في أول عيد بلا “صبّات” بغداد تعانق الفرح

ذوالفقار يوسف /

تفاؤل عراقي بقدوم عيد الفطر المبارك لهذا العام، بعد أن رفعت السلطات الأمنية أكثر من 70 ألف حاجز إسمنتي، بعد 15 عاماً من نصب أغلبها من قبل القوات الأميركية، إذ تم فتح أكثر من ألف شارع في بغداد، بخطوة تأتي بعد تعزيز دور أمن العاصمة، وأيضاً للخلاص من الاختناقات المرورية التي عانى منها المواطنون كثيراً.
فقد واجه المواطن بعد دخول القوات الأميركية تغييراً تاماً لمدينته، حين باتت الدوائر والمؤسسات والمناطق السكنية محاطة بكتل إسمنتية ضخمة كلفت العراق ملايين الدولارات، غايتها حماية الأبنية بسبب عدم الاستقرار الأمني في العراق بعد أحداث عام 2003.
عيدكِ مباركٌ يا بغداد
بدأت عملية رفع الحواجز الإسمنتية، وبدأ معها ظهور وجه بغداد الجميل، فالمباني والصروح والنصب التي كانت تغطيها الحواجز الإسمنتية التي يبلغ ارتفاعها ثلاثة أمتار، ظهرت من جديد أمام عيون أهلها.
الأستاذ حيدر عبد حلحول (34 عاماً) يحدثنا بفرح ويقول: “إن رفع الصبّات أعاد لنا شكل وسحر العديد من شوارع عاصمتنا الحبيبة، التي غابت صورتها من أرشيف الذاكرة، والتي اعتاد العالم رؤيتها كعاصمة للثقافة والجمال، إذ عادت تلك الصورة الجمالية بظهور الكثير من المباني والمحال والأماكن التي كانت تخفيها تلك الكتل الإسمنية، لهذا بغداد اليوم تتنفس من جديد، وأشعة الشمس عادت لتدخل من نوافذها لتبصر فتنتها العيون مرة اخرى، بعد أن غيبتها الظروف لسنين طوال، وبعون الله سنقول لبغداد في هذا العيد مانقوله لأحبائنا (عيدكِ مبارك يا بغداد).”
مولات الفرح
امتزجت بوادر الفرح في هذه الأيام المباركة من شهر رمضان بأيام عيده، إذ ترى أغلب العراقيين يرتادون الأماكن الترفيهية والمطاعم لتناول وجبة السحور التي تمتد حتى أوقات الفجر، بعد صيامهم لنهار كامل، وكطقوس عراقية مازالت تنبض بالحياة في نفوسهم.
الدكتور فهد العاني (41 عاماً) يشير الى أن “الأمن والسلام قد حلّا على عراقنا العظيم، فلا يوجد أي مانع أن تحل معه الأعراف التي كنا نمارسها في أيام رمضان المبارك، وأيام العيد ايضاً، ورغم الحروب والمآسي التي واجهتنا، إلا أننا لا ننسى مظاهر العيد مثل زيارة الأقارب والجيران، والذهاب الى حدائق الزوراء ومدينة السندباد وتجهيز”صواني الكليجة”، لأنها موروثنا الذي يجعلنا نتنفس مرة أخرى بأمان.”
يضيف العاني: “الآن وقد افتتح أكثر من مول في بغداد، صارت العديد من الأسر العراقية تختلف إليها في الأعياد والمناسبات، لقضاء ساعات مفرحة والاحتفال بالعيد العراقي كما اعتادوا قبل ذلك بعيداً عن صخب الحياة ومشاغلها، بلا خوف ولا حواجز كونكريتية تمنعهم من الوصول الى أية منطقة في مدينتهم.”
إزالة الخوف
كانت تضحيات أبناء العراق في محاربة إرهاب داعش، الوسيلة الوحيدة لعودة الأمان والاستقرار الى العاصمة وباقي المحافظات، وباندثار الإرهاب وأدواته في شوارع بغداد كان لابد من إزالة كل مايذكرنا بتلك الحقبة المشؤومة.
المواطن قيس زهير(32 عاماً) يشير الى أن” لابد من أن تكون صورة بغداد خالية من أي شيء يذكرنا بالأهوال التي واجهها الشعب، من تفجيرات وقتل وخطف، وأن من ضمن هذه الأشياء “الصبّات الكونكريتية” التي كانت سبباً في كثير من مشاكل العراقيين، إذ كانت تمنعنا من الوصول الى أقاربنا في أيام العيد، وأيضاً حصر العديد من العجلات في جانب واحد، ما يزيد خطورة تعرضهم الى الخطر، ولا ننسى الزخم المروري الكبير الذي نواجهه في أيام الأعياد، فأغلب المواطنين يفضلون الجلوس في البيت، لمعرفتهم بأن خروجهم الى مكان ما سيكون غير ممتع، بسبب الشوارع المزدحمة التي سيعانون منها للوصول الى ذلك المكان.”
يضيف قيس أن “إزالة الحواجز الإسمنتية في هذا العام، ستجعل للعيد نكهة خاصة، تذكرنا بعراقنا الحقيقي، وأن نعيد مظاهر العيد الى أصلها، بإزالة الخوف من شوارعنا، ونبذ كل مظاهر الحرب من ذاكرتنا، وكل هذا الفضل يعود لقواتنا الأمنية التي حققت النصر بدماء شهدائنا الأبطال.”
أم علي والصبّة!
إدامة الفرح وتعزيز وجوده دفع أمانة بغداد، وفي جميع الأعياد، الى فتح أبوب متنزهاتها مجاناً أمام المواطنين لمعرفتها بالمعاناة التي لحقت بهم من الإرهاب وملحقاته مثل الحواجز الكونكريتية وقطع الطرق.
إم علي (55 عاماً)، كان لها حديث مُر عن المواقف التي واجهتها بسبب هذه الكتل، إذ تقول: “لقد اعتدت أن استقل عجلتي لأذهب الى عملي او لزيارة أقاربي وأصدقائي في صبيحة كل يوم، إلا أن المعاناة التي كنت أواجهها كل يوم جعلتني أتردد في الذهاب الى أية منطقة تحيطها الحواجز الكونكريتية، إذ كانت السبب الوحيد الذي يجعلني أضل طريقي بالرغم من معرفتي الجيدة بشوارع بغداد ومناطقها، وفي بعض الأحيان نتصور أننا نعيش في مدينة أخرى غير بغداد، بسبب التغير الكلي في شكل مناطقها التي امتلأت بالكتل الإسمنتية، أما أيام الأعياد فحدّث ولا حرج حين الزحام يزيد الطين بلّة.”
تردف أم علي: “أما الآن فقد رأينا بغداد في حلّة جديدة وشعّت على أهلها بفرح الانتصار والسلام، لتعيد لنا الذكريات الجميلة، بصروحها وشوارعها ومبانيها التي كانت مغطاة بتلك الكتل التي شوّهت منظر عاصمتنا الرائعة، عاصمة الثقافة والجمال، وها هو العيد قد تكّحلت عيناه برؤية مدينتنا الزاهية بفستان حضارتها وألقها مرة اخرى، خالية من الأقنعة التي ألبسها إياها الإرهاب”.. لينشد الجميع مع صوت الخالدة أم كلثوم “الليله عيد…عالدنيا سعيد.”