عامر جليل إبراهيم – تصوير: حسين طالب /
يقع مرقد القاسم بن الإمام موسى الكاظم (ع) في محافظة بابل، قضاء القاسم، المدينة التي اكتسبت اسمها منه، ويسمى بالغريب أيضاً.
“مجلة الشبكة العراقية” تشرفت بزيارة المرقد الشريف لتسليط الضوء على هذه البقعة الطاهرة ضمن سلسلة (السياحة الدينية) والتقت الحاج (كريم حسين الصكر) الأمين الخاص للمزار.
من هو القاسم؟
يقول الأمين الخاص للمزار الحاج كريم حسين الصكر: هو القاسم بن الإمام موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن الإمام علي بن أبي طالب (عليهم السلام أجمعين). يضيف الأمين الخاص للمرقد: وهو أخو الإمام الرضا المدفون في مشهد (إيران) وابن الإمام موسى الكاظم سابع الأئمة الأطهار.
مولده وسيرته حتى وفاته
يذكر الحاج الصكر أن الإمام القاسم (ع) ولد سنة 148هـ وتوفي سنة 192هـ عن عمر ناهز 44 سنة، ويضيف أن القاسم ولد في المدينة المنورة إبان الحكم العباسي، في زمن هارون الرشيد.
بعد استشهاد الإمام موسى بن جعفر بدأت الأنظار تتجه إليه، لأنه كان شبيهاً بوالده وكان عالماً جليلاً ومن المقربين إلى أبيه، ويروى في حديث لموسى بن جعفر: “ولو كان الأمر في يدي لجعلته لولدي القاسم، لكن الأمر لله سبحانه وتعالى بولاية علي بن موسى الرضا.”
يكمل الحاج قائلاً: إن القاسم أخذ دوراً سياسياً مهماً بموازاة أخيه علي بن موسى الرضا، وعندما خرج من المدينة إلى العراق قصد الكوفة مدينة جدِّه أمير المؤمنين ووصل إلى الفرات، وهذا النهر يخرج منه فرع اسمه (نهر السورى) يدخل إلى هذه المنطقة التي تسمى (أبا خمرى)، وأثناء سيره في النهر وصل إلى هنا، وكانت هناك فتاتان على ضفة النهر تتكلمان فيما بينهما، تقول إحداهما للأخرى: “بحق صاحب بيعة الغدير.” فانتبه الإمام القاسم إلى هذا الاسم فحسب أن هذه المنطقة متشيعة وموالية إلى أمير المؤمنين، حينها قال لهما: يا بنيتاه ومن صاحب بيعة الغدير؟ فقالت إحداهما: هو علي بن أبي طالب الضارب بالسيفين والطاعن بالرمحين، قال: أين دياركم؟ قالت: هذه هي ديارنا وأبي هو زعيم القبيلة، قال: خذيني إلى أبيك، فأخذته فدخل إلى الدار والمضيف حيث مكث ثلاثة أيام في هذا المكان. بعد هذه المدة كلم الشيخ الذي يسمى (أبا خمرى) قائلاً: يا عم أنا سمعت من قال عن رسول الله (ص) أنه بعد ثلاثة أيام الضيف يأكل صدقة وأنا لا أريد أن آكل الصدقة (لم يقل له أنا علوي) وأنا أريد أن أعمل، فقال الشيخ: يا بني إذا كنتَ مصراً فاختر عملك، فعمل الإمام القاسم في سقاية الماء، إذ كان يسقي الضيوف الماء، فسألوه ما اسمك؟ فقال لهم: اسمي (الغريب)، وكلما سألوه عن اسمه يجيب: اسمي الغريب. وبقي معهم بضع سنين فتحسنت أحوال الحي ودرّت الخيرات والبركات عليهم، في وقت كانت العرب تغزو بعضها بعضاً، وكان الحي الذي فيه القاسم قد خرجوا للغزو، فجاءت قبيلة لغزوهم والقاسم كان موجوداً مع من بقي في المدينة، فطلب سيفاً فأعطوه، فكانت له وقفة رد فيها الغزو عن حيِّه وأجبر الغزاة على الفرار وأخذ منهم غنائمَ. وعندما رجعت القافلة حدثوا الشيخ بما فعل الغريب، فاستغرب القوم وأيقنوا أن قوة هذا الرجل غير عادية. وفي يوم من الأيام خرج الشيخ يصلي، ونظر إلى الغريب وهو يصلي والنور يشع منه من الأرض إلى عنان السماء، استغرب الشيخ هذه الحالة فعاد إلى زوجته وقال لها: أريد أن أزوج هذا الرجل ابنتي، قالت له: كيف تزوج ابنتك بشخص غريب لا نعرف عنه شيئاً؟ فروى لها ما رأى منه.
وفي الصباح حدّث أعمامه بحديثه، لكنهم اعترضوا وقالوا له: الرجل لا نعرفه، قال لهم: أريد التقرب من هذا الرجل لأنه مؤمن له منزلة كريمة عند الله، وقال له: يا بني أنا أريد أن أزوجك إحدى بناتي، فقال القاسم: إذا أردت أن تزوجني فزوجني التي سألتُها عن الحي، فتزوج القاسم من بنت الشيخ وأنجب منها بنتاً سماها فاطمة، فلما كبرت وأصبح عمرها أربع سنوات بدأت تخرج مع بنات الحي، وكلما لعبت مع الأطفال كانوا يقولون لها: أنت بنت الغريب، فتأتي إلى أهلها باكية وتقول “هكذا يصفني الناس،” فتألم القاسم ومرض على إثرها فقال: بنية تعالي أروِ لكِ من أنا، وشرع يروي قصته وزوجته معهم، وعندما عرفت الزوجة أرسلت إلى أبيها فحضر، وعندما جاء أخبره القاسم بأنه ابن الإمام موسى بن جعفر، فتعجب الشيخ وقال: أنت إمامنا وتخدمنا وأنت أخو علي بن موسى الرضا وهو إمام زماننا؟ قال نعم أنا هو، وأنت آويتني وزوجتني وأكرمتني وأنا أسأل رب العالمين أن يتقبل هذا العمل، لكن أوصيك وصية يا عم، إذا أنا متُّ فحنطني وكفنّي وادفنّي في مكان مرتفع تجد هناك قبراً ملحوداً وتكتب على قبري: “هذا الغريب القاسم بن الإمام موسى بن جعفر”، لكي يزورني المؤمنون والمحبون.
مراحل بناء مرقده الشريف
يحدثنا الحاج كريم حسين الصكر: في سنة 192هـ بعد وفاة الشيخ أبي خمرى كانت العمارة الأولى -حسب الروايات-، بعدها في سنة 1288هـ بدأت العمارة الثانية حين بنى المرقد السيد آقي علي شاه وكانت القبة بيضاء، وبعدها عمارة ثالثة سنة 1324هـ تكفل نفقاتها السيد أبو المعز السيد محمد القزويني، وفي وقتها استبدل شباك المرقد الشيخ خزعل الكعبي أمير المحمرة، وفي عام 1945م بنيت القبة بالكاشي الكربلائي الأزرق وبقيت هذه القبة حتى سنة 1996م في زمن النظام السابق، وفيها بنيت القبة الذهبية، وهي قائمة حتى يومنا هذا.
يضيف الصكر: في هذه السنة التي ذكرتها جرت التوسعة إضافة إلى التذهيب، أما المآذن فقد بنيت الأولى سنة 1964م والثانية بنيت عام 1966م وكانت من التبرعات، والشباك الذي جلبه أمير المحمرة تغير في سنة 1965م في زمن السيد محمد تقي الجلالي، وكان وكيل السيد محسن الحكيم، إذ دعا الناس فجمعوا في بضع ساعات نفقة الشباك وصنع في أصفهان مع شباك أبي الفضل العباس الذي أزيل، إلى أن سنحت لنا الفرصة قبل سنتين ونصف السنة وعملنا هذا الشباك الجديد الذي تبرع به الأخوان محمد حسين علي نعمة، والحاج عبد الستار علي نعمة، وأولاد هؤلاء أصحاب شركة الاتحاد وهم من تبرعوا بثلاثة مليارات ونصف المليار دينار، وصنع الشباك في العتبة العباسية بكربلاء في معمل السقاء بأيدٍ عراقية. يضيف الأمين الخاص أن المساحة الكلية للمزار هي 3000 متر مربع ومساحة الحضرة 900متر مربع مقسومة إلى قسمين متساويين: أحدهما للرجال ومثله للنساء, ارتفاع المآذن 32 متراً لكل واحدة، وارتفاع القبة 28 متراً، وتشتمل الصحيات على 50 وحدة صحية للرجال ومثلها للنساء. يضيف: توجد ثلاث منظومات مياه (آرو) جهّزها الإخوة المتبرعون.أما عن نشاطات المزار فلدينا شعبة علوم القرآن وتُقام النشاطات طوال أيام السنة، كما يوجد صحن خارجي من ضمن حدود المزار أكملنا تسقيفه. ويضيف: توجد مكتبة الإمام القاسم وشعبة المفرزة الطبية وشعبة للإذاعة وشعبة الاستفتاءات الشرعية ومضيف الإمام القاسم الذي يفتح أيام الجمع وأيام الزيارات المليونية. يواصل الحاج الصكر قائلاً: لدينا 250 منتسباً، منهم 62 امرأة والباقي رجال.
زيارات مليونية
وقال الصكر إن الزيارة الاعتيادية للمرقد تكون أيام الجمعة والسبت، أما زيارته المخصوصة فمليونية توافق يوم وفاته في 22 جمادى الأولى، وفي الأول من ذي الحجة هناك مناسبتان للزيارة هما وفاة علي بن موسى الرضا ووفاة موسى بن جعفر ووفاة أخته المعصومة (عليهم السلام أجمعين).
يضيف الحاج الصكر: كان للأمانة العامة للمزارات الشيعية الشريفة دور فعال في التوسعة التي شملت المزار ضمن حملة حشد إعمار المزارات التي يقودها سماحة الشيخ خليفة الجوهر نائب الأمين العام للمزارات الشيعية، وثمة مراحل أنجزتها الأمانة العامة إذ شيدت المسقفات ونصبت التبريد المركزي واستملكت أراضي مساحتها 50,000 ألف متر مربع لأجل التوسعة الجديدة، أما أسماء الأبواب الخمسة الموجودة في المرقد فهي: باب موسى الكاظم، وباب علي بن موسى الرضا، وباب القبلة، وباب زيد، وباب أمير المؤمنين.