هل تعتبر شتائم المحبين دليلاً على شدة الأواصر ؟!

مجلة الشبكة /

(من حبك لاشاك)، عبارة تتردد كثيراً على أفواهنا دون أن ننتبه، أو ندرك، أنها تعيش بيننا وداخل حياتنا، إذ لا نشعر بارتياح إلا حينما نسمع من نحب عبارات قد يطلق عليها المعجم مصطلحاً “سيئاً”، إذ تخرج هذه المفردات كتعبير عن المحبة والوئام للشخص المقابل، لماذا؟ سؤال نطرحه على بعض المواطنين ممن نحبهم، نعبر فيه عن حبنا لهم بعبارات الشتائم والذم المحبب!
من يحبك يشتمك!
“حينما أتحدث مع أصدقائي بنبرة جيدة، بعبارات لطيفة، أشعر وكأن هنالك خللاً ما، أبقى اتساءل، ولا أعرف ما الذي بدر مني ليقولوا لي مثلا (عزيزي) او (شكراً)، لما أقدمه لهم، لكن يتبين فيما بعد أني فعلاً قد تشاجرت معهم شجاراً خفيفاً، الأمر الذي يجعلهم يشعروني وكأني غريب عنهم.”
يوضح (أحمد السماك) لـ “مجلة الشبكة” أن “الأفراد كلما أصبحوا قريبين من بعضهم بعضاً، كلما تهاوت الجدران الحاجزة فيما بينهم، وكلما أصبحوا وكأنهم عائلة واحدة، فيحق للجميع أن يقول كل منهم ما يريد وما يشاء لصديقه، تبدأ العلاقة الصحية -حسبما يوضح السماك- بضحكات وعبارات (ميانة) خفيفة، ثم تتطور لتصبح شتائم، لا يراها الآخر على أنها شتيمة، بل بالعكس يفرح بها، إذ تشعره كم أنه أصبح قريباً الى صديقه من خلالها.”
“هذه العبارات تكون بمثابة جسر تواصل وأواصر حقيقية، فمن يأكل معك ويقف في شدتك وفرحك، ويصبح جزءاً مهماً في حياتك، لن توقفه عبارات مثل (هذا الأدبسز وين صار) أو (هذا النغل مشتاقله) أو (حيوان وينك؟) بل إنها تقربه، لأنها تصنع المعنى الحقيقي للمحبة، وهل أني أعني حقا أنه (أدبسز)؟ أم أني أقولها لشدة حبي له؟”
ليس في العراق وحده
ويؤكد السماك أن هذه الصفة، التي تمنحك حق إطلاق الصفات السيئة والشتائم على المقربين منك، موجودة في كل دول العالم، وأنه لاحظها خلال زياراته بعض الدول العربية، وكان الأمر مفاجئاً في البدء بالنسبة له، لكنه تيقن أن المحبة تفضح عن أشياء متشابهة في كل مكان.
“أحد أصدقائي اللبنانيين كان يتصل بصديقه الذي لا يرد على الهاتف، وما إن اجاب حتى منحه، بضحكة عالية، شتيمة صدمتني، ثم بسهولة قال: (يلا تعال ناطريك ع العشا)، فلو كان صديقاً عادياً، أو مجرد شخص يعرفه، بالطبع لن يقول له شيئاً، الحياة تمشي معنا بالمقلوب، لأننا –وبسخرية- نقلبها، ومن نود أن نظهر له ضجرنا نتعامل معه بهدوء ورسمية، ومن نحبه نوبخه، بل ونشتمه، لكن تحبباً!”
بعضهن لا يقبلن ذلك
أما (دانا مسلم)، فتبين في حديثها لـ “مجلة الشبكة” أن النساء في العادة، تكون عبارات التحبيب لصديقاتهن أقل وطأة مما يحدث في مجتمع وجلسات الرجال لأسباب عديدة، منها أن الفتاة لا تستطيع التفوه بكل العبارات، إضافة الى أن “صلح” المرأة يأخذ وقتاً، وبعضهن (ما يتحملن شقا)، تضحك فيما تكمل كلامها:
“ذات مرة، وبلهجة ونبرة محببتين، قلت لصديقتي المقربة (كلبة) فزعلت مني، وصارت تتحدث معي برسمية كبيرة، رغم أني أعرفها منذ عشر سنوات، لكنها، فيما بعد، اعتادت على لساني. لكن بالطبع هنالك بعض الأشخاص يغوصون بعمق في هذا الموضوع، بتصرف لا أعتبره لطيفاً، إذ أن لكل شيء حدوداً، مهما كان الأصدقاء مقربين منا.”
لا أقبل المزاح “الشتائمي”
يلجأ الكثير من الشباب إلى “ميانة” تقوم على أساس السب والشتم كجزء من شروط ومعايير للصداقة والمحبة، وبحسب وجهة نظرهم أنهم كلما تمادوا في إهانة بعضهم كان ذلك دليلاً على متانة العلاقة، ومن لا يقبل هذا الأسلوب يعتبر غير مقبول وسط الجماعة. لكن (محمد سجاد) يرفض أن يمزح أحد أصدقائه معه بعبارات الشتائم، حتى ولو كان قريباً جداً منه، لأن ذلك -من وجهة نظره- يضيع الاحترام المتبادل بينه وبين صديقه، يضيف بقوله:
“الشتائم والمزاح الكبير، يفقدان الهيبة والشخصية وسط الحضور، فمن يمزح معك بشتيمة، يهينك، ولا يحبك.”
يعارض (عباس) صديقه محمداً، ويوضح، أن “لا مؤامرة كونية في الشتيمة، ولا يفكر الجميع بـ (إهانة) الآخرين، او تقليل شأنهم، إنما هي دلالة على عمق المحبة بينهم.”
يوضح محمد -حيث يجلس بقربه صديقه عباس الذي يعارض فكرته- أنه كثيراً ما تحدث المشاكل والخلافات بين الأصدقاء، وقد تمتد إلى الأهل بسبب المزاح بين الشباب بطريقة غير لائقة، ما يؤدي إلى مشكلات بين الأصدقاء ويوتر العلاقة، مؤكداً على ضرورة احترام بعضهم بعضاً.
ولم لا يمزحون بما يحلو لهم؟
من جهته، يقول (عباس الوزني) إنه كثيراً ما يتلقى مثل هذا المزاح من أصدقائه، لكنهم بالتأكيد ليست غايتهم التقليل من مكانته، بل لعمق الصداقة والمحبة بينهم، يكمل بقوله:
“هل يمكن أن أنهي علاقتي بصديق وقف لي في الأزمات، فقط لأنه شتمني مازحاً؟ هل يمكن أن أنسى كل (الزاد والملح) فقط لأنه يشعر بأنه قريب مني، ويفسر حبه لي بطريقته هذه؟ بالعكس، إنما أستغرب في اليوم الذي يكون فيه مؤدباً معي!