ملاذ الأمين – تصوير : علي الغرباوي /
استقبل العراق في العام الماضي أكثر من مئة ألف سائح من دول أوروبية ومن الولايات المتحدة وأستراليا، إذ فاق هذا العدد بأكثر من 3 أضعاف عدد السياح الأجانب في العام 2020. وترجع أسباب هذه الزيادة الى استتباب الأوضاع الأمنية في البلاد، والى المكتشفات الآثارية الجديدة التي جرى الإعلان عنها في مناطق متعددة.
وتلعب وسائل التواصل الاجتماعي دوراً مهماً في الإعلان والدعاية، إذ ينشر السياح الذين زاروا مناطق متعددة من العراق فيديوهات مباشرة عن الأهوار والآثار والحياة الطبيعية في الأسواق والمدن، ما يمحو صورة الماضي التي زرعت الذعر لدى الأجانب الراغبين في زيارة البلاد.
وخلال زيارتي الى المتحف العراقي في بغداد، تجولت بين الصناديق الزجاجية التي تحتوي على منحوتات ورقم طينية وأوان فخارية ومخشلات ذهبية ورسومات، مع ملابس متعددة تعود الى أكثر من ألفي عام قبل الميلاد، وحتى الى قبل مئة وخمسين عاماً، حيث تيقنت أن تربة هذه البلاد تحوي مئات الأضعاف من الآثار تحتها، وأن ما يعرض هنا في المتحف ما هو إلا الجزء اليسير.
وانتبهت الى أن المعروضات لم تكتفِ بجانب معين لحياة العراقيين القدماء، بل إنها توزعت بين أساليب معيشتهم وأعمالهم وطرق تنقلهم، والأدوات التي استخدمت في الصيد والطبخ، وحتى أنواع الكراسي التي يجلسون عليها. وقد وضعت إدارة المتحف الى جانب كل أثر لوحة مكتوبة باللغتين العربية والإنكليزية تبين محتوى الأثر وعمرة التقديري والى أية حقبة تاريخية يعود.
معلومات جديدة
ومع كوني ابن هذا البلد، ولدي معلومات بسيطة عن تاريخه، إلا أن زيارتي للمتحف أكسبتني معلومات جديدة كنت أجهلها، منها أن غالبية آثارنا التي استخرجت نقلت الى ألمانيا وفرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة، بسبب أن التنقيب بدأ منتصف القرن التاسع عشر عام 1854 خلال فترة السلطة العثمانية في العراق، وكان الألمان أول من بادروا بالتنقيب، تبعهم البريطانيون ثم الجامعات الأميركية والفرنسية، وكان المنقبون يحملون ما يعثرون عليه الى بلادهم بقصد الدراسة والإدامة والمحافظة عليه، وحتى الآن يوجد الكثير من الآثار في متاحف وجامعات تلك البلدان.
ومن ضمن المعلومات التي اكتسبتها أن مسلة حمورابي ليست أول مسلة في العراق القديم كتبت فيها القوانين وطرق التعامل بين السلطة والشعب، بل سبقتها أكثر من مسلة فيها قوانين ووصف لطرق التعامل بين الأفراد والتجار والفلاحين ودور العبادة، ما يعني أن أجدادنا الذين اكتشفوا الكتابة والعجلة كانت لديهم دراية في إيجاد نظام يتحكم بالعلاقات بين الناس لضمان التقدم والحياة المستمرة تحت أطر السلام..
فمن مدن أور وبابل وآشور وأشنونا وميشا والكوفة والبصرة وسامراء وأربيل ونينوى والأنبار وكركوك انطلقت الحضارات، وكان أجدادنا يجتهدون في العمل لنقل تمسكهم بالحياة والسلام الى أحفادهم من خلال ما جرى تدوينه على الرقم الطينية والرقائق والأوراق والمجلدات والمنحوتات، وهذا بحق ما يميز العراقي عن غيره، كونه يحمل إرثاً يزيد عمره على أربعة آلاف عام.
عقلية محبة للسلام
ومن حق العراقي في زمننا هذا، وفي الأزمان المقبلة، أن يفتخر بأن أجداده الذين سكنوا هذه الأرض قبله كانوا بتلك الروح والعقلية المحبة للسلام والنظام والعدل.
ويعمل العراق على استرجاع الآثار التي نهبت بعد الاحتلال الأميركي للعراق، التي توزعت بين الدول وتباع في المزادات، وبعض الدول ادعت أنها آثارها، لذا فإن على الحكومة أن تهتم ببقية المواقع السياحية التي تساعد على تحريك النشاط الاقتصادي في البلاد، فالعديد من الدول تعتمد على السياحة في تحقيق إيرادات مالية عالية.
كما يساعد الاهتمام بالأهوار وتطويرها في نجاح السياحة، فهي تضم مستنقعات وبحيرات ضخمة تعتبر مواقع استراحة وتكاثر لأنواع عديدة من الطيور المهاجرة والأسماك، إضافة الى وجود حيوانات ثديية في المنطقة بعضها مهدد بالانقراض، كما تتميز الأهوار بوجود المياه والنباتات، ولاسيما القصب والبردي، إضافة الى تميز سكان الأهوار بنمط حياتي معيّن يختلف عن بقية سكان العراق.
إن تكثيف الدعاية والإعلان عن المناطق السياحية والآثارية العراقية في الدول الأوروبية وأميركا وشرق آسيا وشمال إفريقيا من شأنه أن يجذب عدداً كبيراً من الزائرين، ما يستدعي تهيئة العديد من الفنادق والمرافق الخدمية في المناطق المقصودة لاستقبالهم وضمان قضاء أوقات جميلة لا تنسى في مدن بلاد الرافدين.