ترجمة وإعداد: أحمد الهاشم/
تغزو حياتنا الأجهزة الرقمية الجديدة، وأنماط التواصل بالذكاء الصناعي، فقد دخلت إلى الساحة الروبوتات ذات الشكل البشري، مثل روبوتات الدردشة، والروبوتات التعاطفية، ومكبرات الصوت المتصلة بالإنترنت.
عن هذه الاكتشافات. يحذرنا الطبيب النفسي الدكتور (سيرج تيسرون) من المخاطر المحتملة لهذه الآلات الناطقة في كتابه المعنون (سيطرة مستترة للآلات الناطقة). وهو طبيب نفسي وسيكولوجي أسس معهد دراسة علاقات الإنسان والروبوتات منذ عام 2013.
في حوار له مع مجلة (العلوم الإنسانية) الفرنسية يقول: قد يُشكل التواصل مع الأجهزة الناطقة تهديداً لِاستقلالية تفكيرنا. فعلى عكس محركات البحث التي نستشيرها على شاشاتنا، فإن الآلة المتحدثة تقدم إجابة واحدة فقط على أسئلتنا، يُقيّد ذلك حرية استكشافنا للمعلومات واكتشاف وجهات نظر مختلفة، ما يحصرنا في فقاعة معلوماتية محددة بتحيزات وخوارزميات النظام. لكنه أمر مريح جداً إلى درجة أننا قد نعتاد الاعتماد على آلة لاتخاذ خيارات تؤثر على حياتنا، من دون أن ندرك أنها في الواقع خيارات الشخص الذي برمجها. إضافةً إلى أن الاعتماد المفرط على هذه المنظومات، لاتخاذ قرارات مهمة، قد يضعف روحنا النقدية ويقودنا إلى الاعتماد الأعمى على اقتراحات الآلة من دون تقييمها، إذ يعتمد التواصل الإنساني الفعال على تعبيرات الوجه ولغة الجسد ونبرة الصوت، وهي عناصر غائبة في التفاعلات الصوتية مع الآلات، كما يبعدنا التواصل عن طريق الصوت عن التواصل الحقيقي ويقلل من تعاطفنا مع الآخرين.
إن روبوتات المحادثة توافقنا دائماً على آرائنا، ويمكن أن يؤدي ذلك إلى فقداننا القدرة على تحمل التباين وتقبل وجهات النظر المختلفة، كما أنه يؤدي الى إضعاف قدرتنا على التفكير النقدي وحل المشكلات بفاعلية، ما يشكل خطراً على نموّنا الشخصي وقدرتنا على التعامل مع الخلافات، ويجعلنا أكثر عرضة للتأثر بالتلاعب والآراء المتطرفة التي تؤكد آراءنا دون تقديم حجج مضادة. لكن.. هل يمكن للآلات أن تضاهي البشر؟
في الواقع أن للذكاء الاصطناعي حدوداً، ففي حين قد تنجح الآلات في محاكاة بعض جوانب الذكاء البشري في مجالات محددة، مثل القدرة على الحساب ومعالجة البيانات، إلا أنها تفتقر إلى القدرة على فهم المشاعر والتجارب الإنسانية بشكل كامل. ويتيح الجسم البشري، مع أعضائه الحسية وجهازه العصبي المعقد، التفاعل مع العالم بطريقة لا تستطيع الآلات مضاهاتها. إضافة إلى أن الوعي الذاتي والإحساس بالذات هي أمور لا يمكن للآلات محاكاتها ببساطة، وحتى لو جرى تصنيع الآلات من مواد بيولوجية في المستقبل، فإنها سوف تظل عاجزة عن الشعور مثل البشر بالعواطف كالحب والحزن والغضب.
يظل الذكاء الاصطناعي أداة بيد الإنسان، على الرغم من قدرته على الإنجاز في مجالات شتى، فالبشر هم من يحددون أهداف الذكاء الاصطناعي واستخداماته، وهم من يتحملون مسؤولية عواقبه. وليس خافياً أن الإبداع والأخلاق والقيم هي سمات إنسانية أساسية لا يمكن برمجتها في الآلات.
كذلك ينصح الطبيب النفسي بوجوب منع الأطفال من التفاعل مع هذه الروبوتات (الألعاب)حتى يبلغوا سناً مناسبة لفهم مخاطر جمع البيانات الشخصية، أي ما يقارب الست سنوات. كما ينصح بتثقيف الوالدين بصدد مخاطر تقنية التعرف على الصوت وكيفية حماية أطفالهم.
وتشير المجلة في مواد أخرى إلى التغييرات التي يحدثها الذكاء الاصطناعي في أنماط التواصل، مثل تغيير التوقعات، فقد يتوقع الناس استجابات فورية ودقيقة في تواصلهم مع البشر، كما هو الحال مع الآلات. وربما تؤثر طريقة تواصل الذكاء الاصطناعي على اللغة البشرية، ما يؤدي إلى تغييرات في المفردات وأنماط الكلام، فضلاً عن زيادة الشعور بالعزلة الاجتماعية.
مع ذلك، فإن الذكاء الاصطناعي يحمل تأثيرات إيجابية محتملة، مثل تسهيل التواصل لذوي الاحتياجات الخاصة، أو تجاوز حواجز اللغة، وقد تتأثر العلاقات الشخصية والمهنية بوجود (وسطاء) من الذكاء الاصطناعي. لذا فإن من المهم ملاحظة أن هذه التأثيرات قد تختلف باختلاف الأفراد والمجتمعات، وأن الوعي بهذه التغييرات يمكن أن يساعد في التعامل معها بشكل أفضل.