خضير الزيدي/
«لكل امرئ من اسمه نصيب»، هكذا تقول العرب في سالف الأزمان. مقولة أخذت كضرب الأمثال وكسب المعرفة التي تواجه الإنسان من جراء التصاق الاسم به. ومنذ عصور سالفة واسم الإنسان ينطوي على دوافع الشعور والتأثير والصفات. لكن ماذا عن الأسماء التي نتناولها وهي أقرب لألفاظ الحيوانات والحشرات والطيور؟ هل لنا نصيب منها؟ وماذا عن البعد الاجتماعي لأسماء نلفظها وهي خارجة عن العرف الاجتماعي؟
ألم تسبب أسماء مثل: (جربوع / بعيوي / حرامي) حرجاً لأصحابها؟ وربما تجعل صاحبها منهاراً وقلقاً ومتردداً من سماع اسمه. ثم من قال إن اسم (سعيد / فرحان)، سيكون صفة تلازمه؟ إذا ما أردنا التأكيد على أن للاسم صفة تلازمه.
يقول الباحث الأمريكي (ديل كارنيجي)، المهتم في طرح الدروس المشهورة في تحسين الذات، ومدير معهد كارنيجي للعلاقات الإنسانية، إن «اسم الشخص يمثل أحلى وأهم صوت له.» فهل تنطبق رؤية هذا الباحث على ما درج من اسماء عربية ذات طابع ريفي شهدته مناطق الجنوب والوسط وبعض المناطق الغربية في مرحلة الحكم الملكي وما قبله؟ الم تكن أقرب الى السخرية وأكثر التصاقاً بالشعوذة حينما نفاجأ بسماعها في وقتنا الراهن؟
أسماء ومعانٍ
في الحياة الاجتماعية ويومياتنا وما دونه التراث الشعبي، لنا من حوادث ومسميات، سيكون كل شيء وارداً في طرح الأسماء ومعانيها ورمزيتها، وعلينا أن نتذكر ما غنته لنا فيروز (أسامينا.. شو تعبوا أهالينا تيلاقوها.. وشو افتكروا فينا الأسامي). نعم، ربما تكون الغالبية من العائلات تتفق على طرح اسم معين لأبنائها، وربما نجد اختلافاً، فالاسم يحمل صفات ورمزية، وله بعد روحي يتفق مع الأعداد والأرقام، مثلما يذهب نفر من الروحانيين في نشر هذه الثقافة.
شخصياً، أتصور أن للإنسان قيمة اجتماعية من خلال سلوكه ومظهره وطريقة تعامله في الكلام، لكن هذا كله لا يلغي طاقة وبعد الجانب الاجتماعي للاسم، ومدى تأثيره في وقع الآخر، وقد يكون في طريقة التعامل الثقافي ما يلغي هذا التحسس، لكن في الحياة الريفية والاجتماعية البسيطة، نجد العكس، مثلما تتعامل بعض النفوس الضعيفة مع أسماء دارجة مثل (جليب، أو خماط، أو بعرور، أو دعير). هذه الأسماء جاءت من واقع الريف، لكنها اختلفت اليوم في واقع الحياة الاجتماعية داخل المدينة وعند العوائل الأرستقراطية التي ذهبت لتطرح أسماء لأبنائها تتقارب مع ممثلات أجنبيات أو أسماء غربية، وقد لا نستغرب من أن دهشة الأسر القريبة والجيران والمجتمع كانت قائمة حينما تتداعى على أسماعهم مفردات غربية لأول مرة مثل (هيلين / ديانا / الخ).
أسماء منقولة
علينا ان نعيد قراءة تلك المقولة القديمة ونتساءل: هل نجحت العرب في مقولة إن «لكل امرئ من اسمه نصيب»؟ لنتذكر ما أورده لنا التاريخ وبعض المؤلفين، ومنهم القلقشندي، صاحب كتاب (نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب)، حينما أكد عبر كتابه أعلاه أن غالبية أسماء العرب منقولة عما يدور في خزانة خيالهم مما يخالطونه ويجاورونه، سواء جاءت تلك الأسماء من جراء رؤية الوحوش والكواسر مثل (نمر، وسعد، وثعلب، وضبع) او ما جاء من جراء التعامل مع النبات (كحنظلة، وزعفران) او ما صاحبها لرؤية الحشرات (كحيّة وحنش). لهذا قال الزمخشري في أكثر من موضع إنه »كُلَّما كان الاسم غريباً كان أشهر لصاحبه.»
تلعب الثقافة دوراً بارزاً وفعالاً عند الأسر العريقة في اختيار أسماء أولادهم، إذ يحرص أطباء وشعراء وفنانون على أن تكون أسماء بناتهم لافتة للأنظار، ومحببة، وألا تكون الغرابة قائمة، بل الدهشة من تصور الاسم ومعناه. وشخصياً شدتني مفردة (قداسة)، بحيث أني تمنيت أن يرزقني الله تعالى ببنت لأطلق عليها هذا الاسم، وشاءت السنوات أن تحمل ابنتي (قداسة)، الطالبة في قسم التخدير، مكانتها في الأسرة وفي جوهرها الإنساني ما لا يدركه الآخر الا بعد معرفتها عن كثب.