خضير الزيدي – تصوير: صباح الامارة /
على بعد أكثـر من خمسين كيلومترا من جنوب غربي كربلاء، وفي منطقة صحراوية، يتنصب اثر تاريخي من بقايا الدولة العباسية، سمي يومذاك (بقصر الإخيضر)، ينسب في تشييده إلى الأمير عيسى بن موسى وهو من أبناء الأسرة العباسية يوم كانت عقارب ساعة الزمن تشير إلى سنة 778 للميلاد،وما تزال معالم هذا القصر المشيّد باقية تحمل بين جدرانها نفائس التاريخ وأهميته في حضارة العراق الأثرية. فما أن تدخل أروقة المكان حتى تنهال عليك الدهشة من حيث انفراده في التصميم والهندسة المعمارية بالإضافة لفخامة البناء وطريقة تشييده ليبدو لك القصر بشكله المستطيل الذي يحدّه سور بأبراج نصف دائرية يبلغ طول الضلع فيه 170 متراً محتوياً على بيوت صممت بشكل التناظر لينفتح القصر في بوابة خاصة تأخذك إلى دهليز قديم وعميق. وما أن تمضي بقدميك نحو الأمام متأملا معالمه وارتفاع جدرانه حتى تصل إلى فسحة كبيرة مكشوفة الفضاء ستعرف انك هنا بين أعمدة تاريخ الدولة العباسية حيث تقف بين فناء مزينة جدرانه بمحاريب تعلوها القبيبات. أشكال مختلفة ومتنوعة تجعلك تبحث في مدونات التاريخ كيف شيدت هذه الأقواس المزدوجة..؟ وكيف حافظت هذه القباب المتتابعة على شكلها ومحتواها الجمالي وبقيت رغم عاصف الزمن وتراب الصحراء؟ وما تأثير فاعلية الزمن ومؤثراته على حجارة هذا الصرح التاريخي ليغير من شكلها وينحت في باطنها رسما آخر ليخبرك أن ملمس هذه الحجارة يقودك إلى جوف تاريخك الإسلامي ويضيء لك مداخل بنايته فتعرف ان ذلك البناء استخدم كحصن للقلاع الحربية صمم من الداخل بشكل مستطيل بلغ طوله من الشمال إلى الجنوب 175 متراً وفي جهة الشرق إلى الغرب 163 متراً بينما بلغ ارتفاعه 21 متراً تحطيه أربعة أبراج قطر كل واحد خمسة أمتار، وتنحصر بين تلك الأبراج الداخلية أقواس صممت بشكل هندسي دقيق. وحينما تتأمل الاستخدامات التي عمل عليها لتساعدهم في الحرب والتحصين من أي اعتداء ستكتشف بأن الجدار الداخلي توجد فيه حنايا داخلية تطل منها مزاغل شاقولية وجدت لتستخدم في رمي السهام إذا ما تعرض ذلك القصر لأي هجوم وان أردنا الحديث عن مرافقه الداخلية فهي كثيرة تتألف من مسجد مستطيل الشكل تبلغ مساحته 24× 5 /15 مترا تجد فيه الأقواس المتتالية والزخارف الجميلة انتظمت بشكل زخرفي وهندسي بديع وإذا ما اقتربت أكثر لمعرفة تفاصيل مسجد ذلك القصر فستتوقف عند محراب الجامع فهو يكشف عن جانب روحي مضيء إما الأماكن الأخرى فخصصت للحرس والمعيّة مع وجود بهو بشكل مستطيل طوله خمسة عشر مترا وعرضه تسعة أمتار مع وجود بعض الدور وصالات للاستقبال، ولا غرابة أن تستوقفك ثمانية أبراج من الضلعين الغربي والشرقي وما أن تدير وجهتك حتى تجد خمسة أبراج أخرى لم تزل قائمة باتجاه القسم الجنوبي لا يوجد ما يثير الشك في فضاء هذا القصر فهو ينفتح على أربعة مداخل كبيرة كلها تخبرك أن التاريخ كان حاضرا مثلما حضرت العمارة الإسلامية وفنونها الجميلة
التوثيق وآراء الباحثين
منذ تشكيل الدولة العراقية في بداية عشرينات القرن المنصرم حتى اليوم وهذا الصرح التاريخي محل اهتمام المهتمين في الآثار الذين أكدو أن المكان يرجع لموقع تاريخي وتعزز العمل في الاشتغال والحفاظ عليه بأعمال الصيانة في حزيران من العام 1964 واستخدمت يومها السبل العلمية في عمليات التنقيب من خلال طريقة كاربون 14 أو كاربونات البوتاسيوم في تحديد تاريخ الأثر وكلها بواسطة خبراء أجانب. ويدون لنا تاريخ المستشرقين والرحالة الغربيين بان أول من اكتشف القصر هو الرحالة الإيطالي بتروديلا فـيـلا سـنة 1625 ثم مر به الرحالة تافرنيه سـنة 1638 ويذهب نفر من الباحثين إلى الاختلاف في أصل المكان وتاريخ بنائه فمنهم من يرجح مرحلته إلى حكم الساسانيين مثلما اعتقد ماسنيون عام 1933 ومضى على رأيه الدكتور العلامة مصطفى جواد سنة 1947 حينما كتب في مجلة سومر بان المكان (اثر من آثار الساسانيين وطرز العمارة فيه بعيدة عن العمارة العربية). أما العلامة السيد شكري الآلوسي فيؤكد أن كلمة الإخضير محرفة من الإكيدر وهو من أمراء كندة فالقصر في هذه الحالة يرجح تشييده إلى فترة ما قبل الإسلام، وتذكر لنا مصادر التاريخ بأن قسما من الآثاريين الغربيين ومنهم كريترود بل أنجزت بحثا مطولا عنه عام1909 مشيرة إلى انه يمتلك خصائص العمارة الإسلامية الأموية المتأخرة. تضاربت آراء الباحثين في الشأن التراثي والتاريخي فنقرأ بحثا لكريسويل مفاده بان هذا القصر والحصن يرجع إلى العصر العباسي وان من شيده هو ابن أخ السفاح المنصور عيسى بن موسى ويسند رأيه بأدلة علمية آثارية مقارنة بالأشكال الإسلامية الأخرى.
ومهما تعددت الآراء العلمية فإن أهمية المكان تزداد يوما بعد يوم فهو نمط من عمارة لم تعد أركانها قائمة مثلما كانت في سالف الأزمان.