د. معتز محيي عبد الحميد/
لم تكن (م) الطالبة في معهد الفنون تهوى درس اللغة العربية وانما كانت تذوب عشقا في أستاذ المادة. الأستاذ (هـ) ذلك الشاب الوسيم خفيف الظل الذي استولى على قلوب معظم تلميذاته لاسلوبه الرشيق في شرح المادة لهن،
بدأ درس اللغة العربية وانتهى، ولم تستمع (م) لكلمة واحدة منه ولم تستوعب شيئا لأنها ظلت تتابع الأستاذ (ج) بنظراتها وعقلها مشغول بأمور أخرى…
اجتاح عقل الطالبة حلم جميل عاشته بكل احساسها، تخيلته وهي ترتدي فستان الزفاف الأبيض وتجلس مع أستاذها الجميل في قاعة الفرح، ثم انتقلت بحلمها الى بيت الزوجية الذي جمعها بأستاذها والسعادة ترفرف عليهما، وكان حلما جميلا لم تستيقظ منه (م) الا عندما دق جرس نهاية الدرس، ولمحت محبوبها الأستاذ (ج) يلملم أوراقه ويغادر الصف، قفزت من مكانها واحتضنت كتاب العربية وهرولت خلف الأستاذ (ج) واستوقفته بسؤال قائلة: أستاذ (ح) أنا لم افهم الدرس بصورة جيدة… ممكن تشرح لي الدرس مرة ثانية في هذه الفرصة! رمق الأستاذ (ج) تلميذته بنظرة عتاب واجابها قائلا: أنت لم تفهمي الموضوع لكونك كنت خارج الصف، كنت سرحانة بشيء ما… عموما سوف اشرح الدرس مرة ثانية عندما نراجع الدروس جميعها عندما يقترب موعد الامتحان، وانطلق الأستاذ (ج) عائدا الى غرفة المدرسين تاركا التلميذة تحتضن كتابها وتتنهد بشدة والسعادة ترقص بين ضلوعها لأن عينيها وقعتا على عينيه في حديث قصير لم يستغرق سوى دقائق معدودة! انتهى اليوم الدراسي وغادر الطلاب المعهد، ومثل كل يوم وقف سائق الكيا (ف) عند باب الخروج ينتظر ابنته (م ) التي ما أن شاهدته حتى تبدلت قسمات وجهها وافسدت سعادتها… وكانت (م) تغضب لان والدها يعمل سائقا في المعهد، كانت ترى أن وظيفته تمثل عارا لها أمام زميلاتها، ولذلك كانت تتشاجر معه باستمرار وتطالبه بعدم انتظارها حتى يعود بها للبيت وتفضل أن تعود الى بيتها بصحبة صديقاتها، ولكن الأب كان يخشى على ابنته أن يعاكسها أحد بالطريق وفي نفس الوقت لا يرغب في احراج ابنته أمام زميلاتها فكان يسير خلفها عن بعد يحرسها أثناء سيرها مع صديقاتها، في الشارع المؤدي الى بيتهم سارت (م) مع احدى زميلاتها ودار بين الطالبتين حوارا معتادا عن الأستاذ (ج) ووسامته وخفه ظله، في ذلك اليوم لم تبادل الصديقة (م) حديثها عن أستاذها، ظلت الصديقة صامتة فاستوقفتها (م) بسؤال قائلة: أنت ليش ساكتة اشو من خرجنا من المدرسة ولحد الآن لم تتكلمي! وبعد تردد اجابت الصديقة قائلة في أسى: عندي خبر ولكن لا أستطيع أن ابوح بذلك، توقفت (م) عن السير وقالت في لهفة: شنو هذا الخبر؟ اجابت الصديقة أنا سمعت أن الأستاذ (ج) قرر أن يخطب مدرسة الرسم (هـ)، كاد قلب (م) أن يتوقف من هول الصدمة، صرخت في وجه صديقتها … “منو كلك هذا الكلام السخيف “، ولم ترد الصديقة .. ظلت على صمتها بينما راحت (م) تضرب كفا بكف وتواصل قائلة: أكيد هذه شائعة من شائعات البنات، الأستاذ (ج) لا يمكن أن يخطب (هـ)، طأطأت الصديقة رأسها الى الأرض وقالت في حزن، المعهد كله عرف بالخطبة، الا أنت يا (م)! لم تنم (م) في تلك الليلة، ظلت ساهرة والدماء تغلي في عروقها من الغضب، فالحلم الوردي الجميل الذي عاشته طوال العام الدراسي ينهار أمام عينيها، الرجل الذي احبته يضيع منها وامرأة أخرى في الطريق للاستيلاء عليه، غضبها العارم مما سمعته على لسان صديقتها فتح الباب على مصراعيه للشيطان حتى يتسلل الى عقلها ويمتلكها ويلقي عليها بفكرة مجنونة كان عليها أن تنفذها صباح اليوم التالي حتى لا يضيع حبيبها من بين يديها! كانت الخطة المجنونة ترتكز على ضرورة قيام (م) بدورها على اكمل وجه، وكان الدور يتطلب منها أن تذرف الدموع وتصرخ باعلى صوتها أثناء وجودها في المعهد وتقنع الجميع بان الأستاذ (ج) حاول التحرش بها داخل المرافق! وزين لها الشيطان النتائج مؤكدا أن الأستاذ (ج) في محاولاته لابعاد شبح الفضيحة عنه عندها سوف يطلب يدها للزواج، وبذلك تضرب (م) عصفورين بحجر واحد … تتزوج من الرجل الذي تذوب فيه عشقا وتبعد عنه المدرسة (هـ) وأي امرأة أخرى تفكر في الارتباط به! ونفذت (م) الخطة باقتدار، صرخت (م) باعلى صوتها، ذرفت دموعها الحارقة اصطحبتها احدى المدرسات الى غرفة مديرة المعهد ، جلست (م) أمام الجميع تبكي وتؤكد أن الأستاذ (ج) استدرجها الى المرافق الصحية الخاصة بالأساتذة وحاول التحرش بها … ولم تحتمل الاستاذة (هـ) سماع الباقي، غادرت غرفة مديرة المعهد ودموعها تسبق خطواتها بينما وقف الأستاذ (ج) مذهولا مما يجري ويصرخ محاولا تكذيب كل ما يخرج على لسان الطالبة الصغيرة! والد (م) السائق في المعهد حاول الفتك بالأستاذ والاعتداء عليه ولكن باقي المدرسين حاولوا دون أن يصل الأب الغاضب للأستاذ البريء والذي لم ينقذه من الموت المؤكد سوى حضور دورية النجدة التي اقتادته الى مركز الشرطة حيث ابلغت التلميذة (أ) ضابط التحقيق بتفاصيل القضية الملفقة!
أمام قاضي التحقيق انكر الأستاذ (ج) رواية تلميذته وأصر على أقواله من بعد أن وجهت له المحكمة تهمه التحرش الجنسي وقررت احالته الى محكمة عاجلة، جاء موعد المحاكمة ووقف الأستاذ (ج) أمام هيئة المحكمة وراح ينفي ارتكابه جريمة التحرش الجنسي مما ادى بالمحكمة أن تعرض التلميذة على الطب العدلي وجاء التقرير بعد الفحص ليؤكد بان (م) لم تمس عذريتها وانها ما زالت عذراء لتقضي المحكمة ببراءة الأستاذ (ج) من التهمة المنسوبة اليه… وقالت المحكمة في قرراها، أن الواقعة ليس لها شهود رؤية كما أن التقرير الذي اعده الطب العدلي أكد عدم لمس المجنى عليها … ومن غير المعقول أن تتم الواقعة بالشكل الذي جاء على لسان المجنى عليها خاصة وأن المعهد يكتظ بالتلاميذ، كذلك والد المجنى عليها يعمل سائقا في المعهد نفسه، وتعود الابتسامة لترتسم على وجه الأستاذ (ج) ولكنها ابتسامة ممزوجة بالحزن لأنه برغم اعلان براءته أمام الجميع فقد خسر خطيبته (هـ) التي كانت أول من صدق أنه من الممكن أن يرتكب مثل هذه الجريمة المشينة!!