حين يكون الجمهور شريكاً في العرض المسرحي!

مناضل داود/

يسمي المخرج البولوني جيرزي كروتوفسكي الجمهور المسرحي بالممثل الثاني بسبب الصدمة التي يقدمها الممثل على المسرح والذي يعيش ظروف الشخصية، لأن كروتوفسكي يقترح دائماً مغادرة العلبة الايطالية ويوزع الجمهور في أماكن يختارها هو حسب ظروف العرض المقترحة وبذلك يجعل من الممثل قريباً جداً من الجمهور الذي يراه ويسمع حتى أنفاسه وهذا القرب حسب تعبير كروتوفسكي يجعل من الجمهور ممثلاً ثانياً يتفاعل مع الحدث والفعل الذي يولد أمام العين مباشرة وهذا الاقترح يقوم بصناعة علاقة حميمية بين المشاهد والممثل حيث يسمي ممثله بالممثل المقدس والمشاهد بالشريك الحميم.

الجمهور

يحدث باعتقادنا حين يكون النص منتجاً فيتبناه الممثل بصدق عال حسب وصايا المعلم الأول ستانسلافسكي لكي يؤمن به المشاهد حتى يصبح المشاهد منتجاً أي حين يخرج المشاهد وقد تبنى العرض حين يبدأ بتفسيره هو شخصياً وهذا التلقي سيختلف من مشاهد إلى آخر كل حسب ثقافته ومزاجه وبنفس الوقت نرى نحن أن الجمهور والذي أصبح شريكاً حميمياً قد اثث المكان وهو يحيط بالممثل الذي قرر مخرجه اختيار مكان خارج العلبة الايطالية وهي خشبة المسرح السائدة هذا وقد شاعت في أوروبا العروض الذي يقود فيها الممثلون جمهورهم إلى أماكن متنوعة كالباحات الكبيرة أو الغرف وحتى القاعات خاصة إذا قدم العرض في أحد القصور الملكية التي شاهدنا عروضها وهي تستقبل جمهورها الوطني أو السياّح الذين لايفهمون لغة الممثل والتي سنأتي للحديث عنها، ما أود قوله في مثل هذه العروض المفتوحة لايحتاج العرض إلى السينوغرافيا التي تصنع من أجله فيستطيع المخرج أن يصمم المكان من خلال جمهوره الذي يحيط بالممثل ويؤثثه بالضوء أيضاً لتكتمل مفردة السينوغرافيا.

اللغة

لابد لك وأنت تشاهد عرضاً مسرحياً أن تفهم اللغة التي يتحدث بها الممثل لكي تستطيع التواصل مع أحداث العرض وهنا أتحدث عن العروض التي تعتمد الحوار المكتوب لمؤلفين معروفين أو غيرهم والسؤال هنا مالذي يشد الجمهور الذي لايفهم اللغة التي يتحدث بها الممثل للوقوف والمشاهدة وهو لايفهم اللغة!؟ مذ كنت طالباً في معهد الفنون الجميلة تعلمت مراقبة الجمهور لأدرس ردود أفعاله وهو يشاهد العرض المسرحي مما أكسبني خبرة ربما لفهم الناس وأنا أقف الآن بين المشاهدين في أحد القصور الملكية في العاصمة لندن والتي تقدم فيها العروض المسرحية وبنصوص كلاسيكية تتحدث فيها عن أخبار الملوك وقصصهم تبادر إلى ذهني هذا السؤال: مالذي يشد المشاهد الذي لايفهم لغة الممثل ويصبر ربما أكثر من ساعة وهو يتابع هذه العروض بل ويلحق بالممثلين الذي يقودونه من باحة القصر إلى صالاته وربما إلى غرفه الضيقة والصغيرة؟؟ فوراً قفز الجواب أمامي وهو المقترح الذي قدمه المخرج البولوني جيرزي كروتوفسكي بتغيير المكان وجعل المشاهد قريباً جداً من الممثل الذي تصطدم أفعاله بعيني المشاهد وهو يقدم أفعاله حارة وطازجة ليتلقفها المشاهد ويحتفي بها إضافة إلى الفضول لمعرفة الآخر، شكله ايقاع لغته لغة المسرح التي تسعى دائماً للوصول إلى عقل وقلب المشاهد حيث تتمتع أغلب هذه العروض بتقديم المتعة بمحاكاة الجمهور ومداعبة عواطفه لتجبر حتى الأطفال على الصمت والاستمتاع .