صبري موسى في السينما.. رجل النصف متر والبوسطجي وفساد الأمكنة

 باسم عبد الحميد حمودي/

يحتفي المشتغلون بعلوم السينما بالمخرجين وكبار الممثلين وبكتّاب السيناريو الذين منحوا للمادة الدرامية الأولية صورتها كشريط سينمائي له رؤياه الواضحة وبناؤه الفني الذي يملك المخرج بصمته الخاصة لإظهاره على الشاشة. ولعل الكاتب الروائي الراحل حديثاً صبري موسى يعد واحداً من أفضل كتاب السيناريو في مصر رغم قلة أعماله السينمية .

ولد صبري موسى في مدينة دمياط في 19شباط –فبراير- 1932 ,وقد استذكرت الأوساط الثقافية والفنية في المدينة عيد ميلاده الخامس والثمانين, رغم انه كان قد رحل عن الدنيا قبيل هذا الموعد بأيام قليلة وذلك في الثامن عشر من كانون الثاني الماضي, بعد صراع طويل مع المرض.

ويعد صبري موسى واحداً من كبار كتّاب الرواية وأدب الرحلات والسرد القصصي القصير بالإضافة إلى عمله في الصحافة, ويعرف صبري موسى برواياته الشهيرة: حادث النصف متر – فساد الأمكنة- السيد في حقل السبانخ ,إضافة لمجموعات من القصص القصيرة وكتب الرحلات.

ثمانية سيناريوهات وفيلم سوري

كتب صبري موسى للسينما سيناريوهات ثمانية أفلام منذ عام 1968 حتى عام 1986 هي: قنديل أم هاشم(68) والشيماء ورغبات ممنوعة (72) وقاهر الظلام ورحلة داخل أمرأة (78) وأين تخبئون الشمس(80) وحادث النصف متر(83) والبوسطجي(86).
وفي عام 1980 أخرج المخرج السوري سمير ذكري روايته (حادث النصف متر) من إنتاج مؤسسة السينما في دمشق لإعجابه بالنص الروائي الذي قام ببطولته محمد ملص وعبد اللطيف عبد الحميد.

سر قنديل أم هاشم

كان أول فيلم كتب السيناريو له هو (قنديل أم هاشم) عام 1986 عن رواية يحيى حقي الصادرة عام 1950 وقد أخرجه كمال عطية.

وقام بالتمثيل شكري سرحان (الدكتوراسماعيل) وسميرة أحمد (فاطمة ) وماجدة الخطيب وصلاح منصور وأمينة رزق وعبد الوارث عسر.
والسيدة أم هاشم هي السيدة زينب التي يضيء قنديلها ليلاً ونهاراً ويأخذالناس من زيت القنديل ما يشفيهم – في اعتقادهم – من أمراضهم .

سر الصراع داخل الفيلم والرواية هو ذلك الزيت, فقد أصيبت فاطمة بمرض دائم في عينيها, وكان ابن عمها أسماعيل (شكري سرحان) قد عاد من ألمانيا بعد تخصصه بطب العيون وفتح عيادته في حي السيدة زينب ليعالج مرضى الحي وسواهم, واكتشف اسماعيل أن سر مرض عيني فاطمة وسواها من بنات وأبناء الحي هو استخدامهم زيت القنديل لمداواة العيون, فمنع اسماعيل (بعد صراع مع الأهل) فاطمة وغيرها من استخدام الزيت لأنه غير مقدس, فالقداسة للسيدة زينب لا للزيت, وتزوج فاطمة ليداويها ويشفيها بالطب الحديث…وبالحب.

الشيماء أخت الرسول

ويعد فيلم (الشيماء) أخت النبي (ص) الذي انتج عام 1972 أبرز الأفلام الدينية التي تعرض دوماً في مناسبة الهجرة النبوية والمناسبات الدينية الأخرى.

أخرج الفيلم المخرج الراحل حسام الدين مصطفى, عن مسرحية تاريخية كتبها الشاعر علي أحمد باكثير(وهو شاعر من حضرموت ولد في جزيرة سوروبايا في اندونيسيا عام 1910 ثم عاد إلى موطنه صحبة أسرته ورحل إلى القاهرة لتلقي العلم في الأزهر ثم اتصل بالأوساط الثقافية في مصر حتى توفي عام1969)

أعد المادة التاريخية للفيلم عادل عبد الرحمن ,واشترك عبد السلام موسى مع صبري موسى في كتابة السيناريو, حيث تولى صبري رسم حركة المعارك بلقطات بان واللقطات الاكشن القليلة إضافة للمشاركة في العمل مع زميله.

قام بالبطولة : أحمد مظهر (بدور بجاد زوج الشيماء بنت حليمة السعدية مرضعة النبي عليه الصلاة والسلام) وأمينة رزق بدور حليمة، وسميرة أحمد بدور الشيماء اخت النبي بالرضاعة, وغسان مطربدورشقيق الشيماء، وكنعان وصفي بدور عكرمة وآخرون.

تقوم القصة على كراهية المشركين –ومنهم بجاد – للدعوة المحمدية ومقاومتهم لها حتى يتم فتح مكة ويؤسر بجاد وسواه ممن قاوموا الرسالة ويوشك أن يقتل بيد المسلمين حتى تتشفع له الشيماء لدى النبي (ص) فيعفو عنه وعن أمثاله شرط إسلامهم, ويتم الأمر بإيمان هؤلاء وعودة بجاد إلى قبيلته.

استخدم المخرج حسام الدين مصطفى صوت المطربة سعاد محمد لأداء الاغاني الدينية الجميلة التي لحنها بليغ حمدي، ومنها أنشودة (ياقرة العين), وكانت سميرة أحمد (الشيماء) تستخدم صوت سعاد محمدالشجي بطريقة الدوبلاج المألوفة لإعطاء المشهد بعداً جمالياً أخاذاً, وقدنجح كادر العمل في صناعة فلم ناجح حتى يومنا هذا.

رغبات ممنوعة

أنتج هذا الفيلم عام 1972 كذلك, عن قصة حنيفة فهمي,وهو من إخراج أشرف فهمي, فيما كتب صبري موسى السيناريو والحوار, قام بالتمثيل كل من: شادية وميرفت أمين ومحمود المليجي وتوفيق الدقن وحسين فهمي وكريمة مختار.

تقوم حكاية الشريط على سيطرة الجبلاوي (المليجي) على أسرته ومنع فتياتها من استخدام حقهن الطبيعي بالحب والزواج, وهكذا يقوم بإصدار الأمر بقتل من حاولت شقيقته الاقتران به في منطقة الملاحات أمام عينيها فتصاب بأزمة عقلية, ما اضطر الجبلاوي إلى منعها من الخروج من الدار ومنع ابنته من دخول المدرسة, فيما يقوم هو باستغلال زوجة المجرم الذي قتل حبيب شقيقته جنسياً.

في ذات الوقت يسمح لولده أحمد (محمود ياسين ) أن يتعلم وأن يختار فتاة تزور منزله لتكتشف الحقيقة, اضافة لتفاصيل كثيرة حاول السناريست والمخرج فيها رسم صورة الصراع الدائم ,

الأزلي بين الحق والباطل, وبين الحرية والاستهانة بنواميسها.

قاهر الظلام

كتب قصة هذا الفيلم عن حياة العميد طه حسين الكاتب كمال الملاخ, وأخرجه عاطف سالم عام 1978 , واشترك في كتابة السيناريو والحوارصبري موسى ورفيق الصبان وسمير عبد العظيم. وذلك لاتساع الفترة الزمنية التي تناولها الفيلم في حياة طه حسين من الطفولة حتى استقام عميداً للادب واستاذ جامعة ووزيراً للمعارف, حيث طبق مجانية التعليم التي نادى بها.

مثل دور العميد الفنان محمود ياسين, وشاركته الفرنسية بولند

فوليو بدور زوجته سوزان اضافة لحمدي أحمد ويحيى الفخراني وزوزو حمدي الحكيم وسواهم .

رحلة داخل امرأة

استمر عام 1978 التعاون بين رفيق الصبان (كاتب قصة الفيلم ) وصبري موسى كاتباً للسيناريو الذي أخرجه أشرف فهمي.

شارك في بطولة الفيلم الذي يصور العلاقات الزوجية المنهارة كل من: نور الشريف ونبيلة عبيد ونادية لطفي وشكري سرحان, وفي الفيلم يتحول المناضل القديم (كمال –نور الشريف ) إلى انتهازي يبحث عن الثروة والجاه تاركاً زوجته آمال (نادية لطفي ) لتواجه المجتمع وحيدة وترتبط بعلاقة حب مع صديق زوجها (كمال –شكري سرحان) تنتهي إلى مصارحة الزوج بالعلاقة وترك العشيق آمال وحيدة أيضاً, فتتم رحلة الحياة ..على طريقتها الخاصة وقد أتقنت اللعبة.

أين تخبئون الشمس

أنتج الفيلم عام1980 عن قصة عصام المغربي التي وضع صبري موسى السيناريو لها وأخرجها عبد الله المصباحي وقام بالتمثيل ممثلون من مصر والمغرب وليبيا منهم: نادية لطفي ونور الشريف وعبد الهادي بلخياط وعبد الوهاب الدوكالي وجلال عيسى ومحمود المليجي . وتدور معظم الأحداث في لبنان حيث تتم مجزرة تل الزعتر ويذبح زوج امرأة أمام عينيها فيتحول معظم الشباب إلى مجاميع هيبز متمردين ساخطين, ومن الطبيعي أن يكون هذا وجهة نظر الإنتاج بأسرها.

حادث النصف متر

انتظر صبري موسى طويلا حتى وافق على انتاج روايته الأولى (حادث النصف متر) التي نشرت عام 1969 قبل إنتاجها كشريط سينمائي كتب السيناريو له وانتج الشريط عام1983 بإخراج أشرف فهمي الذي صاحبه إخراجياً في معظم أعماله .

وكانت الرواية قد انتجت في دمشق سينمائياً عام 1980, لكن ذلك لم يمنع المنتج في القاهرة من إعادة انتاجها بتمثيل: نادية لطفي ومحمود ياسين وسعيد صالح ونيللي وعادل أدهم.

وتقوم الفكرة التي صاغها المؤلف –السينارست على البحث عن الحرية الشخصية والعمل من أجلها واحترام الإنسان لتجربة الإنسان الآخر, إذ يحدث في باص النقل العام أن تقع وفاء (نادية لطفي ) في أحضان أحمد(محمود ياسين) ويعتذران من بعضهما لكنهما يبنيان علاقة حب فيخطب احمد وفاء وتوافق لكنها تعترف له انها ليست عذراء بسبب تجربة مؤلمة مرت بها سابقاً, عندئذ ينسحب محمود رافضاً الزواج من فتاة أوقعتها الظروف في مطب علاقة سريعة رغم انه قام معها بنفس التجربة, هنا يقدم الصديق المشترك الدكتورمصطفى (سعيد صالح) الحل المنقذ إذ يتزوج وفاء وهو مدرك لما يفعل ليغدو الضمير النقي داخل مجتمع العواطف الكاذبة.

البوسطجي

أنتج هذا الفيلم عام1986عن قصة ليحيى حقي وأخرجه حسين كمال وكتب صبري موسى آخر سيناريو فيلمي له.

قام بالتمثيل: شكري سرحان (البوسطجي عباس) وسهير المرشدي (الغازية) وزيزي مصطفى (جميلة) وخطيبها خليل (سيف عبد الرحمن).
عباس يعمل في قرية كوم النمل ويصاحب غازية إلى داره فتقوم ضجة ضده يقودها والد جميلة (صلاح منصور) وتنجو الغازية فيما يقرر عباس الانتقام من القرية بكشف أسرارها عبر فتح الرسائل الواردة التي تكشف واحدة منها ان جميلة حامل من خطيبها فيما يتأخر الخطيب عن الزواج لرفض الأب (الذي يمارس هو الحرام), وعندما تصارح الفتاة أباها بحملها يقوم بمطاردتها وقتلها غسلاً للعار الذي يمارسه هو فيما تسعى الفتاة إلى الستر والحلال.

إن صبري موسى في معظم أعماله يسعى للكشف عن المستور الاجتماعي وتعريته لتتم معالجته بدل التواطئ من أجل إبقائه مستورا بستار الدجل والخيبات.

أخيراً

لقد رحل صبري موسى دون أن يستكمل مشروعه الأساس في انتاج فيلم عن روايته المهمة (فساد الأمكنة) رغم انها قدمت إذاعياً من عدة محطات, وستظل أعمال هذا المبدع الراحل شاخصة تشير إلى عمق إخلاصه لتجاربه في الأدب والسينما.