أثير كشكول: الكوميديا فنُّ الشجعان

ذوالفقار يوسف /

خلق لنفسه مركزاً في دنيا الابتسامة، لم يعطِ للحزن غير نُسخ المقاومة الرصينة، إذ لم يفتقر حينها الى الرفاق في مسيرته الفنية، لأنهم معه في هذا العطاء، برع بلا غطرسة في الدخول الى القلوب، ودفع بروحه الهادفة الى خلق العديد من الشخصيات المدهشة التي لامست الواقع العراقي في كل حالاته، برفضه النجاح المؤقت بأدوات ثورية، ليخلق ملحمة رائعة من الضحكات اللامتناهية.
الفنان الكوميدي أثير كشكول ينشر الابتسامة في أروقة مجلة “الشبكة العراقية” في حوار خاص….
بداية الولاية
* قيل إن أثيراً يهوى الكتابة، وإن ميوله في التمثيل كانت لصالح الدراما، فما الذي غيّر أهدافه ليصبح كوميدياً؟
– بدأت القصة بسبب حديثي مع مجموعة من الأصدقاء حول الأعمال الكوميدية في ذلك الوقت، وقد أعطيتهم بعض الأمثلة والأفكار همّها أن تغير واقع هذا النوع من الفن، وقد لاقت هذه الأفكار إعجابهم. بعد فترة وردني اتصال من أحدهم، يعرض عليّ الكتابة، لكن العرض هو أن أكتب في مجال الكوميديا، وطلب أن يجمعني بالفنان علي فاضل، وبمتابعتي مسبقاً لهذه الشخصية وإعجابي الكبير بأعماله ما جعلني أرحب بالفكرة، وأن اللقاء هو ما أثبت أن أفكارنا متشابهة في النهوض بمشروع يخدم الفن الكوميدي في العراق.
نمط جديد
* الكثير من البرامج والمسلسلات الكوميدية توقفت على نمط واحد، ما الذي جعل (ولاية بطيخ) يكسر هذا النمط؟
– كان مشروعي مع الفنان علي فاضل هو تقديم الجديد على الساحة الكوميدية، وتم الاتفاق معه على أن نبتكر نمطاً جديداً، يجمع النقد والوعي والمتعة، وكفنان لابد لي من أن أقدم مايمتع الناس، ويلامس أرواحهم بطريقة كوميدية جديدة، وبالرغم من أن نجاح البرنامج وصل الى العالم بأسره، إلا أنه مازال يبتكر كل ماهو جديد، وكل ذلك لإرضاء المشاهد والتقليل من أعبائه بابتسامة.
* ما تزرعه تحصده، كيف يزرع أثير كشكول هذا الفن ليحصد تلك الابتسامات؟
– يرافق نجاحي، في كل مشهد أقدمه أنا وزملائي الفنانين في (ولاية بطيخ)، عمل مضنٍ ومتعب لأيام وليال، فقد يرانا المشاهد ويقول ما أسهل هذا المشهد، وإن أي شخص يستطيع تقديمه، لكن الأمر بالعكس، فنحن نسهر الليالي لكي نظهر بأفضل مايكون، وقد نتوقف على جملة واحدة قد ترفضها جهة معينة من المشاهدين، او جملة أخرى قد تنتقص من شخص، وكل شخص يقع في الأخطاء، فالشعب العراقي مزاجي بطبعه، ونحن في الأخير شعب متعدد في كل شيء، لهذا لابد من أن تكون حذراً عند طرحك لأي عمل، فقد تواجه العراقيل والحواجز، إلا أننا بتجاربنا واستمرار إصرارنا تخطينا تلك الحواجز، واستطعنا أن نقدم الأفضل بدون إساءة او تجريح لأية شريحة من شرائح الشعب العراقي.

عقد انساني
* المشاكل تحدث ولكن المهم هو تفاديها وإنهاؤها، هل واجهتك بعض المشاكل مع زملائك الفنانين من كادر (ولاية بطيخ)؟
* النجاح شيء صعب جداً، ويسبب الكثير من المشاكل، غير أننا في ولاية بطيخ وقّعنا عقداً إنسانياً فيما بيننا، عقد أكبر وأفضل من أي عقد آخر، ولأننا قد بدأنا سوية، جعلنا البنية التحتية لما بيننا هي هدفنا الإنساني والفني، وفوق ذلك أن أي نجاح يحققه أي واحد منا، أو نسب المشاهدة لهذا الأسبوع لشخصية معينة، هو نجاح للبرنامج، وبذلك يكون الجميع فائزين.
كوميديا الشجعان!
* لكي يتحرر الفنان من قيوده لابد من أن يبتكر الجديد، ما الذي أضافه أثير لواقع الفن في العراق؟
– لا بد لي من أن أركز على دور الكوميديا في العراق، وطرق تقديمها في الآونة الأخيرة، إذ يخوض العديد من الفنانين أدواراً بعيدة عن الابتكار والتجديد في الفن، حيث نشاهد دور المتنمر او الراقص وحتى الضحية الساذجة قد هيمنت على جميع الأدوار، وبطريقة السخرية والسخافة، حتى وصل الأمر الى السخرية من بعض فئات الشعب بطريقة غير لائقة، لهذا كان لابد من التجديد، فالكوميديا فن الشجعان الذي لايقيدهم أي شيء، أي أنك بنقلك لصورة الفن قد تمزج القوة مع الابتسامة وبرسالة هادفة وواضحة، ولا بد من أن تكون بعيدة عن التهريج الذي لازمنا على الشاشة العراقية لمدة طويلة.
*”المناشد”، الحجي, أبو فطم, محسوب ورطة, الحجية، شخصيات قريبة من الواقع العراقي لاقت النجاح، ما مبررات هذا التنوع؟
– كل شخصية قدمتها لا أستطيع الإجادة في طرحها، إلا إذا كنت قد عشت تفاصيلها بإتقان، وأن أعشقها بشكل كبير، ولا أن أتقمصها لأجل التمثيل فقط، والتنوع الذي يرافقني سببه الجمهور، فلا بد لك من أن تقدم محتوىً إبداعياً بعيداً عن الملل والتكرار، وأن تتيقن أن هناك من ينتظرك لتقدم شيئاً جديداً، وكإنسان قلق وحذر، لابد لي من أن أجيد وبقوة وتركيز كل حركة أقوم فيها بمشهد، وأن أكون عند حسن ظن الجمهور وبأحسن صورة.
مسرح
* التنوع كفيل بأن يجعل مسيرة الفنان الناجح مستمرة، فما هي تطلعاتكم لتقديم محتوى آخر غير الكوميديا؟
-الوقت كالسيف، هذا ما اعتدنا أن نقوله عند سؤالنا لعدم تقديمنا أي محتوى فني آخر غير برنامج (ولاية بطيخ)، فوقتنا محدود جداً، وبالرغم من ذلك فإن طموحنا موجود، وكمحبين للمسرح قدمنا العديد من العروض التي لاقت نجاحاً، وفي عدة دول خارج العراق، وبعيدة عن أجواء بعض المسارح التجارية من الرقص والسذاجة في هذه الأيام، وهناك أعمال درامية ستصدر قريباً، من أولوياتها التطرق الى واقع العراق بطريقة درامية توعوية وهادفة من همّها أن تعالج المشاكل من خلال الفن، وأن نكشف بعض الظواهر وننقلها ونحاول أن ننبذها.
عادات دخيلة
* العديد من المشاهد التي تنقلها عن طريق فنك هي مشاهد توعوية، فما تلك الرسالة التي تحاول نقلها؟
– قبل كل حلقة من برنامج (ولاية بطيخ)، نرسم معاً خطوط فلسفة المشاهد، الغرض منها دمجها مع الواقع العراقي، وذلك بمتابعة الشارع، اذ لابد أن تكون النتيجة من هذه المشاهد هي نقل صور العادات الدخيلة على المجتمع ومحاربتها وتوعية الناس بها بنفس الوقت، ومن ضمن هذه العادات التسول والتبعية والطائفية والمخدرات والفساد، وحتى (الدكة العشائرية) التي استطعنا بعد عدة حلقات أن يصدر فيها قرار حكومي بأن يحاسب قانونياً كإرهابي كل من يتعامل بهذه الظاهرة ويمارسها، وقد وردنا بعد هذا القرار اتصال من وزارة الداخلية يقدمون فيه الشكر لنا على هذا الإنجاز، لهذا نحن نعالج كل قضية تؤذي المجتمع، ولأننا في بيئة متوترة لابد لنا من أن نعالج هذا التوتر وبفلسفة كوميدية هادفة تلامس المجتمع، وبالمقابل يتقبلها ويطبقها.
المراقب
* لكل شخصية قمت بتمثيلها نجد أن هناك تقمصاً كاملاً وباحترافية، ماهي أدواتك التي حققت هذه الإجادة؟
– لابد لأي فنان يريد أن يتقمص شخصية معينة من أن يعيش هذه الشخصية بأدق تفاصيلها، لهذا أقوم بمراقبة كل شخص يمر من أمامي، حتى أنني في بعض الأحيان أوقف سيارتي على الطريق أراقب الناس لأستفيد من كل حركة وتصرف وردود أفعالهم التي يقومون بها، فمثلاً تقمصي دور (الحجية)، فقد زرت حينها بعض الأقارب لكي أراقب العجائز وتصرفاتهن حينها، وأخذت ملابس جدتي وارتديتها في منزلي وقمت بالتصرف كما يتصرفن، كالبكاء وإطلاق الأشعار وحتى طرق الجلوس والمشي، ولهذا فقد أتقنت هذا الدور الذي أعجب المشاهدين.
*ضاقت العبارة باتساع الرؤية، ما هي آخر عباراتك في هذا اللقاء؟
– أشكر كل جمهوري الحبيب، وأعده بالأفضل والجديد في الأيام المقبلة لأنني منكم وإليكم، وأدعو كل الناس أن يتأنوا قبل الهجوم على أي فنان قبل معرفة نتاجه الفني، ولأن تحفيزي وتشجيعي هو ما يجعلني أقدم الأفضل، وأن يسامحوني إذا كنت قد أخطأت بحق أحد، فالفنان هو إنسان قبل ذلك، عسى أن يكون عراقنا مليئاً بالابتسامة والحب دائماً.

الفنان أثير حسن كشكول من مواليد 10/1/1984 من سكنة العاصمة بغداد، تخرج من كلية التربية الاساسية عام2007.