فوزي الهنداوي: عندما تكون الرواية وصفة للخلاص من التعاسة

رجاء الشجيري/

بعد فوزه بجائزة بغداد للصحافة عام 2013 طلّق الإعلامي الأكاديمي الدكتور فوزي الهنداوي صاحبة الجلالة وخرج من بلاطها ليتعبد في محراب الرواية – عشقه الأول – كما يصفها. خلال مدة ثلاث سنوات أنجز الهنداوي ثلاثة أعمال إبداعية رسمت ملامح تجربة سردية متميزة في المشهد الأدبي العراقي.

ترجمت روايتة الأولى “على أمل أن نعيش” الى اللغة الانجليزية وصدورها عن إحدى كبريات دور النشر الغربية بعد أشهر من صدور نسختها العربية، وهو مالم يتحقق لكاتب محلي من قبله.

بعد نجاح تجربته السردية الأولى كتب الهنداوي روايتين أكثر متعة وجمالية هما “رغبات منفلتة” و”دفاتر مفككة الأوراق” حظيتا بمتابعات ودراسات نقدية واسعة من ضمنها كتاب “متعة السرد” الذي ألّفته الناقدة الأدبية الدكتورة كرنفال أيوب أستاذة النقد والسرد في جامعة بغداد.

ولم يكن مفاجئاً التحول التعبيري للدكتور فوزي من الصحافة إلى الأدب فقد كان أسلوبه السردي واضحاً في كتاباته الصحفية، خاصة الأعمدة الاجتماعية التي كان يكتبها في الصحافة.

الحكواتي

-يصف نفسه ببساطة أنه حكواتي (بالمصري) أو (مسولفجي) بالعراقي أي سارد بالتعبير الأدبي.
منذ طفولته عشق الحكايات والمرويات والقصص، أصغى إليها وأعاد إنتاجها من جديد بحسب مخيلته، إنه الخيال الخصب شرط موهبة السرد.

تأخر..وانطلاق

وعند سؤالنا له عن تأخره كل هذا الوقت عن كتابة الرواية كان جوابه أن ذلك كان احتراماً للرواية وإحساساً بالمسؤولية، وأن الأدب أكثر خطورة من الصحافة لأنه يظل خالداً إذا كان صادقاً يعبر عن ضمير الكاتب.
أما ثيمات رواياته الثلاث فكانت عديدة أبرزها الانتصار للإنسان رجلاً كان أم امرأة، ويذكر: أكتب عن قيم الخير والحب والجمال والحرية وأحارب التخلف والشر والقبح والعبودية.

واقع وإبداع

-وعن الواقع والخيال وتشكيله لهما يقول: لايوجد خيال مطلق، كل خيال يتكئ على واقع، أمتلك القدرة على إعادة إنتاج الواقع وتقديمه إلى المتلقي فيشعر كأنه خيال، هذه مسؤولية الكاتب المبدع. وأستلهم شخصياتي من الحياة، من الواقع القريب، من الناس، من عيون نساء جميلات وذكيات يكتشفهن المبدع بفطنته وذكائه.

اتهام

يرى بعضهم أنه مغدق أكثر بسرد الأنثى بشكل ملفت من خلال رواياته ليؤكد بدوره على ذلك حين يستطرد: كانت للمرأة مساحة واسعة في رواياتي، الأنثى هي الأصل، هي مصدر الحياة والنماء والخير، وقد أشاد النقاد بقدرتي على التعبير بلغة الأنثى خاصة في روايتي الثالثة “دفاتر مفككة الأوراق” التي لا أبالغ إن قلت إنني كتبتها من أجل عيني امرأة جميلة ورائعة.

دفاتر مفككة الأوراق

هي أكثر رواية أشارت لها الدراسات النقدية دون سواها على صعيد النضج السردي والبنية والطرح.. حدثنا عنها الهنداوي قائلاً: هذا أكيد، الكاتب ينضج بتكرار تجاربه، هذه الرواية تدخل في ما يطلق عليه الميتا – سرد استعملت فيها تقنيات سردية ناضجة، وهي ذات أصوات متعددة – فيها لعبة ذكية: كاتب يطّلع على مذكرات شخصية لثلاث نساء مثقفات فيعيد كتابتها من جديد بحسب رؤيته لتفاجأ النساء الثلاث بأسرارهن وحياتهن الداخلية وقد عبّر عنها الكاتب أفضل مما كتبهن.

متعة السرد

-وعن رأيه بالقراءات التي اشتغلتها الدكتورة كرنفال أيوب حول تجربته السردية في كتابها “متعة السرد .. اشتغالات في المشغل السردي للدكتور فوزي الهنداوي”، يقول: هو عمل رائع أعتز وأفتخر به، ما كان ليصدر لولا النجاح الواسع لروايتي الأولى وصدورها في الغرب ودخولها مسابقة الأدب الأجنبي وموقع أمازون العالمي لتسويق الكتب، أتمنى أن يلتفت النقاد إلى كل المبدعين وينصفونهم بعيداً عن العقد الشخصية والمواقف المسبقة والأحكام الجاهزة. أنتظر بشوق صدور روايتي الجديدة باللغة الانجليزية قريباً عن إحدى دور النشر الكندية، تجربة روائية متفردة في الأدب العراقي عن الإبادة التي تعرض لها غجر العراق وطمس ثقافتهم ومحو تاريخهم عبر تجربة صداقة إنسانية بين امرأة غجرية وجارها العربي.

الكاتب المحترف

وعند سؤاله من هو الكاتب المحترف؟ وهل بلغت في مسيرتك الاحتراف؟ يجيب “لا طبعاً، أنا هاوي كتابة، الكتابة لدي متعة ووصفة جيدة للخلاص من التعاسة، كما يقول يوسا: أكتب لأني تعيس. والكاتب الجيد هو المتمكن من أدواته في رصد الفكرة وتطويعها والإلمام بكيفية إدارتها.