الشاعر حمد الدُّوخي: أفكرُ جدياً بالتوقُف عن الكتابة!

حوار: علي السومري /

شاعر وناقد واكاديمي، دائماً ما كان يردد انه ولد في بيت طيني، بيت كانوا يتناولون فيه الشعر بدلاً عن الخبز، ورث الشعر عن ابيه الشاعر، وامه وإخوته، وهم شعراء بالمحكي، او ما يطلق عليه بالشعر الشعبي. كان للمحطات العديدة التي مر بها الاثر الواضح في شعره، ومنها نشاته وترعرعه في القرية وحياة الريف التي منحته مخيلةً واسعة.
انه الاستاذ الدكتور حمد محمود محمد الدُّوخي، الذي ولد عام 1974 في مدينة الشرقاط التابعة إلى محافظة نينوى.
حصل (الدوخي) على درجة الاستاذية في الادب العربي الحديث ونقده في جامعة تكريت عام 2016، يعمل الان استاذاً لمذاهب الادب العربي في الدراسات الاولية، واستاذاً للتحليل السيميايي للنصوص الادبية في الدراسات العُليا.
اصدر في الشعر مجموعات شعرية عدة، بينها (عذابات)، و(ORGUEIL DES ANNEES TRES IRAKINNES’L) وهي مجموعة شعرية مشتركة مترجمة الى الفرنسية، و(A LAS ORILLAS DEL TIGRIS)، وهي مجموعة شعرية مشتركة ترجمت الى الاسبانية، و(مفاتيح لابواب مرسومة) و(الاسماء كلها)، و(عذابات الصوفي الازرق)، كما اصدر مجموعة من الكتب النقدية بينها (المونتاج الشعري)، و(جماليات الشعر _ المسرح _ السينما، في نماذج من القصة العراقية)، و(الدراويش والمرايا)، و(سيمياء النص العراقي ومقاربات اخرى)، و(تخطيط النص الشعري)، إضافة إلى كتاب (من اغاني اصدقاء علي) وهي مجموعة شعرية للاطفال.
ومن اجل تسليط الضوء على منجزه الابداعي، اجرت (الشبكة) معه هذا الحوار..
لا خوف على الشعرية العراقية
*كيف ترى الشعرية العراقية اليوم؟ وهل اثَّر ما يُنشر في مواقع التواصل الاجتماعي على الجودة؟
-لسؤالك شطران، فاما شطر (الشعرية العراقية) فكن مطمئناً من انها ستظل بعافية تامة وباجتهاد خلاق مستمرٍ؛ لانها وريثة دهور من الشعر، منذ تلاواته الاولى في المعابد، ومنذ وثائقه على الرُّقم القديمة، وحتى عصورنا العربية بدءاً بالعصر الجاهلي، مروراً بالعصر الاسلامي فالاموي ثم العباسي والى اليوم.. لذا اجيبك بسؤال: هل يمكن لوريث بهذا الحجم ان يتلعثم لحظةً على منصة الابداع الوجودي؟؟ بالتاكيد الجواب قطعاً لا.
اما الشطر الثاني من السؤال (ما ينشر في مواقع التواصل الاجتماعي) فهو يمثل كتابة انيَّةً، اي انه مشمول بالتفاعل الاني، والاني كما تعرف يا صديقي له معايير معقدة، تتعلق باللحظة والاستعداد والمزاج والظرف، فمن ينشر، ينشر بلا تفكير معمق بالمتلقي المثالي/ النموذجي الدائم؛ لان المستهدف من النشر التواصلي الاجتماعي هو الكم وليس النوع.
زمن الإبداع
* يتحدث عدد من المختصين في شان هيمنة السرد على الشعر، حتى قيل ان هذا الزمن زمن الرواية لا الشعر، فماذا تقول؟
-هذا الزمن، وكل زمن، هو زمن الابداع اينما وجد؛ في الشعر في المسرح وفي الرواية وفي الازياء وفي مشية امراة في الرقص.. الخ؛ ولكن _ كوني مختصاً _ اجيب هؤلاء (المختصين) بان الزمن الابداعي دائماً هو زمن الشعر في الاشياء، اقصد انه زمن كل جمال بقدر ما يحمل من شعر.. زمن الرواية بقدر شعريتها، وزمن السينما بقدر شعريتها.. الخ؛ اما زمن السيادات الاجناسية فقد حُسمت اجابة ذلك منذ ان قيل _ وقبل قرن تقريباً _ إن الزمن اليوم هو زمن المسرح، وها نحن نرى الان ان الزمن يقال عنه إنه زمن الرواية؛ ومستقبلاً سيقال عنه إنه زمن النص التفاعلي وهكذا؛ لكنني اوكد لك ان كل زمن هو زمن كل جنس ابداعي بما يحمل من ملامح الشعر وشاعريته.
* تكتب النقد، وقد حصل كتابك (المونتاج الشعري) على جائزة الابداع لعام 2011 فما رايك بمن يقول بشحة النقد اليوم؟
-سيظل النقد فعلاً ابداعياً موازياً للفعل الادبي (شعراً وسرداً)؛ بمعنى انه يسايره، لكنه ليس نصاً مستقلاً، وبالاخص في دول العالم الثالث، وتحديداً دول امتنا، لان هذا الفعل _ النقد _ فعل عقلي يستعين بالحلم، لذا فانه ينمو في المجتمعات الصناعية التي تسهم في صناعة العالم وتوثيق مسمياته ومقاساته ومعاييره وموضاته.. اما المجتمعات الحلمية فستظل تنتج شعراً او اجناساً اخرى (مسرحاً، رواية، سيرة، قصة الخ) تحمل من الشعر الكثير؛ لذا هو في مجتمعاتنا فعل ادبي شبه انفعالي، بمعنى انه يصدر عن اشخاص وليس عن مدارس، لان المدارس تحتاج الى مؤسسات وهذا ما نفتقر إليه بسبب بيئتنا الثقافية، لذا فهو شحيح على الدوام، فالمجتمع مثقل بالشعر/ الحلم، ومفتقر للعلم/ العقل.
مستقبل الكتابة
* هل اثَّر عملك الاكاديمي على منجزك الابداعي، اعني من جهة انشغالك المستمر بالاول وندرة الوقت للثاني؟
-على العكس يا صديقي، فانا اكتب الشعر وادرِّسُهُ واناقشه في الرسائل والاطاريح؛ وكذلك الامر مع النقد اكتبه وادرِّسه واناقشه، ما يجعل من الوقتين وقتاً واحداً؛ فضلاً عن ان عملي الاكاديمي يجعلني في تفاعل دائم مع النص الادبي على مستوى الانتاج والتلقي؛ وحقيقة الامر هذا الحال جعلني افكر جدياً بالتوقُّف _ مؤقتاً _ عن الكتابة، لمدة سنة مثلاً، بغية مراجعة نوعية الكتابة ونوعية المتلقي المستهدف منها، والمتلقي المتوفر لها في هذا الزمن الممتلئ بالتراجع والاميّة والخيبات والانقطاع.
ان ما اريد ان اقوله هو انني ادرِّس _ كما ينبغي ان يكون _ طلبة نوعيين ونموذجيين في تلقي النص، فانا ادرِّس الدكتوراه والماجستير، فضلاً عن المرحلة المنتهية، الرابعة، ولا اجد عندهم التلقي الذي نطمح له؛ وهنا يكون سؤال الازمة: اين مستقبل الكتابة وكيف تتواصل وكيف تحافظ على ابداعها، وكل ذلك يستدعي ويفرض انتباهاً للمنشغل بجد في الكتابة؛ لذا قلت لك افكر في التوقف الموقت، لكن هذا التفكير الموقت هو نتاج التعايش العملي والعلمي مع النص ومع الافراد المعنيين به من طلبة واساتذة.
* اي هذه الفنون اقرب لروح (الدوخي): الشعر، النقد، ام العمل الاكاديمي؟
-عندي كلهم شعر، لذا كلهم ياتون بالمرتبة الاولى، ويبقى الامر منوطاً بالكيفية التي ياتي بها كل شعر بالشعرية الفاعلة التي تتوافر له في وقت مجيئه.
* هل انصفك التناول النقدي العراقي تحديداً؟
-الى حد ما نعم، فقد تناول شعري كبار اساتذة الدرس الاكاديمي العراقي امثال البروفيسور عمر الطالب، والبروفيسور عبد الرضا علي، والبروفيسور ذنون الاطرقجي، والبروفيسور فليح الركابي، والدكتور احمد الفرطوسي، والدكتور شاكر الهاشمي والدكتور كريم الهاشمي، ومحمود جمعة، ونبيل العياش، فضلاً عن كثير من الرسائل في جامعات تكريت والديوانية وواسط والموصل وسامراء.
*ما جديدك؟
-كتابان ادبيان، الاول في النقد وهو (اعراف البناء الشعري) وقد صدر في دولة الكويت، وهو عبارة عن مشغل نقدي مشترك مع طلبتي في الدكتوراه/ ادب في جامعة تكريت كلية الاداب قسم اللغة العربية وفيه ركزنا الجهد حول عيّنة من تجربة الشاعرة العربية (سعاد الصباح).
اما الكتاب الثاني فهو مجموعتي الشعرية الجديدة (لغة الخاتم) التي صدرت ضمن منشورات الاتحاد العام للادباء والكتاب في العراق.

*هل يمكننا ان نترك قصيدة في نهاية حوارنا ننعش بها القاري؟
-بالتاكيد، وهي:
قَصِيْدتُها..
الى / ….
وردةٌ، وحَمامْ
سوفَ ينطلقُ الان من جسدي،
نحوَها،
سفراءُ الكلامْ:_
اوقفوا الوقتَ .. لـــــــي
جهِّزوا الدَّربَ .. لـــــي
احْضِروا المَاءَ .. لـي
هيِّــئوا الرِّيـــــــــــــــــــــــــحْ
انَّها امراةٌ قادمةٌ
من زَوايا الضَّريحْ
هكذا اكْتملتْ دورةُ الخيلِ يا سادتي؛
انَّني جاهزٌ .. جاهزون؟!
لنرفعَ بيتاً لها،
وَنُقَـرْمِدَهُ
ونسيِّجَهُ
وننوِّطَهُ بالعصافير..
نَفْتحُ شُبَّاكَهُ للهــــــــواءِ
ونغرسُ في سقفِهِ
نجمةً وقمرْ ..
هكذا اكْـتملَ الان بيتٌ لسلمى،
وعاشِقُها زارَها واعْتذرْ
***
انَّني جاهزٌ .. جاهزون؟!
لكي نفتحَ الرِّيحْ
انَّني جاهزٌ .. جاهزون؟!
لنزرعَ في ثوبِ سلمى المصابيحْ
ولنملا مَنْزلَها بالاراجيحْ
لنكتبَ عن شالِها شِعْرَنا والمديحْ:_
يَطلعُ
القمحُ
في بيتِها
يُصنعُ
الملحُ
في بيتِها
انَّها جارتي
والطريقُ اليها،
كدربِ الرُّعاةِ،
مُعلَّمَةٌ بالغناءِ وبالنَّاي ..
يَحُجُّ الى وجهِها العاشقونْ،
اهلُها يجهلونْ
يجهلون:_
الضَّغينةَ
والكره َ
والحقدَ
لا يعرفون سوى:_
الحبِّ
والخيرِ
لا تَسْتدلُّ بغيرِ يديها
الرِّياحْ
انَّها وردةٌ
من صباحْ
اميرةُ الفاظِها
والقصيدةُ تُشْبِهُها
والكلماتُ اصابعُها
انَّها نخلتي
كنتُ اعرفُها:_
العيدُ في يدها والهدايا
وَهْيَ بوصلتي باتِّجاهِ الكلامِ ..
وحينَ اتَّجهتُ اليها
اكْتشفتُ المرايا ..
***
تتذكَّرُني
ربَّما
عندما
تغسلُ:_
بعضَ ملابسِها
او ثيابَ الصَّغيرةِ
قد تتذكَّرُني الانَ عندَ سِوايْ
تتذكَّرُني الان في كوبِ شايْ
كنتُ كتبتُ عليهِ اسْمَها،
والعلامةُ ارزةُ لبنانْ
تتذكَّرُني الان:_
فوقَ الاريكةِ _ لونُ الاريكةِ كالبرتقالةِ _
عندَ المرايا _ المرايا عموديَّةٌ _
تتذكَّرُني .. !!
اتذكَّرُهـــا جيِّداً
في القَميصْ
ليسَ لـِـيْ غيرُهُ
مِنْ بَصيصْ.