قفزت من قمة أيفرست وحلمي التحليق في الفضاء!

 أحمد سميسم /

في صغره كان يحلم ويعيش كأنه طائر، حياته مليئة بالمغامرات فهو اول عراقي يقفز من جبل ” ايفرست” أعلى قمة في العالم، وهو اول عراقي يصل القطب الشمالي.

حصد من الالقاب العديد، كصقر العرب، وهرقل الشجاع، ودخل موسوعة “غينس” للارقام العالمية تسع مرات.
مثّل العراق في كثير من المحافل الدولية لاسيما في بطولة كأس أمم آسيا للقفز بالمظلات في أندونيسيا عام 2011. حصل مؤخراً على لقب (رجل السلام) لعام 2016 بمناسبة يوم السلام العالميّ.

إنه الطيار ورائد الفضاء العالميّ، العراقيّ «فريد لفتة» الذي التقته (الشبكة) خلال زيارته القصيرة إلى بغداد في حوار صريح وشيق.

كنت طيراً لا إنساناً!

تحدث أولأً عن بداياته المكتنزة بالأحلام، حيث كان يظنّ نفسه طائراً لا إنساناً “منذ الطفولة بدأتْ لديّ بوادر الموهبة، حيث كانت طفولتي غير اعتيادية، بل غريبة، فلم أقبل أن أتكلم حتى سن الخامسة من عمري، فكنت أعتقد إنني طير وليس إنساناً، ولذا كنت آكل من دون إستعمال يديّ، وأقفز هنا وهناك وأحاول أن أغرّد وأقلّد ما تفعله الطيور.

أمّه كانت مشجعه الأول على تحويل أحلامه إلى حقائق، فهي كانت تجاريه وتتعامل معه باعتباره طائراً، كما أن مدينته “العمارة” كانت مسقط رأس أحلامه ورؤاه.

يقول الكابتن فريد لفتة في هذا الصدد: “التشجيع كان من والدتي رحمها الله فهي مصدر الحنان والعاطفة والاهتمام والرعاية، وهي أهلتني لكي أكون ناجحاً وأصل للعالمية في عملي وأتجاوز الصعاب، فبدعائها لي نجوتُ من الموت والمخاطر في كثير من المواقف والمغامرات التي كنت أقوم بها خلال عملي، كانت هي الوحيدة التي تعاملني كطير وجارتني لأصل إلى مبتغاي، أما مدينتي «العمارة» فقد كان لها الدور الكبير في تكوين شخصيتي وهيئتي الجسمانية من خلال الغذاء الصحي والبيئة الهادئة والطبيعة الساحرة وأجوائها الجميلة».

سافرت مفلساً

وأنا أحاوره، تذكرت حكاية سفرته الأولى إلى “دبيّ” حيث وصلها وهو لا يملك شيئاً من المال فقلت له حدثني عن ذلك، فقال: “هذا صحيح، ذهبت إلى دبي ولم أكن أمتلك المال حينها، عندها حاولت أن أعمل باختصاصي فأنا حاصل على شهادة البكالوريوس في علوم الكيمياء من بغداد، فأكتشفت أن لا قيمة لشهادتي هناك، بعدها عملت مضطراً في مهنة بعيدة عن اختصاصي وطموحي، وهي مدير صالة «إنترنت» في إمارة «عجمان» وأمضيت فيها قرابة ثلاث سنوات، إلا إن هذه المهنة لم تحدّ من طموحاتي، فعند الليل وبدلاً من أن أذهب لكي أنام ذهبت إلى مركز الغوص وطلبت منهم أن أعمل في الاستعلامات ووافقوا على ذلك، وقلت لهم أنا أتقن لغتين العربية والانكليزية فمن الممكن الاستفادة مني، عندها وجدوا لديّ حبّ التعلّم والذكاء فأشترطوا عليّ أن يعلموني الغوص مقابل عملي معهم، والحمد لله العمل الذي يتقنه الآخرون بسنوات تعلمته بأشهر.

سفير الطفولة

لفتة انتخب سفيراً للطفولة فسألناه عمّا قدّمه لأطفال بلده في هذا المجال فأجاب: “انتخبت سفيراً للطفولة في الشهر الخامس من عام 2015، أما ما قدمته من دعم للطفولة فقد عملت برامج عديدة تخص الأطفال ودخلت موسوعة (غينس) للأرقام القياسية، فضلاً عن توقيعي مذكرة تفاهم مع مستشفى «الكفيل» التابع للعتبة العباسية المقدسة لعلاج (113) طفلاً مجاناً.

هو أوّل عراقيّ يقفز من قمة “إيفرست”، ويتذكر هنا شعوره وهو يقفز من أعلى قمم الأرض “حين قفزت من قمة «إيفرست» التي يصل ارتفاعها إلى حوالي 30000 قدم استغرقت مدة (70) ثانية فقط في الجو، أحسست خلالها بسعادة مطلقة وكأني ملكت الكرة الأرضية جميعها».

حين أنقذتني نظارتي من الموت

ويروي لنا حكايته الغريبة خلال هذه القفزة التأريخية. قال: “كانت درجة الحرارة حينها في قمة «إيفرست» 65 تحت الصفر، والمعدات التي وصلت إلينا جاءت من أميركا، إلا أن البدلة الوحيدة التي ليس فيها علم بلد المشارك هي بدلتي للأسف، وجاءت البدلة تحمل اسمي فقط، والسبب كما أعتقد أن ترشيحي تمّ من خارج العراق وليس من مؤسسة عراقية، ما يعني أن تمثيلي للعراق لم يكن رسمياً، وإن كلّ المشاركين تم منحهم نظارات عاكسة وهي جميلة جداً بلون أزرق، إلا أنا فقد كان نصيبي نظارة شفافة غير جميلة، «زعلت» في حينها فقالوا هذا حظك!، ولكني لم أكن أعلم أن هذه النظارة هي التي ستنقذني من الموت، فعندما صعدنا إلى الطيارة كان الهواء خفيفاً وما كنا نستطيع أن نستخدم قناني الأوكسجين المربوطة علينا لأنها تنفد، فوضعنا قناني الأوكسجين في الطائرة لنستخدمها، وعندما نقفز نبدلها ونفتح القنينة، وقبل دقيقتين أشار إلينا الطيار فبدلنا الأنابيب، كان هناك هواء ولكن ليس هناك أوكسجين، فنحن نتنفس بشكل طبيعي ولكن بلا أوكسجين، وبما إنني أتنفس فقد نسيت أن أفتح قنينة الأوكسجين الخاصة بي، فحدث لي أن اختفت الصورة أمامي، وما عادت هنالك ألوان، وصرت أشاهد الأشخاص والأشياء والطيارة بالأسود والأبيض. غابت الألوان ثم بدأت أشعر وكأن شيئاً ينسلخ من جسدي فلم أستطع التحرّك، وحاولت أن أستغيث او أطلب النجدة ولكن لم أستطع فما عدت أسيطر على جسدي، وكان أمامي صديقي الذي يبدو أنه شاهد عينيّ عبر النظارة الشفافة فعرف أن عندي مشكلة ففتح لي الأوكسجين، وعندما نزلنا قال لي: أنا لم أشاهد في حياتي عيوناً بالطول!، وعندما شاهدت عينيك هكذا شعرت أنك في مشكلة وعرفت أن قنينة الأوكسجين غير مفتوحة، لذا كدت أفارق الحياة فأنقذتني نظارتي.

رائد فضاء

أحلام “رجل العراق الخارق» لا تنتهي، لكنّ حلمه الأكبر أن يكون رائد فضاء: «حلمي هو الفضاء أي أن أكون رائد فضاء معتمداً باسم العراق، علماً بأني مُدرب من قبل الأوروبين على عمل رائد الفضاء وجاهز من جميع النواحي، فقط ما أتمناه وأحتاجه هو مخاطبة رئاسة الوزراء العراقية للسفارة الأميركية أو الروسية أو أية وكالة فضاء وإبلاغهم بأن الكابتن فريد لفتة رائد فضاء عراقي يمثل العراق. هذا كل ما أحتاجه، مجرد ورقة لا أكثر، لكي أنطلق بعملي ونشاطاتي الفضائية رسمياً وهي نشاطات ستعود نتائجها إيجاباً على التعليم في العراق وشهادات الدكتوراه والزراعة والطب والهندسة وكثير من مفاصل الحياة.

أريد للدب القطبي أن يأكلني مملحاً!

حرضنا ذاكرة لفتة على استذكار أطرف المواقف التي مرّ بها في مغامراته فسرد لنا أحد هذه المواقف، قال “هناك موقف طريف حصل معي لن أنساه. عندما أردت القفز في القطب الشماليّ صيفاً حذرني أصدقائي الجالسون معي في الطائرة، وكانوا من جنسيات متعددة، من الدبّ القطبيّ، هذا الحيوان الكاسر، ومن سوء حظي أنه في هذا الوقت من السنة يكون خارجاً من فترة سباته البالغة ستة أشهر بحثاً عن الطعام بشراهة عالية، ومن الممكن أن يأكلني حال وصولي إلى الأرض. حينها أردت أن أخفف من جدّية الموقف فقلت لهم: «أريد ملحاً” فاستغربوا قالوا ماذا تفعل بالملح؟ قلت لهم أنا عراقيّ وحين يأكلني الدبّ القطبي أريده أن يأكلني وأنا مملّح ولا يقول إنني «ماصخ»!

حصل بطلنا على ألقاب عدّة تربو على العشرين لقباً، وهو يعتزّ بها جميعاً لكنه يستذكر بفخر مشاركته في استعراض للجيش العراقيّ “شاركت في استعراض عيد الجيش العراقي من خلال أكبر تحليق لطائرات الهليكوبتر في العالم في سماء بغداد برعاية وإشراف وزارة الدفاع العراقية».

هو رجل لا يكفّ عن الحلم، قال لي أنني وأنا أتحدث معك الآن، أتكلّم وأنا أحلم، وله فلسفة تتمثل في أن الخوف هو الذي يصنع المغامرة، فمخطئ من يظنّ أن المغامر لا يخاف، بل المغامر هو من يستطيع التغلّب على خوفه. ويؤكد أن من لا يخاف فإن لديه مشكلة نفسيّة.

سألته لماذا لم يمارس عمله كقائد لطائرة باعتباره حاصلاً على شهادة من أكاديمية الإمارات للطيران، فقال أنه عرض الأمر على الخطوط الجوية العراقية التي رفضت طلبه. قال بأسى “ لم تستجب الخطوط الجويّة العراقية لذلك، فهم يفضلون توظيف طيار غير عراقي مقابل راتب مغرٍ جداً، ويتجاهلون ابن بلدهم»!

من الكنتور الى قمة ايفرست

تتساوى لديه الآن قفزته الأولى التي قام بها في طفولته وكانت من قمة “الكنتور” في بيتهم مع قفزته من قمة “إيفرست”، لأن القفزتين يجمعهما حلم الطيران، فقد كان القفز من “الكنتور” تحدياً يناسب طفلاً حالماً بالقمم.

رفع شعار “لنحلق من أجل مستقبل العراق» لكنه للأسف لم يحقق هذا الشعار في بلده. «حلمي هذا لم يتحقق، واجهت معوقات في إنجاز هذا العمل في العراق، لكن استطعت تحقيقه في أميركا وحلقنا من خلال بالونات جميلة”.

اشترك مؤخراً في عمل غنائي موجّه للنازحين، وقد حدثنا عنه قائلاً: “هذا العمل هو جزء من نشاطاتي فقد انتجت أغنية عنوانها “عندي أمل” من كلمات الشاعر كريم العراقي، وألحان وغناء الفنان وسيم فارس. العمل إنساني موجّه للنازحين والأيتام، وتم تسجيل الأغنية في استوديوهات تركيا ودبيّ، وتم تصوير المشاهد في العراق في منطقتي النهروان وبغداد. أما عن دوري في الأغنية فسأظهر في دور “الراوي” الذي يسرد معاناة الأطفال والنازحين. وأتمنى أن ينال إعجابكم.

أخيراً سألته: ماذا يمثل لك اختيارك رجل السلام؟ فأجاب: “كنت في غاية السعادة وأنا أتوّج بلقب (رجل السلام) والأهم من ذلك أني حصلت على هذا اللقب في بلدي العراق ومن مؤسسات عراقية مستقلة، وتم تتويجي رسمياً في حفل أقيم لي في مول المنصور ببغداد.