باسم عبد الحميد حمودي /
تم افتتاح شارع الرشيد يوم 23 تموز سنة 1916 زمن الوالي خليل باشا, وكان امتداده من باب المعظم إلى جامع السيد سلطان علي قبل توسيع نهره إلى الباب الشرقي.
أسماء شارع الرشيد!
كان اسم الشارع أول الأمر(خليل باشا جادة سي) أي شارع خليل باشا أو (الجادة العامة) أو الجادة –اختصاراً, وقد أطلق على الشارع العتيد تسمية (شارع هندنبرغ) نسبة للقائد العام الألماني فون هندنبرغ احتراماً لاسم هذا القائد الكبير الذي كانت دولته متحالفة مع الدولة العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى، وكان القواد الألمان يعملون كمستشارين مع القوات العثمانية في العراق أيامها.
بعد دخول القوات البريطانية المحتلة بغداد عام 1917 بدأ العمل باستكمال شق أرض الشارع إلى الباب الشرقي وتم إبدال اسمه إلى (الشارع الجديد), وبدأ اعتماد معمار طراز (الركوكو) في بناء أروقة الشارع واتخاذ شكل الرواق المعقود بتيجان معقودة تطل متسلسلة على نهر الشارع.
تمت تسمية هذا الشارع باسم (الرشيد) من قبل أمانة العاصمة عام 1932 مع تغيير تسميات الكثير من الشوارع الفرعية الأخرى.
أسواق الرشيد
إذا كان شارع الرشيد سوقاً كبيراً يمتد طولياً بموازاة نهر دجلة، فإن الأسواق الفرعية الكبيرة المرتبطة به تشكل جزءاً مهماً من عالمه الاقتصادي والمعرفي الحضاري, وهذه الأسواق تتغير بعض معالمها بفعل التغيرات التي تتم واقعاً.
أول سوق أزاله ظهور شارع الرشيد هو سوق الأوقاف الذي كان موجوداً في مطلع محلة الحيدرخانة، وقد أزيل لاستكمال تشييد الشارع الجديد, لكن أسواقاً أخرى ظهرت مرتبطة بهذا الشارع قبل أن تكون ظاهرة قبل خمسينات القرن الماضي وأبرزها (السوق العربي) المقابل لبناية المصرف المركزي إلى اليسار بأمتار قليلة من السوق البغدادي الأصيل … سوق الشورجة.
إن أسواق شارع الرشيد التي تتصل بحياة البغدادي الاقتصادية وحاجاته اليومية هي أسواق : الميدان والهرج والصفافير والشورجة والبزّازين.
ونحن نرى أن بعض مقتربات ونهايات هذه الأسواق الخمسة تمتد إلى شوارع أخرى مثل شارع السموأل وشارع الخلفاء والشوارع الأخرى بسبب اتساع عمل هذه الأسواق وارتباط بضائعها ببضائع الأسواق الخمسة الأساسية.
سوق الميدان
تقع أجزاء من هذا السوق في باب السلطان الذي يسمى اليوم باب المعظم, لكن مدخل السوق اليوم يواجه بناية وزارة الدفاع القديمة, تباع فيه اليوم المواد الخشبية المستعملة والحديثة, وقد أزيلت محال الفواكة والخضر فيما تداخلت مهمات السوق مع مهمات السوق المجاور وهو سوق الهرج.
كانت مساحة هذا السوق قديماً تضم واحداً من أشهر مقاهي بغداد هو مقهى عزاوي, وكان صاحبه قد استخدم عروض (خيال الظل) من قبل راشد أفندي لجلب الرواد وهي عروض قراقوز طريفة, ثم حول مقهاه إلى شبه ملهى واستورد له الراقصات والمغنيات من البلدان المجاورة, واشتهر مقهى عزاوي –الذي أزيل في أربعينات القرن الماضي – بأغنية (فراكهم بجاني) التي يقول واحد من مقاطعها:
يأكهوتك عزاوي بيها المدلل زعلان
سوق الهرج
يختص سوق الهرج المجاور لسوق الميدان والمنحدر جنوباً إلى واجهة شارع حسان بن ثابت لبيع الراديوات القديمة والفونغرافات والأسطوانات والطوابع والأنتيكات الفضية والدراجات والأقفال والمفاتيح والسبَح بأنواعها والخواتم الفضية والمحابس المتنوعة الأشكال والألوان, وكل ما يخطر على بال الباعة والمشترين من أدوات.
وسمي هذا السوق بـ (الهرج) لأن عارض البضاعة التي ينوي بيعها يستطيع هو أو أحد الدلالين بالمناداة على سعرها المطلوب في السوق حتى يوافق السعر أحد المشترين ويتوافق الطرفان فيصيح الدلال (هرج) بمعنى (تمت الموافقة) على البيع!
سوق الصفافير
لم يعد سوق الصفافير بمستواه الحرفي القديم، فقد دخلت إلى دكاكينه، التي كانت لاتفارق مطارق الصفر عالمها، ألوان أخرى من البضائع مثل السجاد والأقمشة, فقد قل توافد السائحين على هذا السوق العتيد ولم تعد في منعطفاته الثرية الكثير من دكاكين العمل التراثي المبهر, صناعة الصفر وتوصيفاته الجميلة أمثال الملوية السامرائية والثور المجنح والصواني الكبيرة التي تدون فيها الآيات القرآنية الكريمة, وأنواع الأواني الخاصة بالسقاية النسائية من النهر, إضافة إلى وجود من يبيض الأواني النحاسية القديمة من جفاجير إلى قدور إلى طاوات ومشارب وسلبجات وسواها, ولكل آنية دورها المنزلي الذي غرب مع غروب الصفافير-الشارع والسوق.
سوق البزّازين
يقع هذا السوق في مواجهة سوق الشورجة وفي الجانب الأيمن ويشكل خان مرجان الشهير واحداً من خلفياته فهو يقع في مدخل شارع السموأل بن عادياء, شارع الصرافين والطوابع والسجاد المؤدي إلى شارع النهر أو شارع المستنصر.
كان اسم سوق البزّازين قديماً سوق الجوخجية وتعرض فيه أنواع الأقمشة المستوردة والمنتجة محلياً وأقمشة الستائر، أقمشة تنجيد الكراسي والأنتيكات والحريريات الخاصة بالعرسان.
تمتد أزقة سوق البزّازين باتجاه شارع المستنصر من جهة وسوق الكمرك المجاور لضفة النهر، وتتسع فروعه خلف سوق الصفافير لتختص فروع منها بأقمشة الرجال والعباءات وفروع منها بمواد الأعراس وأزياء الفتيات, ولكل انسان ما يريد من زي أو قماش أو أكسسورات.
كان هذا السوق تاريخياً (مع الخانات المتداخلة معه) جزءاً من محلة الحظائر العباسية قبل أن تتغير الأبنية واتجاهات البيع المزدهرة فيه.
سوق الشورجة
هو أشهرالأسواق المرتبطة بشارع الرشيد وبتاريخ بغداد الاقتصادي, وتقع واجهته مقابل سوق البزّازين, ويأخذ السوق امتداداً عرضياً يتصل بشارع الخلفاء الذي تقع في أطرافه أجزاء من شورجة الطعام والسجائر والمفروشات!
والشورجة أساساً جزء من السوق العباسي القديم في محلة فراشة العباسية, وتقع في منطقة أسواق (الشورجة) اليوم
أكثر من خمسة آلاف دكان تنتشر في درابينها لتبيع الى أهل بغداد والمحافظات كل ما يصل السوق من بهارات وعطاريات ودهون وروائح عطرية وأطعمة وشموع وغيرها.
تسمية الشورجة
اختلف المؤرخون والبلدانيون العراقيون وغيرهم في تسمية (الشورجة), إذ يقول د. مصطفى جواد أن الكلمة منحدرة من (شوركاه) أي محلة (الشورة) أو (الماء المالح), فيما يعتقد الباحث سالم الآلوسي أن أصل اسمها من (شيرج) والشيرج هو دهن السمسم إذ كانت في منطقة الشورجة معاصر عدة للسمسم يديرها اليهود, ولا يخالف الشيخ جلال الحنفي رأي مصفى جواد في التسمية.
و(الشورجة) عالم خاص بكل تفصيلاته تصل أسواقه الفرعية السيدات والتجار وباعة الجملة والمفرد ليشتري كل امرئ ما يريد من بضاعة يحتاج إليها في الأيام العادية وفي مناسبات الأعياد والأفراح, وستظل الشورجة منطقة عمل وتجارة وبهجة بغدادية مثيرة تستحق كتاباً لا مقالة مفردة مثل التي قرأها القراء الكرام ..هنا !