علي عبد الخالق/
تقدم قناة العراقية أسبوعياً برنامجاً متميزاً عنوانه “في قبضة القانون” يعده ويقدمه الإعلامي أحمد حسن ويخرجه الفنان رامي اللامي، تعرض فيه اعترافات إرهابيي داعش التي يروون فيها قصصاً عن الجرائم التي ارتكبوها. “الشبكة” تعيد نشر هذه الاعترافات بعد تحريرها:
يقول إنه كان شاباً عادياً، يتابع مباريات كرة القدم لمنتخب بلاده، يلعب “البلي ستيشن” هناك في مدينة فاس في المغرب، حتى قلب أخوه الكبير حياته وحياة اخوته الى الأبد.
يتحدث يونس محمد العربي المنوني (أبو يحيى المغربي) 29 عاماً، وهو أحد الانتحاريين العرب في تنظيم داعش عن قصته في الانتماء للفكر السلفي الجهادي حتى سفره الى حلب السورية ودخوله الموصل العراقية ثم هيت وصولاً الى حيث تم القبض عليه من قبل الجيش العراقي في جزيرة الخالدية في الفلوجة.
الاخ الأكبر قلب حياتنا
يقول يونس: لدينا في المغرب ثلاث جماعات ممن نطلق عليهم “أصحاب اللحى”، وهم العدل والإحسان، الهجرة والتكفير، والسلفية الجهادية، كانوا يكسبون الشباب الى السلفية الجهادية عبر الدعاة في المساجد والدعاية الإعلامية للقنوات المحرضة هناك.
أسرتنا بعيدة كل البعد عن هذا الفكر، ووصل الحال بأخي الكبير عبد النبي المكنى بأبي عثمان المغربي، الى التردد على المسجد القريب منا بمنطقة حي المسيرة في نسودين، وهو أحد هذه المساجد التي تدعو للسلفية الجهادية وتعمق معهم. بدأ بتطبيق فكره وفرضه داخل البيت، حتى منع علينا الاختلاط مع الفتيات من قريباتنا أو مصافحتهن، ثم منعني من الدراسة لأنها تنافي المنهج الذي يتبعه وكذلك لأن الدراسة في المغرب لا تفصل بين الإناث والذكور في مختلف المراحل.
بداية التطرف
ويمضي يونس: في 2003 حدث تفجير في الدار البيضاء، اعتقل أخي وحكم عليه بالسجن خمس سنوات، في هذه الأثناء اتجهت أنا الى ترتيب حياتي، بدأت بالعمل وتزوجت وصار عندي أبناء، وحين خرج عبد النبي من السجن كان وقتها قد تزوج، اذ تمنح الحكومة المغربية الحق للسجناء بالزواج وهم قيد الحكم.
عندما بدأت أحداث سوريا 2011، تأثر أخي الكبير بالدعاية المنتشرة في المغرب بضرورة الحرب على نظام الأسد لقتله الأبرياء وأعد العدة للذهاب الى سوريا برفقة أخي الأصغر عادل.
شاهدت وقتها على قناة الجزيرة إعلان التنظيم لدولته، كنت حينها أتواصل مع عادل الذي شجعني على المجيء لسوريا مع عائلتي “لأنها دولة إسلام حقيقي”، كما قال لي. وفي آيار 2015 تجهزت للسفر لأخذ أسرتي من الدار البيضاء الى اسطنبول ثم غازي عنتاب التركية للسياحة، تمويهاً على وجهتنا الحقيقية وهي عبور الحدود السورية.
رحلة “بتسهيلات تركية”
بتوجيه من مهرب تركي تلقانا في المطار سلمنا الى مغربي في غازي عنتاب، اقمنا مع مصري وطاجيكي كانا مع اسرتهما لنفس السبب، ثم عبرنا الحدود السورية التركية بتكسي تركي تم التنسيق معه عبر خلايا التنظيم، وأثناء عبرونا الحدود ليلاً كشفتنا احدى الدوريات التي عزلت النساء عن الرجال واخذوا هواتفنا، لكن مهربنا السوري تحدث معهم وتركونا ندخل الأراضي السورية ووصلنا الى حلب.
صباحاً، استلمنا أحد الأمراء وأخذ منا أوراقنا الثبوتية والجوازات، وأخذنا الى منطقة باب ليمون في حلب في احدى المضافات للتجمع مع العديد من الجنسيات العربية والأجنبية، الأغلبية كانوا عزابا، حتى اخذونا لاحقاً الى الرقة في رحلة استمرت ثلاث ساعات.
التدريب في الرقة
وضعونا في ما يسمى “جيش الخلافة” حيث تقتصر المهام فيه على تقديم الدعم للمقاتلين، بينما وزع آخرون على “جيش الولاية” الذي يتولى حراسة المناطق التي يسيطر عليها التنظيم.
ألتقيت أخي الأصغر عادل وقد تزوج من سورية، قال لي أن أسرتك ستبقى مع عائلتي هنا فيما ستبدأ أنت التدريب، بدأنا بتلقي الدورات العقائدية لنحو ثلاثة أسابيع والتي “تضمن عدم الهرب من ساحة المعركة”، قالوا لنا بأن الدول التي سنقاتلها ليست إسلامية، تلقيت بعدها دورات عسكرية على الأسلحة المتنوعة لمدة 35 يوماً، بعدها صنفت ضمن الفرقة الهندسية في “جيش الخلافة”، اخذونا الى عدة مناطق لزرع الألغام والعبوات، في جيزل في تدمر وطريق خناصر في حلب.
مقتل الأخوة الثلاثة
– في 2014، قتل أخي الأكبر عبد النبي المنوني في دير الزور، أثناء اشتباك مع فصائل سورية أخرى، في ذات العام قتل أخي الأوسط المختار المنوني، والذي جاء بعدي الى العراق، بقصف جوي على الموصل، وبلغت لاحقاً وبشكل غير مباشر أن أخي الأصغر عادل المنوني قتل أيضاً في عملية انتحارية ضد القوات العراقية في معارك صلاح الدين/ بيجي، لكني بدأت أشك، إذ أن عادل لم يبلغني أنه سيكون انتحارياً، وفكرت في أنه قتل على يد التنظيم بعد سجنه بتهمة الخيانة وعدم الوصول الى مرحلة الولاء الكامل.
جهزوني انتحارياً
أيقنت بضياع مصيري واستحالة عودتي الى المغرب، ولهذا تركت زوجتي والأطفال في الرقة، وطلبت من مسؤول كتيبتنا العراقي أن أقدم نفسي كأنتحاري ووافق على طلبي.
عرضوا علينا شرائط فيديو ومحاضرات عن العمليات الانتحارية التي تضمن دخول الجنة، واخذوني لاحقا للإقامة في مضافة تجهز الانتحاريين لكل العمليات في العراق وسوريا، وصلت من الرقة الى الموصل ثم هيت عبر الصحراء بعدها بأيام انتقلنا ليلاً عبر الزورق الى مضافة في حي نزال في الفلوجة مع انتحاريين سوري وشيشاني حيث منعنا من الخروج الى أي مكان.
لم لكن أعرف السياقة لقيادة سيارة مفخخة، وطلبت منهم أن يعلموني السياقة، وأرادوا أن أكون انغامسياً بحزام ناسف لكني رفضت لأني كنت بديناً، وطلبت العودة الى الموصل للقاء عائلتي بعد شهرين من الجدال مع مسؤول الانتحاريين والسأم من الانتظار وقلة الطعام.
حصار الفلوجة
بعد أن استطاع الجيش العراقي محاصرة مدينة الفلوجة، بقينا بحالة جوع كبيرة وكذلك حال الناس، كان التنظيم يقتل كل من يحاول الخروج بحثاً عن الطعام، فيما كان الأمراء يعيشون في مكانة عالية واستخدموا العوائل كدروع بشرية. صدرت الأوامر بالخروج الى جزيرة الخالدية في رتل كبير يضم العائلات أيضاً، لكن تم قصفنا من قبل الطيران العراقي، قتل في سيارتنا طاجيكي وعراقي، وعندما اعادوني مصاباً بشظية في البطن، رفضوا علاجي حيث قال لي أحدهم “ما بيك شي”، كانت القوات العراقية قد حاصرتنا من كل الجهات وبدأ الجميع بمحاولة انقاذ نفسه.
الاختباء ستة أشهر
هربت بعدها الى منطقة الملاحمة حيث اختبأت في احدى المنازل المهجورة، لكن وصول القوات العراقية الى المنطقة اضطرني الى الهرب مرة أخرى الى دار أخرى مكثت فيها لمدة ستة أشهر متواصلة، اعتمدت خلالها على الخروج ليلاً لشرب الماء من خزان قريب والأكل من تمر النخلات القريبة، وبعد انهياري النفسي، في نهاية الشهر الماضي قررت الخروج بانتظار عمليات التمشيط للجيش العراقي وسلمت نفسي.