ويشعر بقبحها أحد إلا حينما يفلت السيناريو المحبوك ويخرج الممثل البارع عن النص ليظهر الوجه الحقيقي البشع فجأة..
ممثلون بارعون وحقائق مُرّة مغطاة بـ (كڤرات) فخمة محكمة لطمر العُقد والأمراض السلوكية المتنوعة، ما بين خيانة وعدائية وركل صداقات عمر كامل قُضي بالمحن. وحده الموقف من يعري الإنسان تجاه الحقيقة ويظهر المدفون في شخصيته، فالقريب الطيب قد يصبح شديد العدائية، وضمانة العمر ومستودعه الآمن قد ينقلب فجأة إلى طشّاش أسرار.
أكشن وقلة وعي
“الذي جَعلك مؤمناً بأن الأنسانَ قد يترك الآخر او يعذبه لمُجرد أنه يحبه، يعرف جيداً بأنّك يوما ما لن تملك غير ضحكتك المغشوشة، وستقف وحيداً في المحنة ومحاصراً بالأيامِ المظلمةِ”.. بهذه الكلمات المؤلمة أوجزت المحامية (آية سعيد) اللحظة القاتلة التي ظهر فيها الوجه البشع لشريك العمر بعد علاقة عاطفية استمرت لسنتين، تكمل بمضض:
“الخيبة التي عشتها لا أتمناها لعدوي، خيبة الرجل الذي كنت أراه لسنتين بقلبي، هو ذاته تحول فجأة الى كابوس وثقب أسود في القلب الذي كان مكانه لسنتين، خيانة العيش والملح نبتة وحشيّة تأكل القلب، لا أصدق أن لساني الذي كان يناديه بأجمل الأوصاف هو ذاته الدي يلهج من الألم بأقسى الأدعية عليه، لا أعرف كيف يحذف الرجال كل شيء فجأة ويظهرون بالوجه البشع فجأة الى درجة من القبح تتهدم في داخلها حتى أسرار العلاقة، الخطوبة والذكريات والأحلام اختفت، وكأن شيئاً لم يكن بيننا. الصدمة علمتني أن كل إنسان، بدون استثناء، يحمل خصلة خبيثة وعدائية ووجهاً مبطناً.. ممكن ينميها فتصبح شرسة، وممكن تتلاشى وتضمحل لتظهر فجأة، أي أن القضية حسب التجارب ولا وجود لإنسان ملاك على وجه الأرض..”
الطالب في كلية الآداب (عدنان الباوي) خالف بكائية المتحدثة قبله مستغرباً:
“شخصياً، لا أجد في الموضوع اي أكشن أو صدمة وفجائية، لأن الحياة أساساً قائمة على ثنائية الخير والشر بالتوازن، الوعي والتميز هما الكاشفان، الفارق الوحيد هنا في قابلية التحمل التي أعتقدها ضعيفة عند النساء لأنهن أساساً قليلات الإدراك، وإلا لماذا تجدين النحيب بهذه الجزيئة عند النساء بشكلٍ يكاد يكون ثابتاً، أنا كرجل مؤمن بأنه إذا كان المقابل يظهر البشاعة بموقف مفاجئ فسوف أحذف المنظر والشخص كأنهما آخر ليالي حزيران الكئيبة”.
بشاعة السوشيال ميديا
“حياتنا بحاجة الى تضييق وتحديد دائرة العلاقات، المرأة دائماً تطوي حزنها ليطول أيضاً، وتعضّ عليه دون أن تُسَمّيه أو تجعل أحداً ينتبه لمرورهِ..” الكاتبة (سعاد عصام) استثنت أوجاع المرأة من اللامبالاة واعتبرتها ضحية ترفة، مكملة:
“لا أحد يتعلم من تجارب الآخرين، وإنما من تجربته فقط، صدمتي برفيقة العمر التي خذلتني في محنة قاسية وأدارت ظهرها وأكملت حياتها دون أن يرف لها جفن، أعطتني درساً عظيماً بأن المواقف تغربل الأصدقاء، لذلك فإن كل شيء نمر به في حياتنا هو درس نتعلم منه، وتجربة نحتاج الى عدم تكرارها بل تلافيها، الثقة بعوض الله وعزاء كبير للقلب النسوي الترف، الذي يرى وجهاً بشعاً لدى أقرب الناس إليه سواء أكان صديقاً أم حبيباً..”
الموظف في وزارة العمل (علي حسان) استغرب ممن يحصر الوجه البشع بحبيب أو بتعريف معين! قائلاً:
“هذا الأمر غير محصور بالحب وتفاهاته، وإنما بالأصدقاء والشركاء والأقارب والجيران، وكثير من الناس في السوشيال ميديا أصبح شغلهم الشاغل تأطير صورتهم او تجميل قبحها أمام المتلقي، لذلك لا أظن أن هناك وقتاً محدداً يظهر به الإنسان على حقيقته، كثيرون منا يعانون من العصبية المفرطة في عصر التكنولوجيا، إذ أن هذا العصر يعتبر مهدداً لسوء تعبير الإنسان عن المؤثرات الخارجية، لذلك فإن الأرجح أن كل شخص يعبّر بشكل مختلف، ممكن بشكل عصبي او عند الغيرة، مثلاً يصدر أحدهم نفسه على أنه شفاف وكامل و(كيوت) ويتصرف طوال الوقت بالهدوء والجمال، لكنه في الواقع -والأمثلة كثيرة- وباختلاف بسيط في الفيس مع شخص يهدد ويتوعد بالعشيرة والبذاءة والعصابات”.
الإنسان ليس روبوتاً
” نحن لا نتحدث عن ضغطة زرّ، الوجه البشع صدمة خرافية لأي انسان ولا أعرف ما علاقة النسيان بالضعف والقوة..” خبيرة التجميل (شذى عمران) احتجت على من يريد منا تناسي الأمر، قائلة بامتعاض:
“الإنسان ليس روبوتاً كي يتحدد بـ (سستم)، هنالك ذاكرة وليل وثمن، لا أحد بإمكانه أن يلمع من جديد فجأة وإنما يتناسى ويتمسك بطمأنينة الله، وحده الشعور بالخيبة من يعلّمك أن جروحك تأتي غالباً من أحبابك، علماً أن استنفار الجزء السيئ في الشخصية أحياناً يمكن موازنته، ومن الممكن الإبقاء على المقابل في حالة سكون حتى لا يتأذى أحدهم، لكن السؤال الأهم عن ذلك: هل أن رؤية الوجه الحقيقي للشخصية من دون قيود أسهل من تخزينه بعواقب وخيمة؟ أم هي نعمة نحتاجها؟ أم أن الأمر خاضع للموقف، فالطيب قد يصبح شديد العدوانية أثناء غلطة غير محسوبة لدينا أو بسيطة، والهادئ قد ينقلب إلى غاضب، وهكذا تتبدل الأدوار والأطوار.”
الأزمات ميزان البشاعات
(د. أحمد وفاق)، المختص بطرائق البحث الاجتماعي يعتبر أن الأزمات هي ميزان البشاعات، قائلاً:
“لكل إنسان محك يختلف فيه عن بقية الناس، أحياناً نعرف هذا المحك، وأحياناً يظهر فجأة بدون حسابات، هنا يظهر الإنسان على حقيقته إذا حُرم ما يُحب وإذا حُمّل ما يكره، فهنا تتفاضل النفوس فيما بينها وتدخل في اختبار خيرها وشرها، فهناك نفس تحمد وتشكر ولا تعترض وتفوض الأمر إلى الله، وهناك نفس تعاتب ربها وتحتج، وهناك نفس لا تظلم وليس لها سوى وجه واحد، وهناك من تتعجل فتسرق وتقتل وتعتدي لتصلح حالها وتنهي حرمانها. وهكذا تتفاضل النفوس وتظهر الحقائق عند الخلاف، كما تظهر المعادن، ‏إذ إننا بحاجة الى الخلافات أحياناً لمعرفة ما يخفيه الآخرون في قلوبهم، فقد تجد ما يجعلك في ذهول، أو ما تنحني له احتراماً، الأمر برمته عندما تتعارض مصلحة الآخر مع مصلحتك، هنا يظهر معدن الإنسان، في السفر خصوصاً”.