رفاه حسن /
منذ بداية الخلق والعالم يسير على كفتي ميزان؛ الأبيض والأسود، الخير والشر، الجيد والسيئ، الإيجابي والسلبي. ولم يقتصر ذلك على الكائنات الحية بل شمل أيضاً كل الجمادات بما في ذلك الأدوات التي صنعها الإنسان لمساعدته في تسهيل حياته، وصولاً إلى يومنا الحالي وآخر ما توصلت إليه التكنولوجيا، فكل ما أنتجته التكنولوجيا الحديثة كان سيفاً ذا حدين، والأمر يعود في النهاية إلى طريقة استخدامنا لها.
نتحدث اليوم عن (تكنولوجيا الجيل الخامس) التي تعد طفرة علمية، ومن شأنها تغيير كثير من مفاهيم الاتصال والتواصل لما تقدمه من خدمات لم نكن نحلم بها في المستقبل القريب. جاءت هذه التقنية تطويراً للأجيال الأربعة السابقة وحلاً لمشكلاتها. أما ما يميزها فهي السرعة الفائقة، فبدلاً من متوسط السرعة للاستجابة الذي قدمته خدمات الجيل الرابع والذي وصل إلى 50 ميللي / ثانية وصلت تكنولوجيا الجيل الخامس إلى 1 / ميللي ثانية كمعدل لسرعة الاستجابة، وهو رقم قياسي حققته هذه التكنولوجيا. ولكون هذه القيَم صغيرة جداً، فلن نستطيع نحن البشر تمييز الفرق بينها، لكن كفاءتها العالية ستكون واضحة جداً عند اتصال الأجهزة والآلات بها لأنها في الأصل صُممت لغرض دعم الأجهزة الذكية وتقنيات إنترنت الأشياء التي تحتاج إلى قدرة وسرعة في نقل الأوامر والبيانات وتسلمها أكبر بكثير من القدرات التي قدمتها الأجيال الحالية والسابقة.
إذاً لماذا هذه الحرب التي يشنها بعض العلماء والمنظمات غير الحكومية على هذه التكنولوجيا التي تتمتع بكل هذه المميزات وأكثر كما يقول العاملون عليها؟ إذ وقع أكثر من 250 عالماً على عريضة قدمت إلى الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية تطالب بإيقاف العمل في شبكات الجيل الخامس، حذروا فيها من أن الأجهزة الباعثة للإشعاع، على غرار الهواتف النقالة وأجهزة البث، يمكن أن ترفع خطر الإصابة بالسرطان.
وهنا يَحسُنُ بنا أن نتعرف أولاً على طريقة عمل هذه التكنولوجيا لنتمكن من الإجابة على ذلك السؤال، إذ تعتمد شبكة الجيل الخامس نطاق ترددات أعلى من تلك المستخدمة في الأجيال السابقة اذ تنطلق من 3.4 GHz ومن المتوقع أن تصل إلى 26 GHz في المستقبل القريب، وكلما علت الترددات كانت الموجات أقصر، وذلك يتطلب بالضرورة زيادة عدد الهوائيات لنشر شبكة الجيل الخامس، ما يثير مخاوف بعض المنظمات غير الحكومية لأن ذلك يعني زيادة عدد الأبراج والهوائيات المرسلة والمستقبلة للإشارة وذلك نتيجة لزيادة التردد الذي يؤدي إلى أن تكون الموجات قصيرة جداً وبذلك تحتاج إلى أبراج على مسافات أقرب مما كانت عليه في السابق لتتمكن من العمل بالكفاءة المتوقعة.
إن تكنولوجيا الاتصالات، وعلى مر الأجيال، كانت تعتمد على الموجات الراديوية والكهرومغناطيسية التي تم تصنيفها على أنها واحدة من أسباب الإصابة بالأورام السرطانية بعد إجراء كثير من التجارب والأبحاث على الفئران بتعريضها لهذه الموجات أوقاتاً طويلة بتردد معين، وبالاعتماد على هذه التجارب تم تحديد حدود معينة للترددات المسموح باستخدامها وإلا فإنها حتماً ستكون من مسببات الإصابات السرطانية. وبالعودة إلى حياتنا اليومية فإننا نتعرض بشكل مستمر لهذه الموجات عند استخدام الراديو والمايكرويف والهاتف الذكي، وحتى عند التعرض لأشعة الشمس، لذلك من الواجب الحذر عند التعامل معها أيضاً وعدم حصر تأثير هذه الموجات على تقنيات الجيل الخامس فقط.
وبذلك يتبين أنه لا يوجد، حتى الآن، دليل قاطع على أن تقنيات الجيل الخامس هي تقنيات مسرطنة، فضلاً عن أن المخاوف متعلقة بالأشعة الكهرومغناطيسية التي نتعرض لها بشكل يومي من مصادر طبيعية او صناعية الآن. إن كل هذه النقاط لم تشفع لهذه التكنولوجيا لدى كثيرين، وعلى الرغم من ذلك فقد باشرت بضع دول باعتماد هذه التكنولوجيا مثل الولايات المتحدة الأمريكية التي بدأت بتفعيل هذه التكنولوجيا في بعض الولايات وكذلك بعض الدول الأوروبية مثل موناكو وسويسرا وفنلندا وأستونيا، إذ تعد هذه الدول أول من باشر بنشر شبكات الجيل الخامس، أما ألمانيا فقد وفرت الترددات الضرورية حتى الآن، في حين تعدّ الصين سبّاقة في هذا المجال إذ نشرت شبكات الجيل الخامس في أكثر من خمسين مدينة من بينها العاصمة بيجين وشنغهاي.