أحمد هاتف /
صوتك”هو أنت الذي لاتدركه”.. لذا فكل نص”صوت”.. هو صوتك، فــ كن أنت لتكون صوتك.. هذا هو جوهر الشعر، وربما نقطة ارتكاز الأبداع.. لنقل”اني اظن ذلك”.. كي لا أقع في”فم من يظنون الفهم دائرة مغلقة حول غبائهم”.. لذا فكل”نصوص الحياة هامة” لأنها تحمل سمات من انجبوها بشكل ما، الفرق هنا في ارتكاز الصوت، في نغمته، وفي نسيجه، وفي مادته الأولية التي هي لغة وخيال وارتكازات المسافة والتناسق والتوزيع، وربما لهذا يختلف الصوت، وتختلف النبره..
ولأننا نغرق في مرايانا.. فنحن احيانا اصداء رؤى تتناسل دون وعي، وربما اكون انا الآخر دون ان اعي.. وربما اسقط في ثوب فكرة ما، دون ان افقد أناي ولوني.. لكنني هنا.. اود ان أفتح نافذة.. لأرى امرأة مرآة.. وربما لأشم صوتا لم آلفه من قبل، هذا الصوت هو”وليد براءات شعرية”قدرة على خلق المسافة مع الآخر، جرأة النأي.. هكذا تكون تامة وواضحة، هذه هي”أماني غيث”..”القادرة على ان تكون هي”.. ذلك وربي كثير.. فلست ابالغ ان قلت”انا ابحث عني مذ تعلمت صياغة أنفاسي”وكذلك من اعرفهم.. فقط عليك ان”تنحي القداسة جانبا وتمضي”.. دعك من القلق، فـ الشمس وحدها قادرة على رسم المشهد المختلف.. هكذا هو الشاعر، القادر على صياغة الفرادة.. وأماني.. واحدة مختلفة، انها ببساطة”جملة غير عادية في زمن اعتاد ان يغني ذات الإيقاع”.. لذا وقعت في”أسر ماتكتبه”.. لأن الدهشة”حياة اخرى”… وجدت فيها بعض هذي الحياة.. فهي قادرة على كتابة وعيها بأبرة على خرز اللغة، هي تفاصيل واخرى.. تشريح ممعن الدقة في تأمل المشهد، في تحليله، في الغوص بعيدا في تداعياته، وصولا الى جوهره.. وهذا لايأتي دفعة واحدة.. خطى في الظلام.. هكذا تمشي بأنفاسها على السطر، تتحرك وفق وجيب دقيق للقلب والفكرة، هي تكتب بالتأمل، تكتب بحجر لالون له، لذا تحك جلد اللغة كثيرا بحثا عن”مالاتعرفه”.. ومن هذه اللامعرفة، تولد لغتها البكر
” قد تكبر ايضا.. الى ان تتوقف ثيابك عن نموها، لتتركك تكبر وحدك”.
بهذه الجرأة تأتي المعنى، جارحة تلك الدوائر حول اسئلة العمر، وعابرة كل مايتركه الجسد من ظلال على الثياب التي تغادره، انها تريد أن تمنح اللغة طاقتها الكاملة، دون ان تنتزع لونها الذي نعرفه.. اهي”أعادة تدوير”لذا فهي تجسم الفعل، لتمحنه افقه الذي يشعرنا به.
“أنام كذئب واترك عيون قصيدتي مفتوحة”.. ربما هذا هو الحال، امتصاص التفاصيل، تقشير زوائد المعنى، للصعود الى الفعل، ليس شيئا غير مانعيه، لكنه الوعي المختلف، العميق، المثير، الممعن في قراءات الحواشي، وتشرب الضوء والظل، والأحاسيس، محاولة لرؤية اللحظة الصغيرة بمكبرات التأمل، لتجسيم جسد الروح في تلك اللحظة، هو قطع حاد، كما في السيناريو.. لاتمرير للمزج ولا انتظار لآلية الفعل الأعتيادية لتنمو، بل دم على فم المعنى ليكتمل الموت…
“انا كنت أشرب الكلمات، الوكها جيدا تحت اسناني، تحت جلدي، اجعلها تبللني، تغسلني، كنت استحم بالنصوص الجميلة، بالشعر، بالنثر، بالموسيقى، بالقلق العظيم، بالعزلة الشهية، بالعشق”
هكذا ترشدنا الى ماتفعله هذه”الأماني”.. تحاول ان تجعلنا شهودا على خلاياها التي تكبر بفعل التأمل العميق، والنحت وتجوال النمل في قلق الرمل..
“لم أك أقرأ.. بل كنت اشعل الأوراق وادخلها في أنفي”..
اذن هي القراءة الماصة للمعنى، لتشابك الرسم وانتصاب الكلمة، انها تذوب الحبر، ليصغي، ليحترق، ليعيد بناء نفسه، بعيدا عن الولادات الطبيعية، تماما كما تلد الغزالة شجرة، او كما يولد العطر خطى…
لاتكتب أماني غيث لتشرق في الشهرة، بل تكتب لتتنفس، لتحيا، لتجد تلك الطفلة، وتلك الأنثى، وتلك الأم، وتلك الإبنة فيها.. انها تحاول تكرير الأدراك، تقطير لحظاتها العابرة، امتصاص تلك النقمة التي كانت في جملة غير رشيدة مثل :
“كم حلمت أن أقتل أبي”…..
الأب الذي كان، وصار، لتعود تدوٍر ذاتها الى”الأب”.. هي تضع اسئلة مررنا عليها، دون ان نمنحها اهتماما… لتعيدنا الى مانألفه ونظنه خارج الشعر… لذا هي صوت يملأ فراغات ماتركناه، وظنناه خارج منطقة الشعر، انها تجعل من موضوعة”الحضانة”مثلا فعلا شعريا هائلا.. تضعه في اطار الصور المتلاحقة، المجسمة، الدالة، لتصل الى اقصى حدود الصرخة.. التي الصرخة التي سقطت سهوا من نصوص النساء الشاعرات، انها تعيد الأمومه الى النص الشعري، بعطرها، واسئلتها، وحنانها، وتفاصيلها الدقيقة التي لاتجدها في نص آخر..
اماني غيث.. امرأة بزمن مختلف تماما، شاعرة من طراز خاص، لم أعتقد انها ستمطرني بكل تلك الأسئلة، لكنها فعلت…