صلاح حسن/
يبدو ان السيدة ميركل كانت تلميذة نجيبة للمستشار الألماني الكبير هلموت كول الذي قال ذات مرة يرد على منتقديه حول قبوله للاجئين “هؤلاء سفراؤنا الى بلدانهم في المستقبل” حين استقبلت هذا العدد الكبير من اللاجئين من الشرق الأوسط، فقد يكونون بالفعل في المستقبل سفراء المانيا الى بلدانهم، اذا استطاعوا ان يغتنموا هذه الفرصة العظيمة.
حادثة مدينة كولن الألمانية عشية رأس السنة الجديدة حول التحرش أو الاغتصاب الذي مارسه بعض طالبي اللجوء كانت مناسبة ذهبية للاعلام الأوروبي لكي يصب جام غضبه على الجميع من دون استثناء.
اغلب نشرات الأخبار تخصص الخبر الأول في جميع نشراتها عن اللاجئين واعدادهم وجنسياتهم والأخطاء التي يرتكبونها بقصد أو من دونه وتبث أفلاما خلال تغطيتها لهذه الأخبار تظهر بعض اللاجئين كما لو انهم حيوانات. صحيح ان هناك الكثير من اللاجئين يتصرفون كالحيوانات بطريقة غير واعية لأسباب نفسية وثقافية، لكن الاعلام الأوروبي يتناسى هذه القضية ولا يعيرها اية اهمية لانه يريد ان يبقي الشارع الأوروبي رافضا لوجود اللاجئين.
تحقيقات الشرطة في مدينة كولن تقول ان اغلب الذين قاموا بالتحرش هم من دول شمال افريقيا والقليل من الشرق الأوسط وافغانستان وجل هؤلاء من المقيمين أو المقيمين غير الشرعيين، فضلا عن اللاجئين الجدد. لكن اللوم كما يريد الاعلام الأوروبي ينصب على هؤلاء القادمين الجدد فقط ويحملهم أخطاء اكبر من الواقع لانهم دخيلون على الثقافة الأوروبية. صحيح انهم دخيلون على الثقافة الأوروبية لكن لماذا لم يتساءل أحد عن الحرب الطاحنة في سوريا والعراق وليبيا واليمن وداعش التي تعيث فسادا في البلاد والعباد وتقطع الرؤوس؟
اللاجئون الذين يصفهم الاعلام الأوروبي بالحيوانات والوحوش احيانا لا يشير الى مأساتهم التي عاشوها في بلدانهم قبل ان يصلوا الى البلدان الأوروبية ولا يشير الى العذاب الذي عانوه وهم يقطعون البحار بمراكب رخوة برغم ان صور الغرقى تملأ الصحف والتلفزيونات كل يوم. النتيجة المنطقية جراء هذا الاصرار على وصف اللاجئين حرك الشارع الأوروبي ضدهم واصبح الكثير من الدول الأوروبية ان لم نقل اغلبها يطالب بطردهم من هذه البلدان.
في بريطانيا مثلا تطلى أبواب البيوت التي يسكن فيها لاجئون باللون الأحمر لكي تكون معروفة للمتطرفين ورافضي وجود اللاجئين حيث يتعرضون الى ممارسات عنصرية وازعاجات يومية لكي يتركوا بيوتهم. حتى في هولندا المتسامحة اصبحت مضايقة اللاجئين ظاهرة يومية على الرغم من انهم يعيشون في معسكرات خارج المدن. باتوا يعلقون على الأشجار المقابلة لهذه المعسكرات خنازير ميتة أو يعلقون لافتات تقول: لا مكان لكم بيننا.
على العكس من كل ذلك ومن خلال رؤية منطقية يقول صندوق النقد الدولي ان وجود هؤلاء اللاجئين اليوم في اوروبا، هذه القارة العجوز سينعش الاقتصاد في الفترة القريبة القادمة لوجود خبرات وطاقات شابة كثيرة بين هؤلاء اللاجئين يمكن الاستفادة منها في تحريك عجلة الاقتصاد البطيئة. فهل يا ترى سيستمع الاعلام الأوروبي الى مقولة المستشار الالماني هلموت كول ويسير على هديها كما فعلت المستشارة ميركل؟
مثال بسيط نضعه أمام انظارهم: قبل اسبوعين فقط تم انتخاب السيدة المغربية خديجة عريب رئيسة للبرلمان الهولندي وهي عربية مسلمة من المغرب.