التسامحُ خطوةٌ كبيرةٌ نحو السعادة

أنسام الشالجي /

قد تكون كلمة (السعادة) هي الأكثر ترديداً أثناء أحاديثنا العائلية أو مع الأصدقاء، الكل يبحث عنها، فهناك من يجد السعادة في الحب، وآخر في المال، وثالث في الاستقرار، ومهما كانت مصادر السعادة إلا أنها تبقى هدفاً..
يسأل النصيحة
نتفق جميعاً في أن الوصول إلى الإحساس بالسعادة ليس سهلاً، لكن تبقى الخطوة الأهم إليها هي التصالح مع النفس، فهو طاقة إيجابية تعيننا في رحلتنا نحو السعادة.. بدأت فكرة هذا الموضوع أثناء قراءة رسالة من (محمد) -اسم غير حقيقي، طالب جامعي، كلية اللغات، ٢٣ سنة-، قال فيها إنه تردد كثيراً قبل أن يسأل النصيحة في كيفية التعامل مع زملائه الذين بدأوا يتنمرون عليه لأنه سامح طالباً كان قد تجاوز عليه أمام جمع من الطلبة أثناء مناقشة الأسئلة بعد الانتهاء من أداء امتحان مادة (النقد). يقول محمد: “وصفني هذا الطالب بالغبي ولم أرد عليه، بل اكتفيت بالانسحاب.”
وحين عاد إلى البيت راجع نفسه مفكراً بالأسلوب الذي سيرد به عليه مع الاحتفاظ بكرامته وبدون الإساءة إلى كرامة زميله المسيء في الوقت نفسه، فتوصل إلى أن التسامح هو الأسلوب الأفضل. وفي اليوم التالي شاهده واقفاً مع زملائه وبادر بالسلام عليه ومدّ إليه يده مصافحاً، ولم يكن يتوقع أن يعدّه بعض الزملاء ضعيف الشخصية ولا يعرف كيف يرد (الصاع صاعين)! ويضيف: “شعرت بسعادة من موقفي، فالتسامح منحني راحة بال ورضاً نفسياً، باختصار شعرت بأنني متصالح مع نفسي حتى إن لم يقدِّر الناس موقفي هذا الذي منحني إحساساً بالسعادة.”
كان جوابي له بأنه لجأ إلى الأسلوب الأمثل في رده على الإساءة وفي أن يجعل التسامح أسلوب حياته، وطبعاً ليس في كل المواقف، فمثلاً لا يَحسُن التسامح مع طالب يورطه في الغش أو مع فاسد يضر به وبالآخرين.
التسامح يساوي السعادة
لم يكن محمد مبالغاً في قوله إن التسامح منحه إحساساً بالسعادة، فللتسامح طاقة إيجابية هائلة، وهناك أوامر إلهية تحث عليه في القرآن الكريم والكتب السماوية الأخرى، وللمثال وليس الحصر، نشير إلى الآية الكريمة التي يقول فيها (عزّ من قائل): (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّـهِ) صدق الله العظيم- سورة الشورى، الآية ٤٠، وهناك عشرات الأحاديث النبوية الشريفة عن التسامح، من بينها الحديث الشريف (أحبَّ اللهُ عبداً سَمحاً إذا باعَ وسَمحاً إذا اشترى وسَمحاً إذا قَضى وسَمحاً إذا اقتضى).
قوة التسامح
ربما هناك من سيقول إن مسامحة الآخرين ليست بالمهمة السهلة، ولاسيما في مجتمعاتنا التي تخشى القوة وتنظر إلى القوي بالعين الكبيرة وتهابه حتى إن كان على خطأ، ويتناسى هؤلاء أن للتسامح قوة تفوق أية قوة أخرى وترغم المجتمع على احترام المتسامح وتقديره وليس القوي الذي يعتمد إما على الفساد أو الخروج على القانون والاحتماء بظل قريبه المسؤول، مثلاً.
قرار خاطئ وتسامح
ولكتابة هذه المادة، أقمت ورشة عمل صغيرة وسريعة عن التسامح، الورشة كانت عن بعد طبعاً للالتزام بالتوجيهات الصحية في مواجهة الوباء، وتعمدت دعوة (أم أحمد) -طبيبة، ٥٥ سنة-، و(أم شمس) -معلمة متقاعدة، ٦٢ سنة-، (الأسماء هنا رمزية لأشخاص حقيقيين) إلى إدارة الورشة لسببين؛ الأول أنهما من المشاركات الدائمات في ورش العمل التي تُدرب على اكتساب الطاقة الإيجابية التي تفيد الإنسان والمجتمع، والثاني أننا بالصدفة في إحدى ورشنا عن علاقات الحب أثناء الدراسة الجامعية، اكتشفنا أن أحمد وشمس، ابن الأولى وابنة الثانية، ارتبطا بعلاقة حب اثناء الدراسة الجامعية، ولكن بسبب رفض أم شمس لأحمد، تعمدت أم أحمد الإساءة إلى شمس وأمها واصفة إياهما بأنهما من طبقة (متدنية اجتماعياً)، والحقيقة أن هذا السبب لا غيره دفع بأم شمس إلى رفض طلب أحمد الارتباط بابنتها، وهنا عاتبت إحداهما الأخرى ثم تفهمتا وضعهما وسامحتا بعضهما وأصبحتا صديقتين وتزوج أحمد من شمس..
العتاب
شارك في الورشة التي استمرت يومين فقط ١٥ شخصاً، معظمهم شباب يحاولون تعلم السيطرة على النفس واكتساب طاقة التسامح. قالت أم شمس إنها بعد أن رفضت ارتباط ابنتها بأحمد، راجعت نفسها وبدأت تتذكر أخلاقه الحميدة وكيف أنه حافظ على ابنتها ولم يدع أحداً يتقول عليها، وأنها كانت على خطأ حين اعتقدت أن والديه سيسيئان إليها، وسمعت في الوقت نفسه كيف أن والدته كانت تزعمُ أنها هي من رفضت هذا الارتباط وللسبب نفسه، وسامحتها لأنها تيقنت من أنها كانت تحاول التخفيف من صدمة ابنها الذي لم يعرف سبب الرفض، إذ كتمت أم شمس السبب ولم تخبر به حتى شمس.. وحين تعاتبتا على طريقة ما قالته أمهاتنا وجدّاتنا أن العتاب يغسل القلوب، سامحتا بعضهما، وبطاقة التسامح الإيجابية تناست كل منهما أي إحساس سيئ، والقرار الذي أسعدهما منح السعادة لأحمد وشمس.
السيطرة على العقل
الخطوة الأولى إلى التسامح أن نبحث لنجد الصفات الجيدة للمسيء، ونحلل السبب الذي دفعه إلى الإساءة إلينا، ولاسيما في هذه الظروف الصعبة التي نمر بها وتدفعنا جميعاً في لحظة ما إلى اتخاذ قرار خاطئ أو التفوه بكلمة تدمر علاقة عمل أو قربى أو حتى حب وزواج، إذ لا يوجد شخص، مهما كان سيئاً، يخلو من صفة حميدة، قد يطول أمد هذه الخطوة، لكننا لو فكرنا بهدوء ولم ندع لأحكامنا السابقة أن تسيطر على عقولنا ولم نسمح للآخرين بالتأثير علينا، فقد نتمكن من الإمساك بطاقة التسامح التي ستمنحنا سعادة تريحنا نفسياً وتريح مَن حولنا..
وأخيراً
التسامح خطوة كبيرة نحو السعادة التي يراها الناس نسبية وتختلف أسبابها من شخص إلى آخر، التسامح خطوة إلى إعادة التوازن في علاقاتنا الإنسانية وسنتمكن قطعاً من إحداث تغيير في المجتمع الذي نعيش فيه عاجلاً أو آجلاً..