رفاه حسن /
مع التطور الكبير الحاصل في العالم اليوم جرّاء التطور والنمو السريع للتكنولوجيا عامة، ولتكنولوجيا المعلومات على نحو خاص، كان لابد من العمل على نظام دفع مالي يتناسب مع هذا التطور لتلبية الحاجة المتزايدة لتقنيات من هذا النوع، وبالتحديد بعد توجه كثير من الشباب للتعلم والعمل والشراء أون لاين، ما يعني الحاجة إلى طرق دفع تلبي كل تلك المتطلبات وغيرها.
لذلك ظهرت فكرة العملة الرقمية. لكن الأمر لا يقتصر على فكرة تلبية حاجة الدفع الإلكتروني المتزايدة فهي ليست جديدة، كما أن هناك كثيراً من الطرق للدفع الإلكتروني غير العملة الرقمية، لكن الأمر كان يتمثل بتوفير حماية أكبر للمستخدمين ولتعاملاتهم المالية على شبكة الإنترنت. من هنا جاءت فكرة البتكوين Bitcoin التي تعدّ نظام دفع إلكتروني متكاملاً، وهو أول شبكة دفع لا مركزية يديرها إدارة تامة المستخدمون أنفسهم دون الحاجة إلى أية سلطة مركزية مثل الحكومات والبنوك، إذ أنها تعمل بنظام الند- للند peer-to-peer.
ويعدّ البتكوين Bitcoin أول تطبيق عملي لمفهوم العملة المشفرة cryptocurrency التي أعلن عنها عام 1998 Wei Dai ثم بعد ذلك، وفي عام 2008 نشر شخص يدعى Satoshi Nakamoto ورقة بحثية شرح فيها طريقة عمل البتكوين Bitcoin. بعد ذلك بعام واحد فقط قدم Satoshi شبكة البتكوين للعالم عام 2009 بالتحديد. ومن المعروف أن نظام البتكوين مفتوح المصدر، بما معناه أن أي مبرمج أو مطور برامج قادر على الاطلاع على الكود المصدري للنظام والتطوير فيه، وهذا ما حدث بعد أن ترك Satoshi النظام، إذ قام مطورون من كل انحاء العالم بالعمل عليه وتطويره.
شهدت عملة البتكوين Bitcoin مع نهاية العام الماضي ومطلع العام الحالي ارتفاعاً غير مسبوق في قيمتها على مستوى العالم، فقد تجاوزت قيمتها الـ 30 ألف دولار. أما على المستوى المحلي فقد وصلت قيمتها في الرابع من شهر كانون الثاني الجاري إلى 50 مليون دينار عراقي، لكنها ما لبثت أن انخفضت إلى 46 مليون دينار، وربما هذا أكثر ما يخيف المستثمرين من التعامل مع هذه العملات بسبب عدم استقرارها، لكنها أصبحت حديث الناس في الآونة الأخيرة بسبب الصعود السريع والمفاجئ لها، ويعود ذلك لأسباب عدة كما يوضح الخبراء والمراقبون، أولها كان جائحة كورونا التي ربما يراها كثيرون كارثة في شتى النواحي، وتتعدى كونها وباءً فقط، لأنها أدت إلى إيقاف كثير من النشاطات والفعاليات والأفكار والأعمال التي كان يخطط لها كثيرون أو يتوقعونها مع الوصول إلى عام 2020، غير أن كورونا جاءت مخالفة لكل تلك التوقعات، لكن هذا لاينطبق على عملات البتكوين، فلقد كانت جائحة كورونا عاملاً رئيساً في ارتفاع قيمة هذه العملة، ويرتبط ذلك بزيادة التعاملات المالية الإلكترونية بعد أن أجبرت الجائحة كثيراً من الناس على التعلم والعمل والشراء أون لاين، وقد أدى ذلك إلى زيادة عدد المحفظات الإلكترونية بشكل كبير، وكان لذلك تأثير جيد على تداول كل أنواع العملات الرقمية، وليس حصراً على البتكوين فقط.
أما السبب الثاني فهو اهتزاز النقود التقليدية في عدد من الدول حول العالم، وكان الحل الوحيد هو اللجوء إلى بديل آمن، ولا يوجد ما هو أكثر أمناً من شبكة البتكوين للتعاملات المالية على شبكة الإنترنت، ويعزى سبب ذلك إلى ارتفاع قيمة البتكوين إلى عديد عملاته الموجودة في العالم، إذ بلغ عديدها 21 مليون عملة صدر منها 18 مليوناً فقط حول العالم، وهو عدد قليل جداً، لكن ندرتها هذه جعلت قيمتها ترتفع. كما أن عملية تعدين العملات تعد عملية صعبة ومكلفة، فعلى الرغم من أن عملية التعدين ليست مستحيلة نظرياً، إلا أنها صعبة التنفيذ، وهذا هو السبب الثالث لارتفاع أسعارها نتيجة زيادة التعامل بهذه العملة حول العالم طوال الفترة الماضية.
أما على المستوى المحلي، وعلى وفق ما يرى الخبراء، فإن عدداً لا بأس به من العراقيين يتعاملون مع هذه العملة لقضاء تعاملاتهم المالية الخارجية، وذلك يعود إلى أن البنك المركزي العراقي قد منع التعامل بهذه العملة داخل البلد وتم تضمينها ضمن عمليات غسل الأموال حسب الإعلان الذي أصدره البنك، الذي ينص على: “أن عملة البتكوين هي عملة إلكترونية افتراضية تتداول عبر الإنترنت فقط دون وجود مادي لها وتستخدم للشراء عبر الإنترنت وتدعم الدفع باستخدام بطاقات البتكوين، أو قد تحول إلى العملات التقليدية في بعض الأحيان، وبالتالي فهي تنطوي على مخاطر عدة قد تنجم من تداولها، ولاسيما فيما يتعلق بالقرصنة الإلكترونية والاحتيال، وعلى الرغم من عدم وجود رواج لها داخل العراق إلا أننا نؤيد إصدار إعمام كهذا بعدم استخدامها وإخضاع المتعاملين بها لأحكام قانون غسل الأموال رقم (39) لسنة 2015 والقوانين ذات العلاقة بهذا الخصوص.”