التأمل الذهني وسيلة إيجابية للتخفيف من الضغوطات

#خليك_بالبيت

جي.دي. وارن – ترجمة: آلاء فائق /

تنوعت وسائل الإنسان بتسلية نفسه لدرء شبح انتظار الأخبار السيئة، ومنها لجوؤه لسماع الأغاني الشعبية بما فيها من كليشيهات مكررة ومملة، ولكنّها ليست الدليل الوحيد الذي يبين أن الانتظار المصيري هو الجزء الأصعب بحياة كثير من الناس. فالكثير من البحوث دعمت ذلك أيضاً؛ أو على الأقل قد يكون انتظار الأخبار السيئة بنفس صعوبة تلقيها.
يحاول الناس القيام بالكثير من الأشياء للتخفيف من معاناتهم التي تأتي مع انتظارهم درجات الامتحانات أو انتظارهم نتائج اختبارات المستشفى أو نتيجة مقابلة العمل، فهم يحاولون بكل وسعهم تشتيت انتباههم والبقاء إيجابيين قدر المستطاع، فهم يستعدون للأسوأ.

تكتيكات لدرء شبح الانتظار
درست خبيرة “القلق والانتظار” بجامعة كاليفورنيا، ريفرسايد، البرفسور كيت سويني في بحث سابق أجرته لمعرفة فعالية تلك التكتيكات التي يلوذ بها الإنسان لتخفيف قلقه من شبح الانتظار. وجد بحثها أن أيا من تلك الأساليب لا يعمل. فتكتيكات كهذه لا تفشل فقط بتقليل الضيق الذي يعاني منه المرء، لا بل يمكنها أن تأتي بنتائج عكسية وتجعل الأمر أسوأ مما كان متوقعاً.
ولكن الآن، وجد بحث سويني شيئاً آخر يمكنه مساعدة الناس التي استنزفها قلق الانتظار، وهو استكمال تلك الاستراتيجيات غير الفعالة بتأمل “اليقظة الذهنية”، أي التركيز على الحاضر باستخدام التأمل.
في مجلة “الشخصية وعلم النفس الاجتماعي”، يؤكد البحث الذي تموله المؤسسة الوطنية الأميركية للعلوم أن اليقظة الذهنية هي نوع من الترياق لـ “لعنة” الانتظار، المنحصرة بتركيز تفكير المرء في ماضيه أو مستقبله، وتمثلها أسئلة مثل “لماذا قلت ذلك؟” و”ماذا سيحصل لو لم تسر الأمور على ما يرام؟”

حلول لتفادي السفر الذهني عبر الزمن
تقول سويني، وهي بروفيسور مساعد بعلم النفس بجامعة كاليفورنيا، “نحاول التنبؤ بمصيرنا واستعادة شعورنا بالثقة والسيطرة على توازن حياتنا”. “تعلمنا من الكثير من البحوث أن الاجترار النفسي (تكرار التفكير بأحداث الماضي) والقلق النفسي (معاودة التفكير بالمستقبل) أمر مزعج للغاية بل إنّه ضار بصحتنا ورفاهيتنا، لذلك من المهم البحث عن حلول لهذا الشكل المؤلم من السفر الذهني عبر الزمن ” Mental Time-travel”.
تبين سويني، من الأفضل التركيز على الحاضر، وتقبل أفكارك ومشاعرك عند ظهورها بدلاً من الانخراط في تكتيكات لتجنبها. هذا يعني أنّك ستتعامل مع مشاعرك بشكل مختلف، لا بل وبشكل أكثر فعالية.

مضار استطالة التفكير السلبي
أجريت سويني الدراسة باستخدام 150 طالب قانون من ولاية كاليفورنيا، إذ خضعوا جميعهم لاختبار القبول بنقابة المحامين وكانوا ينتظرون نتائجهم التي بثت عبر الانترنيت بعد انتظار طويل دام أربعة شهور، أكمل الطلاب سلسلة من الاستبيانات بفترة انتظارهم.
فتبيّن أنّ سيناريوهات “الانتظار” كانت أكثر إرهاقاً من اختبار نقابة المحامين نفسه، وما من شكّ أن استطالة التفكير السلبي قد تؤدي للوفاة. من خلال مراجعة العديد من نماذج البيانات التي جمعتها سويني وفريقها تم تمثيل حجم الضائقة.
يقول أحد الطلاب: “كنت أعاني من تداعيات عدة كوابيس، جميعها كانت تتمثل بعدم استطاعتي تحديد ما إذا كنت قد نجحت أو فشلت في امتحان المحاماة وأمضيت أغلب أحلامي بمحاولة لمعرفة النتائج، هذا النوع من الكوابيس كان يلازمني مرة كل أسبوعين بعد انتهاء الامتحانات”.
يتابع الطالب “مرضت، وكنت قد أصبت بما يشبه حمى الأنفلونزا، وأعتقد أن سبب ذلك هو أن مستويات القلق لدي كانت تتراكم ببطء تدريجي! كنت أفكر مراراً وتكراراً بنتائج الاختبار”.

التأمل الذهني اليقظ
خلال فترة الانتظار التي استغرقت أربعة شهور، طُلب من الطلاب المشاركة في جلسة تأمل بتوجيه صوتي مدتها 15 دقيقة مرة واحدة على الأقل في الأسبوع.
وجدت سويني أن التأمل الذهني اليقظ يعمل على تأجيل ظاهرة “الاستعداد المصيري”. وهو استعداد المرء أساساً لمواجهة الأسوأ. يُظهر البحث السابق الذي أجرته سويني وآخرون..صحيح أنّ “الاستعداد النفسي” يمكن أن يكون أسلوباً تقنياً فعالاً لإدارة التوقعات، لكن فوائده تتآكل عندما يحدث بوقت مبكر جداً في عملية الانتظار.

الاستعداد لتلقي الأخبار السيئة
تقول سويني: “صحيح أنّ التفاؤل يشعرنا بالارتياح؛ لكنه يقودنا لحالة أسوأ تتمثل في استعدادنا لوابل من الأخبار السيئة”. “من هنا يأتي التعزيز. في عالم مثالي، سنكون متفائلين لأطول فترة ممكنة للحصول على كل المشاعر المريحة التي يمكننا الحصول عليها من افتراض الأفضل، ثم نستعد للأسوأ في لحظة الحقيقة. بالتأكيد نحن مستعدون للأخبار السيئة”.
لطالما تم التأكيد على فوائد التأمل الذهني، لكن سويني تؤكد أنّ هذا هو البحث الأول الذي أثبت فعاليته في التعامل مع الانتظار.
تشير سويني “نحن نعلم أنّ التأمل هو طريقة رائعة لتقليل الإجهاد والتوتر اليومي، ولكن دراستنا هي الأولى لمعرفة ما إذا كان التأمل يسهل أيضاً انتظار الأخبار المهمة على المستوى الشخصي. هذه الدراسة هي أيضاً واحدة من أولى الدراسات التي تحدد أي استراتيجية يمكن أن تساعد الناس على الانتظار على نحو أفضل، وهذا يظهر أيضاً أنّه حتى التأمل القصير يمكن أن يكون مفيداً”.

أسلوب اليقظة الذهنية غير مكلف
تتابع سويني: أفضل ما في الأمر هو أن أسلوب اليقظة الذهنية لا يتطلب تدريباً ولا مالاً، لا بل إن كل ما يتطلبه هو القليل من الوقت والجهد، منوهة “التأمل ليس متاحاً للجميع، لكن دراستنا تظهر أنّه ليس عليك أن تكون متأملاً طوال الوقت أو أن تذهب لمعتكف منعزل وتستغرق بالتأمل والرياضة الروحية للاستفادة من اليقظة الذهنية ساعات طوالاً”.
تختم حديثها: “على الإنسان القلق أن يتأمل 15 دقيقة فقط مرة واحدة في الأسبوع، وهي متوسط مقدار التأمل الذي يمارسه المشاركون لدينا وكان كافيا للتخفيف من ضغوطات وطأة الانتظار”.

طرق الحصول على اليقظة الذهنية
كن صديقًا لنفسك
أولى خطوات تحقيق اليقظة الذهنية هي أن تصبح صديقاً لنفسك، فالكثير من الناجحين والبارزين، هم ممن يعملون على حساب أنفسهم وصحتهم ورفاهيتهم، فتعدد وكثرة المهام يمكن أن يصبح عدوَّاً لليقظة الذهنية، يذكر أن المحاسبين هم من بين الأكثر عرضة لتأثيرات تعدد المهام المدمرة.

تخصيص دقائق معدودة صباحا للتأمل
من حسن الأمور أن اليقظة الذهنية لا تستغرق الكثير من الوقت حتى تصبح مُفعلة، فما عليك سوى تمضية ربع ساعة يومياً في التأمل الذهني، فقط كي تصبح أقل توتراً وأكثر راحة واسترخاء.
في البداية، حاول تجنب التأمل لفترات طويلة من الوقت، بضع دقائق من التأمل في بداية كل يوم كافية جدّاً.
تمتع بقسط من الراحة وسط زخم العمل
عندما يصبح يوم العمل ساحقاً ويبدأ الإجهاد والتوتر، لا بأس من التوقف قليلا لالتقاط الأنفاس، فكر في الأشياء التي يجب أن تكون ممتنَّاً لها، صحتك، أصدقاءك والعائلة، تمتعك باستراحة مصغرة سيساعد في تخفيف الضغط وتوفير التجديد والانتعاش لك.
تحقق من الحصول على فترة راحة مرة واحدة على الأقل منتصف النهار، حتى لو كانت لبضع دقائق، تفادى تصفح الأنترنيت بهذا الوقت، يُمكنك الذهاب خارج المكتب، واستمتع فقط باللحظة الحالية، فكر بكيفية سير اليوم، وتجنب التفكير فيما يجب القيام به بعد ذلك.
المحافظة على نظام غذائي صحي ومتوازن
تفادى تناول الكثير من الأطعمة السكرية أو الدهنية، لأن هكذا أغذية لا تؤثر فقط على محيط الخصر، لكن تؤثر في العواطف والمشاعر العامة للرفاه، الأكل الصحي يحفز العقل والجسم على الشعور بالتحسن والراحة أكثر.
لا تنسى عند تناولك لهذه الوجبات الصحية، ممارسة التأمل، أوقف تشغيل التلفاز، أغلق الحاسبة، واستمتع بتناول وجبتك الهنية.

فكر بالآخرين مثلما تفكر بنفسك
خذ وقتا كافيا للتفكير بالآخرين وضعهم في اعتبارك، ولا تتردد بفعل شيء لطيف لشخص آخر، فالعطاء ومساعدة الآخرين هو النشاط الأكثر اتساعاً الذي يمكن للمرء المشاركة فيه.
ممارسة اليقظة الذهنية، تدفع بالمرء للرحمة، ففي إحدى الدراسات كان طلاب الجامعات الذين مارسوا التأمل الذهني أكثر قدرة من غيرهم، ممن لم يُمارسوا التأمل على التخلي عن مقعدهم بغرفة انتظار مزدحمة ليجلس فرد معاق.

عن موقع مديكل اكسبرس