الفوتوغرافي حسن مصطفى جمال الدين:فن التصوير هو كل جماليات الحياة وبشاعاتها

محسن إبراهيم/

علمٌ في عالم الفوتوغراف، لايترك شاردة أو واردة خارج بؤرة العدسة، ينحت الصورة كفنان نحتاً، كمن ينحت الحجر لأنه لايكتفي بتقنيات كاميرته المتطورة فقط إنما بزاوية نظره الحساسة ومشاعره المرهفة في رؤية الأشياء من حوله. يكفي أنه يأخذ آلاف اللقطات لصورة واحدة كي يحتوي الأجزاء جميعها ويعيد جمعها مرة أخرى.

في واحدة من صوره لمشهد بانورامي في كربلاء نرى عشرات الآلاف من الزائرين، لكن ليست هنا المعجزة إنما في أنك يمكن أن تقرب وجه أحد الزائرين، بين كل هذه الألوف المؤلفة، لترى الوجه بكل تفصيلاته وملامحه وكأنك تراه في المرآة.

منذ صغره عشق الكاميرا واقتناها, هام في بحر التصوير الفوتغرافي فكانت عيناه البعد البؤري للحياة, جاب بلاد العالم والتقط آلاف الصور، إلا أن العراق ظل اللقطة الأكثر جمالاً ورسوخاً في مخيلته.

نتحدث عن المصور الفوتوغرافي القدير حسن مصطفى جمال الدين الذي يستعد لإنجاز مشروع موسوعة العراق الصورية… بمساعدة شبكة الإعلام العراقي.

مجلة «الشبكة» التقته وأجرت معه هذا الحوار:

الحياة صوَر

* ماذا يعني فن التصوير الفوتغرافي لحسن مصطفى؟

– فن التصوير هو كل جماليات الحياة وبشاعاتها، وبالتالي لابد من وجود عين تجيد رؤيتها, وهنا تكمن أهمية التصوير أو رؤية التصوير, كل جوانب الحياة بحاجة الى صورة, الشاعر مصوِّر, والمتلقي كذلك، فهو يستخدم الخيال لخلق صورة معينة عن الذي يسمعه.

* ماذا أضاف التصوير لتجربتك وحياتك؟

– منذ طفولتي وأنا أعشق التصوير، أذكر أني في الصف الثاني الابتدائي كنت أمتلك كاميرا وأتجول في الشوارع لتصوير كل ماتقع عليه عيناي, في ذلك الوقت كان الأمر غريباً، طفل يحمل كاميرا ويلتقط الصور, وأذكر عندما سألوني عن هدية نجاحي في الصف الأول كان طلبي عكس بقية الأطفال، فقد كنت مصراً على امتلاك كاميرا فوتغرافية, ربما من دفعني لعشق الكاميرا هو امتلاك خالي لها, والسبب الآخر هو أحد المصورين في مدينة البصرة محلة «ابو الحسن» الذي كان يأتي لتصوير جدي (الميرزا عباس جمال الدين) باعتباره شخصية دينية ومرجعاً دينياً, كنت أراقبه عن كثب وأدقق في جميع تفاصيل عملية التصوير, موهبتي وعشقي للتصوير كانا يمران في فترة إهمال ثم العودة وهكذا الى حين وصولي الى مرحلة الاحتراف.

لا أجمِّل صوري

* متى تولد الصورة لديك؟

– ربما أختلف مع بعض المصورين في بعض الجزئيات, أعتقد أن كل زاوية في الحياة هي لقطة, قد يقتنع بعضهم بها لأنها محبّبة إليه, الأمر يعود الى المصور إذا تجرأ وحاول أن يكون احترافياً بإظهار الصورة البشعة في منتهى بشاعتها, الصورة هي أن ترى أنّ هذه صورة بغض النظر عن جمالها أو بشاعتها, فإما أن تنظر لها بتجرد والمتلقي يتلقاها بانفعال وإما بشكل حزين أو مزدرٍ تبقى حسب طريقة نقلك لها, أو تكون حالك حال المصورين الذين يصورون مايعجبهم فقط.

* أي الصور التي بقيت حبيسة مخيلتك؟

– لا أظن أن هناك صورة ظلت حبيسة في مخيلتي, أذكر أنني حين تم تهجيرنا من العراق كان كل ما أمتلكه آنذاك هو أربعة أكياس كبيرة من الصورهي حصيلة ماصورته طوال سنين, وهنا أذكر معاناتي في تحميض الصور حيث كنت أهرب من المنزل لأذهب لمحافظة أخرى يوجد بها استوديو للتحميض وكان عليّ أن أنجز عملية التحميض وطبع الصور في يوم واحد حتى أعود لمحافظتي، وأعتقد أنه في ذلك الزمن كان هذا الأمر شبه مستحيل, بهذا الشكل جمعت أكياس الصور, لا أظن أن هناك صورة لم ألتقطها وبقيت حبيسة عندي.
وطن الصورة

* هل لأعمالك وطن محدد؟

-في العراق كانت بدايتي وممكن أن أطلق عليها مرحلة الطفولة في التصوير, الآن وأنا أعود للعراق أعيش حنين الطفولة والفترة الضائعة في وطن بعيني طفل ورجل كهل, أما فترة الشباب وتكّون الشخصية واكتمالها فقد كانت في سوريا, التي كانت محبوبة لي في اللقطة والعين فكان لصورتي وطن مهم.
حلمٌ واحد

* لو حصلت على فرصة لعرض صورة واحدة من كل صورك أي الصور ستختار؟

– منذ أن وعيت كان يعيش في عقلي وعواطفي حلم واحد وهو أن أصوّر المراقد المقدسة، وهذا الحلم كان من المستحيل تحقيقه في فترة النظام السابق, وحين سقط النظام كانت انشغالاتي كثيرة فضلاً عن الوضع غير الآمن, لكن الرغبة كانت ملحة جداً وعند زيارتي الأولى للعراق توجهت للمختصين على العتبات المقدسة وطرحت فكرة تصوير العتبات بكتاب بانورامي مركّب وشرحت لهم طريقة التصوير والعمل, أعجبوا بالفكرة وبدأت بتنفيذها, بالمحصلة كانت أجمل صورة ممكن أن أتخيلها هي لمرقد الإمام علي، وهي لقطة مكونة من 2400 لقطة تشكل صورة واحدة مركبة بشكل معقد جداً، وتكاد تكون هذه الصورة نادرة حتى على مستوى العالم.

* في فترة الحرب اللبنانية كانت عدستك حاضرة، حدثنا عن هذه الفترة؟

– في فترة الحرب اللبنانية كنت أعيش فترة المراهقة العمرية وكنت مندفعاً جداً وأتحدى كل المخاطر من قنص وقصف وتبادل لإطلاق النار, تجولت في جميع مناطق القتال ووثّقت الكثير من عذابات لبنان, وهذا يعيدني الى سؤالك السابق عن وطن الصورة, بالرغم من جمال لبنان وبيئته الخصبة للتصوير إلا أني لم أحس به وطناً لصورتي.
الحياد أو التجرّد هل من الممكن أن تكون صفة ملازمة للمصور في أوقات الحروب؟
من حيث المبدأ يجب أن يكون المصور محايداً, لكن هل يستطيع؟ لا أعتقد, حاله حال الشاعر والكاتب كل يكتب عن انتمائه, يندر أن تجد إنساناً ينتمي الى إنسانيته أكثر مما ينتمي الى قوميته او طائفته, لكن أعتقد أني انتميت الى إنسانيتي أكثر, كنت أصور المناطق المسيحية التي يقصفها المسلمون بنفس الألم الذي أصور فيه قصف مناطق المسلمين، الوجع الإنساني موجود ومن الإجرام أن تقبله للآخر ولاتقبله لنفسك.

* ماذا تعني لك الجوائز والمهرجانات؟

– أبداً لا تعني لي شيئاً, أنا أمتلك رقماً قياسياً عالمياً في الصورة، وأنا لم أقِم معرضاً واحداً, دعيت كثيراً لإقامة معارض ورفضت، ليس غروراً ولكن حقيقة لا أعرف لماذا, ولم أسع الى الجائزة في حياتي، لابأس إن سعت هي إليّ. ربما أن ما يعنيني هو الفن أكثر مما تعنيني شهرته.

* حلم تصوير معالم العراق ربما طال انتظاره؟

– إنه حلم كان يراودني منذ زمن بعيد, منذ أن خرجت من العراق أيام الطاغية الذي استباح كل ماهو جميل وتحديداً منذ العام 1982وقد بدأ الحلم يكبر وينضج, وشاءت الأقدار أن أعود الى العراق الحبيب، ورحت في صمت وفي حذر أجوب تاريخه الكبير القديم, حال دامت معي ثلاث سنوات عجاف من الانتظار ومن الدوران في حلقة مفرغة, حتى شاء القدر وتم اجتماعي بهيئة شبكة الإعلام العراقي ممثّلة برئيسها الدكتور علي الشلاه ورئيس هيئة الأمناء مجاهد أبو الهيل وبفضل جهود فضل فرج الله عضو هيئة الأمناء الذي لم يدّخر وسعاً لعرض الفكرة على الهيئة, وقد تلقف المسؤولون في الشبكة الفكرة وبادروا الى تذليل الصعاب والمعوقات في سبيل البدء بالمشروع وتهيئة السبل المناسبــــة وتبنّي العمل كلياً حتى ولادة كتــــاب مــــوسوعة العراق المصورة الى الوجود.