في عيادة مهاوي… رموز كامنة وراء النص

مسلم عبد الامير /

قد تبدو الرواية الصادرة عن “منظمة نخيل عراقي الثقافية” تحت عنوان (عيادة الحاج مهاوي) غريبة على كتابات حسن العاني الأدبية والصحفية، ليس فقط لانشغالها بالجنس، وإنما كذلك بسبب الافراط فيه الى حد التمادي في طرح الصور الحسية المباشرة التي توحي للوهلة الأولى وكأننا (نقرأ) فلماً إباحياً.. ولكن مثل هذه الاحكام لا تخلو من عجالة، وتبتعد عن الأهداف والرموز الكامنة وراء النص.
إن مجموعة العاني القصصية الثالثة (ليلة رأس السنة) الصادرة عن الشؤون الثقافية عام 1994، طرحت عبر إحدى قصصها الموسومة (المرأة والنرجس)، ملامح عريضة و( مكشوفة) للجنس رمزاً ولغة، وربما التفت النقاد في هذه القصة الى موضوعة (الأنسنة) إذ تتحول الاوراد والزهور الى كائنات مماثلة للإنسان شعوراً وتخاطباً وسلوكاً، على حساب المشاهد الجنسية، غير أن قصته المعنونة (ليلة الاحتفاء بالحرية) المنشورة عام 2015 ضمن مجموعته القصصية السادسة التي تحمل العنوان نفسه، كانت مثقلة بالعلاقات الجنسية، بل تكاد تكون قائمة عليها، ولكن الاحتفاء بالحرية في وجهها الآخر أبعد ما تكون عن هذه العلاقات، لأنها قصة سياسية رمزية بالغة الدلالة، فهي (مقارنة) بين المحاولات الفاشلة لإسقاط النظام السابق او إسقاط رمزه القيادي، وبين المحاولات الفاشلة لبطل القصة في الوصول الى ذروة العلاقة الجنسية، ففي كل مرة هناك حدث طارئ يؤدي الى فشله، ويوم نجح البطل – لأول مرة – في بلوغ الذروة (القذف) بكامل عنفها وحرمانها ورغباتها، تعرض الى ما يشبه الجنون، وتعرضت المرأة التي تشاركه الفراش عن حب الى حالة تقرب من الموت.. ويوم تم إسقاط النظام عمت الفوضى والحواسم. وهكذا كان التوافق بين حالتي (البطل والنظام)، كلتاهما متشابهتان الى حد التجربة المستنسخة عند (الفشل وعند النجاح)، وبذلك لم يخرج الجنس عن كونه وسيلة عبور الى المحطة الأهم او الى الهدف المطلوب .
الوصول الى الهدف
على هذا النحو جرت أحداث الرواية، فقد كشف المؤلف أسرار الفراش او أسرار البطل كشفاً فاضحاً عبر سلسلة من العلاقات الجسدية، تبدو وكأنها لا تريد التوقف، وكأنها تقدم لنا السيرة الذاتية للبطل، ولكن قليلاً من الصبر وشيئاً من التأني والتروي سيخبرنا: الجنس لم يكن الشغل الشاغل للرواية أبداً، إنه وسيلة الى ما أراد المؤلف الوصول اليه، ولعله كان يود الوصول الى أكثر من هدف، فمن إحدى الزوايا تشير الرواية الى أن (وعي المرأة الثقافي) يمثل حصانتها الأخلاقية ويجنبها الانزلاق في براثن الأخطاء والخطايا، لأن مثل هذا الوعي يعبر بالمقابل عن فهمها للجنس وكيفية مواجهته بأقل الاضرار، ومن هنا قالت لنا الرواية من دون تصريح: كلما ارتقى وعيها ارتفعت حصانتها وتوطدت، والعكس صحيح، وهو ما لمسناه في التجارب التي خاضها البطل مع النساء …

فوارق العمر
ومن زاوية أخرى يشهر المؤلف البطاقة الحمراء في وجه (بعض) الأعراف القروية: وهي أعراف لها قوة القانون، كتعدد الزوجات شبه الاجباري، والفارق المجحف بين الزوجين الذي قد يصل في أغلب الأحيان الى أن يكون عمر (الزوج) ضعف عمر الزوجة او أكثر، وبالتالي يبقى في قرارة روحها وجسدها ظمأ (قد) يدفعها الى الانزلاق بحثاً عن إروائه.. وهنا نسأل: هل نعطي الحق للكاتب وهو يتمادى في رسم تلك المشاهد الجنسية أم ندينه ونقيم الحد عليه ؟! وردّاً على هذا السؤال نسأل مرة أخرى: كيف يمكن للروائي أن يدين او يعترض او يشهر البطاقة الحمراء ضد التعدد (الالزامي) للزوجات.. وضد فوارق العمر العالية التي تحرم الزوجة حرماناً مؤذياً من حقوق الفراش ومن طلبات جسدها الصارخة من دون تقديم (صور وشواهد ومشاهد) تناسب ذلك الاعتراض وترقى الى مستواه.. وبالتالي نجد أنفسنا الى جانب الكاتب عندما لا يجد وسيلة أجدى وأنسب من العلاقات الجنسية لبلوغ ما يرمي اليه من أهداف إنسانية.