وصفة زهيدة لإرواء النفـس بجرعــات من السعادة

جواد غلوم /

من منا لا يريد أن يكون سعيداً في حياته ليقضي بقية عمره هانئاً وديعاً، ويرى أسرته ومُحبيه وأصدقاءه، وحتى بلاده وأهلها، بأفضل حال ومآل !؟
كيف تجعل هرمون الفرح والنشوة النفسية والتوادّ، الذي يسميه النطاسيون “الأندروفين”، يتغلغل في أعماق نفسك ويخلق من كيانك إنساناً راقياً مبتهجاً رفيع الخلق، خالياً من الكراهية والتذمّر والتأفف والضجر وضيق الصدر؟؟
لست ميّالاً لمن يقول لك “لا تبحث عن السعادة فلن تجدها إذا سعيت وراءها،” فهناك وسائل بسيطة جداً، غير مرهقة أو مكلفة على الصعيد الشخصي، تجعل منك مرحاً مليئاً بالبهجة، كأن تلاعب أطفالك وأحفادك ومن تحب من الصغار الغرباء، ولاسيما ممن أصابهم اليتم وحنوّ الأسرة، وتقوم باحتضانهم قريباً من صدرك، فما أرخص العناق دواءً شافياً وبلسماً يزيد الهدأة والسعادة، وتقضي معهم ردحاً من الوقت، ولابأس أن يكون لعبُك معهم في متنزه مليء بالخضرة والساحات العريضة المفروشة بالعشب، تفترشها أنت وعائلتك وصغاركم وتمدون سُفرة الطعام وتتحلقون حولها ضاحكين مستبشرين بالتئام شملٍ ومحبة طاغية، فليس أشدّ من “بتر الحنان والمحبة”، كما يسميه علماء النفس، جالباً للتعاسة، وطارداً للسعادة المنشودة.
منغصات الحياة
لابأس –أيضاً- من إطالة النظر إلى شاطئ البحر، أو النهر، إن كانت مدينتك شاطئية، وترافق مع تحب من أفراد العائلة الأصدقاء والمقربين خاصّة، ومدّ البصر بعيداً في هذا الخضم المائي الكبير، لتقضي ساعات في هذا الرحب المديد، فتنسى منغصات الحياة الضاجة المزدحمة بالهموم، وتنعم بهدوء البحر وصخبه معاً؛ فهذا الصخب المائي المؤنس يختلف كثيراً عمّا نعانيه من ضجيج حياتنا اليومية المعتادة وهرجها ومرجها.
ولتزداد سعادة أكثر، عليك أن تسافر -بين حين وآخر- سائحاً بعيداً عن محيطك المألوف، تغييراً لروتين حياتك المعتاد، لترى الجديد من بقاع الشعوب، وتتعرف وتندمج مع بعض سلوكهم، وتأكل من صحونهم، وتُجاري سلوكهم، وقد ترطن بلغتهم وتتعامل مع فئات قد سمعت عنهم، لكن لم يسبق أن رأيتهم من قبل وعرفتهم عن كثب واقتربت منهم تماسّاً.
القراءة السليمة
سعادتك –أيضاً- تكمن في القراءة السليمة المنتخبة بعناية وتأنٍ، وتوسعة أفق الفكر وتنوير العقل بمصابيح العلم والأدب، وتطهير النفس بالغناء الراقي والرقص المهذّب وولوج دروب الفنّ الرفيع، والنظر إلى جوانب الحياة الخضراء الزاهية بالورود والأوراق اليانعة والرؤية إليها بتفاؤل وأملٍ تتطلع إليه، وتأمل نزوله في ربوعنا ومقاسمة الآخرين أفراحهم وأتراحهم، وتعطي جزيلاً وتأخذ قليلاً، وتشرح صدرك وتُنشِّط عقلك وتصلُه بالصلاة، كيفما كانت عقيدتك، ترويضاً للدماغ ثقيل الوزن ( 1700 غم)، الذي يسبح في سائل النخاع الشوكي فيقل وزنه إلى 50/ غرام عندما تنحني ركوعاً او سجوداً، دون أن نشعر بثقله وفقاً للنظرية الفيزيائية، فيفقد وزنه بقدر وزن السائل المزاح، وكلما سجدت او ركعتَ فأنت تعمل مساجاً مريحاً للدماغ من خلال التحريك في حالتي الركوع والسجود، لتشعر بعدها بالراحة والسعادة النفسية والذهنية.
حاجاتك الروحية
وليعلم الغافل والطامع وذو النزوات المريضة أن السعادة ليست بإشباع الملذّات الجسدية والتخمة المفرطة والسعي نحو الثروة والاكتناز وملء الأرصدة في البنوك وامتلاك العقارات والضياع والتسلّط على الملأ المتعب والغرور وإشباع الشهوات والاستحواذ على حقوق الغير وارتداء طيلسان الغرور والتبختر والتهديد بالعصا والسوط والسيف، فالأهم أن تشبع حاجاتك الروحية والنفسية أول الأمر، وتغذّي إنسانيتك قيماً سامية ونبلاً وتشذّب ما علق في نفسك من صدأ الأخلاق غير السويّة، وتزيح غبار اللامبالاة مع الغير، وتقترب من المكدودين والمتعبين والمنهكين بصفاء المودّة والتراحم والعطف والحنوّ تجاه من يحقق السعادة لك.
ابدأ بالطريق الأسهل للوصول إلى السعادة بإرواء عصفورٍ صغير قطرةَ ماء وتغذيته بحَبّة قمحٍ صغيرة، واعتنِ بشجرة تريد أن تنمو وتثمر وتحيا معك وتهبك عطاءها السنوي، لأنهما يشاركانك الحياة، فالحيوانات والنباتات كائنات حية تشاركك العيش على هذه الأرض، ومدّ بصرك الرحيم ليسع وطنك وأبناءه، ووسّع أفق رؤيتك للعالم كلّه في هذه المعمورة وساكنيها، وأعدك بانك ستحقق ثروة من السعادة تضاهي كثيراً خزائن الأرصدة المالية وما في الجيوب من أموال خالطها الحرام والحلال معاً.