ترجمة: خالد قاسم عن آن توماس موقع DW /
يقول صيادو السمك في بلدة غنوش التي تبعد 400 كم جنوبي العاصمة التونسية إنهم لاحظوا تغييرات كبيرة على الساحل طيلة السنوات الـ 15 الماضية. ويذكر أحدهم أن الرمال تنحسر وبدأت الصخور بالبروز، وهذه مشكلة مضاعفة، لأن تلك الشواطئ تعاني أصلا من التلوث البيئي الناتج عن المعامل الكيماوية في المنطقة وتأثير ذلك على نشاط مصائد السمك الصغيرة.
العوائل التونسية العاملة في صيد السمك ليست الوحيدة التي تتعامل مع هذه التغييرات، فهناك دراسة حديثة للبنك الدولي بحثت في العواقب الاقتصادية لانحسار الساحل في تلك المنطقة وجدت أن دولاً مثل تونس والمغرب والجزائر وليبيا تخسر شواطئها بمعدل أسرع من كل مناطق العالم الأخرى.
استنتجت الدراسة أن شواطئ منطقة المغرب العربي تآكلت بمعدل 15 سنتمتراً سنوياً بين عامي 1984 و2016، بينما بلغ المعدل العالمي 7 سنتمترات سنوياً. ويصعب اكتشاف حجم السواحل المفقودة في كل دولة لأن الشواطئ تكسب وتخسر الرمال، لكن باحثي البنك الدولي استخدموا بيانات أكثر تفصيلاً وصور الأقمار الاصطناعية من وكالة الفضاء الأوروبية ومركز علم المحيطات البريطاني ليتضح لديهم مدى التهديد على بعض أجزاء ساحل المغرب العربي.
حاول اقتصاديو البنك الدولي أيضاً حساب قيمة هذه الخسائر عبر اكتشاف قيمة الأرض المفقودة والبنى التحتية على الساحل، ويعادل ذلك 2،5 مليار دولار تقريباً على أساس الدخل القومي لتلك الدول في 2021.
عموماً، أشار الباحثون أن تلك الخسائر تمثل الحد الأدنى لأنها لا تحتسب أقياماً أخرى مثل إيرادات السياحة الضائعة. وانحسار الساحل له تأثيرات جانبية أيضاً، اذ يغمر الماء المالح التربة ويبدأ بتلويث المياه الجوفية العذبة ويزيدها ملوحة، ولا يمكن استخدام الماء المالح لأغراض الشرب أو الري.
من جهة ثانية، كتب باحثون في جامعة مونبيلييه الفرنسية دراسة عن التأثير المحتمل لانحسار الساحل على قطاعات مثل السياحة والصيد، وشبهوه بالقنبلة الاجتماعية الاقتصادية التي لم تنفجر بعد. والوضع في دول المغرب العربي أكثر خطورة لأن عدد السكان المقيمين على الشاطئ أو بقربه كبير جداً، إذ يعيش نحو 40 بالمئة من سكان العالم قرب البحر.
تبلغ نسبة السكان المحليين المقيمين قرب الساحل في المغرب 65 بالمئة، أما في تونس فتقترب من 85 بالمئة. وتقع معظم المدن الكبرى في المغرب العربي على الساحل، ففي تونس -على سبيل المثال- يقع 90 بالمئة من الإنتاج الاقتصادي للبلاد عند الشاطئ.
في الواقع قد تكون زيادة التمدن وضغط السكان على الشاطئ من ضمن الأسباب الكثيرة لزيادة تآكل الساحل المتسارع. ويحتشد البشر والمباني على موارد طبيعية مهمة للحماية من تآكل التربة، مثل الأراضي الرطبة والنباتات والكثبان الرملية.
السبب الكبير الآخر لاختفاء السواحل هو ارتفاع مستويات البحر. لكن، وكما يقول خبراء، فالسبب الحقيقي وراء معاناة المغرب العربي من هذا التآكل الساحلي الهائل يقع بعيداً عن الشاطئ. ويذكر خبير في جامعة مونبيلييه أن الاختلاف بين المغرب العربي وشمال البحر المتوسط هو عدد السدود وعدد الأنهار، إذ يزداد حدوث التآكل بسبب عدم وجود أنهار وسدود كثيرة.
أظهرت دراسات في تونس والمغرب والجزائر تبحث في تاريخ الترسيب عند التقاء الأنهار مع البحر أن وجود سدود كبيرة يمنع وصول كميات ضخمة من التربة الى الشاطئ، والوظيفة الطبيعية للساحل في تشكيل الأرض ستشهد وصول التربة لتعظيم الساحل ومن ثم ستجرفه التيارات البحرية.
لكن شاطئ المغرب العربي يقع تحت ضغط عنصرين للتغير المناخي: الأول هو درجات الحرارة المرتفعة التي تسبب صعود مستويات البحر وغمر الساحل، وتؤدي الى ظواهر مناخية شديدة مثل الفيضانات والأمواج العاتية والرياح القوية.
العنصر الثاني هو تراجع معدلات الأمطار، ما يعني أن السكان المحليين في شمال إفريقيا يحاولون تخزين الماء العذب كلما سنحت لهم الفرصة لذلك من أجل توفيره لسكان المناطق الشاطئية المتزايدين ويحتاج ذلك الى بناء سدود إضافية.