الصين تحتضن نصباً للفنان العراقي علي جبار “طريق له قلب” يقف شامخاً في نهر سونغ هوا

زياد العاني/

ينتمي الفنان التشكيلي العراقي علي جبار إلى جيل الثمانينيات، حين بدأ مشواره الفني بالتجريب، واستطاع فعلاً أن يتميّز عن أقرانه التشكيليين بأسلوب فني مختلف، بحيث أصبح بمثابة هوية بصرية خاصة به. تجربته الفنية أثارت اهتمام العديد من النقاد والمتابعين للحركة التشكيلية في العراق وخارجه، وكان آخر المهتمين بهذه التجربة الفريدة من نوعها رئيس رابطة النحت العالمية التي مقرها الصين..
الفنان علي جبار خصّنا بحديث من لندن عبر شبكة الإنترنيت عن قصته مع رابطة النحت الدولية التي اختارته كواحد من الفنانين العالميين الذين اختيرت أعمالهم لتنفّذ كنصُب فنية كبيرة في الصين. قال جبار: “توجهت رابطة النحت الدولية لدعوة نحو 20 فناناً عالمياً، وأنا واحد منهم، إذ اتصل بي رئيس رابطة النحت الدولية في الصين في الشهر الرابع من هذا العام وأثنى على منجزي الفني، وطلب مني إرسال صور لبعض المشاريع الجديدة على أن تكون من مادة الحديد بكل أنواعها، وبالفعل زودته بصور لثلاثة مشاريع أنوي تنفيذها بمادة الحديد والمعادن المختلفة.
ثلاثة شخوص
وبعد ثلاثة أسابيع أعلمت بأن الهيئة العليا قد اختارت أحد مشاريعي الذي حمل عنوان (طريق له قلب)، المستوحى من سائرين للقاء أحبتهم بلهفة عارمة ونقية، بخفقان قلوب عالٍ على طول الطريق.. المشروع يمثل مجموعة من الشخوص يسيرون باتجاه واحد. لكني طلبت أن ننفذ ثلاثة منها فقط وليس جميعها، وفعلاً جرى الاتفاق وأرسلت جميع الصور المتعلقة بالمشروع، ثم قمنا بتصميم نموذج ثلاثي الأبعاد لإرساله إلى أحد أهم وأكبر معامل الإنتاج الفني في الصين والعالم، والتحقت أنا بالمعمل، حيث جرى تكبير كل أجزاء التمثال إلى 60 مرة في ذلك المعمل.”
وعن الخامات والتقنيات التي تخص المشروع قال: “جرى إنجاز المشروع بمادة الحديد المقاوم للصدأ (stainless steel) بسمك 3 مليميتر وبصفائح كبيرة تتكون من طبقتين، وأن يكون مجوفاً من الداخل، واسعاً من الأسفل، لكنه يضيق في الأعلى من أجل رصانة العمل، ثم بعد الانتهاء من تجميع ولحام الأجزاء يجري طلاؤها بمادة محايدة للتهيئة لطلاء المعدن بطلاء السيارات، لكونه مقاوماً للظروف البيئية، كما اختير اللون الأبيض للعمل بشكل عام.”
طلاء أبيض
أضاف: “بالفعل أنجز العمل وجرى نقل القطع الكبيرة في شاحنات عملاقة، وعلى مسافة 1000 كيلو متر من المعمل إلى مكان التثبيت، وحين وصلت القطع إلى حافة النهر في مدينة (هولان Hulan) جرى لحام الأجزاء الكبيرة بعضها مع بعض، ثم بدأت عملية الطلاء باللون الأبيض. الشكلان الكبيران يصل ارتفاعهما إلى 6 أمتار وبعرض 4 أمتار وعمق مترين. الأشكال الثلاثة التي كونت المنحوتة وضعت على قاعدة مستطيلة بعرض 12 متراً صممها مهندس سفن معروف على شكل قارب لا ينقلب بسبب الريح العالية ويتحمل كل الظروف الجوية القاسية، ويكون تثبيت القارب القاعدة بواسطة (أنگر) سفن كبير عند قاع النهر.” وعن الظروف الجوية التي رافقت إنجاز العمل قال جبار: “أثناء عملية طلاء المنحوتة اجتاحت المكان عاصفة مطرية هوائية هائلة مصحوبة بالبَرَد (الحالوب)، دمرت معظم محتويات مكان العمل، بضمنها الخيم الكبيرة و(الكرڤان) الذي كنا نحتمي فيه، ولكن -لحسن الحظ- لم تتأثر المنحوتات التي هزتها الرياح العاتية لمدة ساعتين من الزمن، إذ بقيت صامدة، وقد جفت وبزغت شامخة من جديد ما إن ابتعدت العاصفة وأشرقت شمس ما قبل المغيب، وها هي قد مرت باختبار كامل من قبل الطبيعة.”
نحت عائم
وبعد اكتمال العمل جرى رفعه من الأرض برافعة حمولة عملاقة (50 طناً) ووضعه في النهر برزانة بالغة اعتمدت على خبرة سائق الرافعة الخبير جداً.
يذكر أن هناك 16 منحوتة أخرى يجري تنفيذها في نفس المعمل، وأربعة أخرى قرب الموقع التي جرى تثبيت الأعمال فيه وهو نهر (سونغ هوا song hua).
كما أكد الفنان جبار أن هذا هو أول مشروع في العالم لعمل (بارك) للنحت العائم في النهر، وللعلم فإن حدائق النحت الأخرى في دول مختلفة تكون على الأرض، إلا أن هذه المنحوتات ستكون عائمة فوق سطح النهر بكل تقلباته خلال الفصول، على الرغم من أن هذا النهر يجري بهدوء وبنفس المناسيب طيلة ايام السنة.
يذكر أن الفنان علي جبار هو عضو في رابطة ملتقيات النحت العالمية التي يطلق عليها اسم (إسا ISSA)، وكذلك هو ممثلهم في المملكة المتحدة والدنمارك، ومستقبلاً في العراق. وقد اختير قبل أيام كأحد أعضاء الهيئة الإدارية لتلك الرابطة المهمة.
طاقة عراقية
الفنان علي جبار من مواليد محافظة ميسان، لكنه انتقل في طفولته إلى العاصمة بغداد حيث أكمل المراحل الدراسية فيها والتحق بمعهد الفنون الجميلة، وبعد تخرجه قبل في أكاديمية الفنون الجميلة، بعد التخرج في عام 1991 ترك العراق وأقام في عمان، وفي 1992 انتقل إلى الدنمارك ليلتحق بمدرسة (كوبنهاكن) للتصميم التخطيطي، حيث أنجز فيها الكثير من الأعمال النحتية والعديد من المعارض التشكيلية. حصل على الجائزة الأولى لمهرجان الواسطي في العراق عام 1985، كما فاز بالعديد من الجوائز العالمية، ففي دبي حصد الجائزة الأولي للنحت عام 2005 في ملتقى الإعمار الدولي، وكذلك في ملتقي طهران الدولي 2007، وحصل على جوائز تقديرية في تركيا والصين وهولندا وإيطاليا وسورية، تنتصب أعماله النحتية في العديد من دول العالم.