باسم عبد الحميد حمودي /
بين السدارة والطربوش والجواهري وبدوي الجبل
في حفل المربد في سبعينات القرن الماضي كانت الجلسة في فندق الميناء عامرة برجال الشعر والأدب من كل أرض.
كان محمد مهدي الجواهري عملاق الشعر يتوسط القاعة، وإلى جواره بدوي الجبل وعمر أبو ريشة وشفيق الكمالي ومصطفى جمال الدين وممدوح عدوان ومحمد علي شمس الدين وسائر ممثلي تيارات التجديد والمحافظة.
كنا قريبين منهم, نشكل مجموعة من المشاكسين الساخرين، منهم كاتب هذه السطور وموسى كريدي وسعدي يوسف وخالد يوسف وخالد الحلي وسواهم, لكننا كنا ننصت إلى حديث العمالقة في حضورهم هيابين, لا نجرؤ على المجادلة.
قال الجواهري لبدوي الجبل وهو يعدل من وضع طاقيته: (كنا نرتدي السدارة في الثلاثينات وأنتم ترتدون الطربوش).
قال بدوي الجبل باسماً: (طربوش أحمر وسدارة…ماذا فعلا للشعر؟)
قال الجواهري: ( الكثير, لكنهم الآن بلا غطاء على الرأس).
قال بدوي الجبل: (من تقصد؟ الشعراء؟) قال الجواهري: (بل الجميع ). وغادر الشعراء موضوع غطاء الرأس وقد رميا الرمية السياسية أمام من حضر من مسؤولين منصرفين –ونحن معهم- إلى أحاديث أخرى.
واقع الأمر أن أغطية الرأس في العراق وغيره مرت بتحولات كثيرة عبر التاريخ الإنساني, نحاول هنا أن نغطي بعض تفاصيلها:
الرؤوس العارية
ظل رأس الإنسان عارياً فترات طوال من الزمن تقدر بآلاف السنين، إلا من الشعر الطبيعي, وفي كهوف ماري والأربجية وتل أسمر نجد أن الإنسان القديم قد نحت على صخور الكهوف صوراً لبشر مثله لا يغطون رؤوسهم بشيء وهم يمشون أو يصطادون سوى بشعرهم الطبيعي الذي برموه أو حاكوه مثل العمائم.
حاكم لكش
وعندما وصلت إلينا نقوش وتماثيل عمامة حاكم مدينة لكش العراقية-كودية- في العصر السومري الحديث, كان قد مر على ارتدائه لها أكثر من اثنين وأربعين قرناً إذ حكم الحاكم كودية لكش منتصف القرن الحادي والعشرين قبل الميلاد.
غطاء رأس السيد كلكامش
كان غطاء رأس كودية يشبه الجرّاوية البغدادية وتشكيلة الياشماغ الجنوبي, لكن غطاء رأس كلكامش وهو يمسك الأسد بيده ورد في منحوتة جاءت من القرن الثامن قبل الميلاد, ولم يكن على شكل عمامة كودية بل كان على شكل قلنسوة تغطي أذنيه, ومثل هذه العمامة التي تشبه الطرطور أو الشاشية العباسية كان يرتديها الملك آشور ناصر بال في القرن التاسع قبل الميلاد, وكان الملك تغلات بلسر الثالث الآشوري من القرن الثامن قبل الميلاد يستقبل الناس بعمامة مكونة من عدة طيات ولحية سوداء مجدولة.
أغطية لا تتشابه
لم تكن أغطية الرأس عند ملوك العراق القدماء, سومريين وبابليين وآشوريين، متشابهة, وقد استمر هذا الاختلاف عبر التاريخ وهو أمر ينطبق على سائر التطورات التي صاحبت الأردية النسائية والرجالية عبر التاريخ, مثل الإزار والملفعة والتنورة الرجالية السومرية التي تسمى(كاوناكيس) والتي انتقلت تسميتها وطرازها إلى اليونانية باسم (كاوثاكيس).
العقال والعمامة
وجد الآثاريون العقال على رؤوس اللحيانيين في الألف الأول قبل الميلاد على شكل حبل غليظ منسوج من وبر الماعز, لكنه في جزيرة العرب فيما بعد وفي العراق تغير شكله ونسيجه إلى أشكال متعددة تتصل بالمنطقة وعادات الناس في ارتدائه وبألوانه المتعددة من أسود إلى أبيض إلى سواهما, لكن الشائع هو اللون الأسود، كما هو الحال، عدا لون العقال الأبيض الذي يرتديه شيوخ الإمارة في محافظة الكوت ويمتاز بصغره وتدرجه.
وكان من أنواع العقال العقال المقصب والديري والرفيع والعقال أبو طيتين والعقال الزبيري.
وقد ارتدى الناس العمامة قبل الإسلام, ولما دخلوا الدين القويم وجدوا النبي الأكرم محمداً، صلى الله عليه وسلم، يرتدي العمامة بألوانها المتعددة: البيضاء والسوداء والخضراء, وقد اشتهر الهاشميون بعمائمهم الخضر والسود.
الطرحة
وهي وشاح خفيف يرتديه النساء والرجال فوق العمائم، وهي قطعة من الكلبدون تلف فوق العمامة وتنزل على الصدر والكتفين ويكون لونها كحلياً للقضاة, أو بيضاء لسواهم, وتكون حواشيها مطرزة بالأشجار والورود أو بالكتابات، وقد ارتدتها النساء أيضاً.
الرصافية
وهي نوع يشبه العمامة, بغدادية الأصل, اختص بها الخلفاء أول الأمر ثم ارتداها العلماء ولها عذبة طويلة تنسدل إلى منتصف الظهر.
زينت العمامة الرصافية بزخارف مؤلفة من أشرطة عرضية ذات خطوط ضيقة تحصر فيها دوائر كبيرة, ويكون لون الرصافية جامعاً بين الأحمرالغامق والأخضر المائل للزرقة.
الريطة
نوع من أغطية الرأس السومرية التي كانت تغطي رؤوس النساء, لكن الربطة السومرية القديمة تتألف من قطعة توضع على الرأس تشبه العمامة وتوجد تدليات لها تنسدل على رقبة المرأة.
وقد وجدت في بلاد آشور وسومر تماثيل عديدة لنساء عراقيات يرتدين غطاء الرأس الملون الذي يدعى الريطة.
العرقجين والجرّاوية
العرقجين (بالجيم الفارسية) غطاء رأس منسوج من الصوف أو الكتان أوالقطن تلف حوله العمامة أو الجراوية.
يقول مصطفى جواد إن كلمة جرّاوية ( بالجيم المعطشة) مأخوذة من كلمة كرة أذ أن لفتها كروية, وهي على أنواع منها لفّة (أبو جاسم لر) وهي اللفّة العادية على الرأس لكنها مائلة قليلاً إلى الخلف حتى يظهر جزء من شعر رأسه من يشق عصا الطاعة على الحكومة ويمتهن الشقاوة.
جرّاوية علي بن عصفور وسواها
وهي اللفة العصفورية المنسوبة الى ابن عصفور, أحد الشقاة في العهد العثماني, وهناك اللفة الشبلاوية نسبة إلى شباب محلة البوشبل وتتألف من ثلاث لفات بشكل إسطواني, واللفة الفضلاوية وتتألف من ثلاث طيات مع عذبة ويرتديها سكان محلة الفضل.
سي لفة
والسي لفة تعني ثلاث لفات للجراوية مع عذبة متدلية الى اليمين يرتديها سكان محلة الحيدر خانة, ولا يستخدم في لفة الجراوية سوى الياشماغ الأبيض المنقط بالأسود.
الياشماغ الأحمر
هذا النوع من الياشماغ الذي يسمى (الحطّة) في فلسطين والأردن وأطراف سوريا ونجد، يرتديه الرجال مع العقال في بوادي السماوة والرمادي وفي بعض أطراف بغداد ويرتديه الكورد على شكل عمامة ملفوفة بعدة طبقات على الرأس.
السدارة والقبعة والكاسكيت
تقول المصادر التاريخية إن (السدارة) كلمة سامية قديمة تعني لباس الرأس، وقد دخلت السدارة من قبل الملك فيصل الأول عام 1921كغطاء
للرأس للموظفين ورجال الدولة وسميت الفيصلية, كما دخلت السدارة كغطاء رأس باللون الخاكي لرجال الجيش وباللون الأزرق لرجال القوة الجوية.
استمر ارتداء السيدارة طويلاً في العراق حتى تغيرت الحال بالانقلابات العسكرية، لكن السدارة ظلت غطاء رأس رسمياً لبعض قطعات الجيش العراقي والشرطة العراقية.
المحدثون من الشباب والمثقفين ارتدوا القبعات الأوروبية كنوع من التغيير, فيما فضل بعضهم، كفؤاد التكرلي ويوسف العاني ومهدي عيسى الصقر ومحمد مبارك، رحمهم الله، ارتداء الكاسكيت.
زينة رأس المرأة
كانت زينة رأس المرأة بعامة قبيل استخدام أغطية الرأس ورقة الآس أو مجموعة أغصان مجدولة, ثم تطورت وسائل وأشكال أغطية الرأس النسائية مثل الريطة العباسية والقلنسوة البغدادية، واستمرت رياح التغيير قروناً بعد شبعاد الملكة السومرية وتاجها الذهبي و(ننخور ساك) سيدة الجبل بتاجها السومري المورق.
تغيرت التسريحات وأغطية الرأس عبر القرون عانت فيها المرأة الكثير حتى استوت زعيمة وأميرة وملكة على عرش وناسكة في معبد وتاجرة في سوق وفلاحة في حقل, ولكل مهنة ومستوى اجتماعي غطاء رأسها الخاص الذي تعتز به وتفضله على سواه.
كانت الموناليزا العراقية التي اكتشف (مالوان) تمثال رأسها العاجي نقطة تحول في دراسات أغطية الرأس في العراق القديم, لكن هذه حكاية اخرى.