مايُخفيه النصّ

صباح محسن كاظم /

ثمّة جهود كبيرة بذلها الناقد ياسين النصير في مقالاته، وبحوثه، ومؤلفاته النقدية عن السرد العراقي، منذ مطلع السبعينات بكتابه المشترك مع الناقد فاضل ثامر “قصص عراقية معاصرة” عن دار الرواد – بغداد 1971.
ومازال هذا العطاء الممتد لخمسة عقود متتالية، شروحات وتنظيرات، ومقاربات، ودراسات نصية وتعالقية، تحليلية، يدرك حمولات النص وشفراته، وأسراره، وطلاسمه، وهو يؤسس لرؤية نقدية تشتغل على المكان، فضلاً عن تنوع القراءات النقدية في ميادين إبداعية أخرى كمؤلفاته بالمسرح والتشكيل.
كنت أحضر أمسيات اتحاد الأدباء والكتّاب منذ العام 1980 خلال دراستي الجامعية وأرى هذا الحضور الباذخ بالأفكار التي يطرحها في كل أمسية مع النقاد د. علي جواد الطاهر، د. حاتم الصكر، فاضل ثامر، علي الفواز وغيرهم، الذين شكلوا خصوصية نقدية عراقية بمتابعة المنجز الثقافي العراقي. وفي كتابه (مايخفيه النص قراءات في القصة والرواية) الصادر عن دار تموز بـ 282 صفحة من القطع الكبير، يحشد الآراء النقدية بقراءات عميقة. يؤكد في مقدمة الكتاب ص(8) “لقد هيمن الفضاء والأمكنة الأخرى على مكاننا المحلي، وصيرته جزئية ترى من خلالها أفعال مايحدثه التأثير الأجنبي فينا، وبدأنا من هذه اللحظة نعيد تركيب وعينا من أننا قادرون على اللحاق بالعالم وهذا مالم يحدث إطلاقاً، مالم نتبنَّ كامل منهجية الحداثة الأوروبية برؤية عربية معاصرة.”
في هذا السِّفر النقدي الذي يحتشد بالرؤى التحليلية للقصة والرواية، وفق قراءات معاصرة جاب مساحات وجغرافيات واسعة، وهو يقدم للمتلقي قراءة مدركة في الرواية وثقافة الصورة – أسئلة الحداثة في القصة القصيرة – الميثولوجيا- نقد الرواية – البارك الكردستاني، وموضوعات جوهرية وبنيوية في قراءاته السردية .. في ص (54) يشير الناقد (النصير): في كتابه: “نرى أن في القصة القصيرة جملتين، الجملة الاستهلالية والجملة النهائية، ولاتوجد جملة ذروة وسطية مستقلة بينهما. ومايسمى بجملة الذروة ليست إلا لحظة صراع جدلي بين قوى هاتين الجملتين، وهاتان الجملتان تتوالدان معاً من أول القصة وحتى نهايتها ….”، ويضيف مفسراً قوله بشروحات توضح المراد من هذه الأطروحات والرؤى النقدية بالقول: :إن الأسباب التي دفعت فن القصة القصيرة لأن يكون حاضراً في كل التقلبات الزمانية والمكانية في العالم، هو أنها فن يشترك في صياغته الشعر والدراما والفلسفة والسرد وتقلبات المجتمع، وتحولات الشخصية الإنسانية …”. ثم يبحر في شروط كتابة القصة بمهارة ويستعرض عدة أسماء لامعة عراقية وعربية اعتمدت الحداثة في منجزها القصصي في مستوى البنية الفنية الحديثة والامتزاج بين الدال والمدلول وخصوصية الحكي بوجود حدث يروى ووجود راوٍ له مع مستمعين للحكاية، وقد خصص أحد أبواب الكتاب إلى المهيمنة الفضائية ودرس فاحصاً عدة نصوص سعودية لأديبات سعوديات، وبعض الأدباء السعوديين ثم يدرس عتبات النص (الاستهلال) 1- الكومبيوتر 2- الآيات القرآنية 3- قصيدة نزار قباني 4- الرسالة والتمهيد في ص (114) يكتب: “من ميزات معمارية النقطة/ الخط أن السرد فيهما يجمع بين مفترقات عديدة، فالنقطة ذرة كونية كاملة البناء، شأنها شأن مكون الصحراء – الرمل – ، أما الخط فهو تمرد وامتداد للنقطة، ونجد أن استهلال الرواية هو لحمتها وميدان حركتها.”
وفي فصل (نقد الرواية) الذي يحتاج دراسة مفصلة على حدة، خصص له النصير من صفحة 157 – 282 قراءة يغور فيها في عوالم السرد الروائي يجوس بها أمكنة وأزمنة السرد الجميل مع فحص لتجارب روائية كانت وما زالت لها بصمتها السردية حتى اليوم .