آمنة عبد النبي /
بوابات الاستثمار العراقية الدسمة في مجال الطاقة المتجددة، ومعضلة الكهرباء، ومحنة الغاز العراقي المهدور، تُفتح بجديَّة دبلوماسية عالية أمام رصانة الصناعات الألمانية وشركاتها الاستثمارية الفذّة ضمن جولة مذكرة تفاهم مُراد تفعيلها على أرض الواقع دعماً للمنظومة الوطنية المُثقلة، ولما لها من انعكاسات إيجابية على اقتصاد البلد وتنفيذ المشاريع التنموية وتحريك عجلة الاستثمار.
لذا.. فقد حزم السيد رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني حقائبه المثقلة بهموم مجتمعية، وإرادة وطنية، جادة نحو ألمانيا لاستخدام الدبلوماسية الاقتصادية الكفيلة بوضع العراق على الجادة السليمة، منطلقاً بمحاوره التفاوضية من النفط والغاز والموقع الستراتيجي، وقطعاً فإن ما يعضد تلك المذكرة (التفاهمية) هي جذور العلاقات التاريخية ما بين العراق وألمانيا، التي تعود إلى بداية القرن العشرين، التي لابد من ديمومة تدعيمها والاستفادة من الاستمرار فيها، وأيضاً بلوغ التطور الاقتصادي في استكمال ميناء الفاو والقناة الجافة.
استثمارات دسمة وصناعة قادرة
في مقرّ المستشارية الألمانية بالعاصمة برلين، التي وصل إليها سيادته في زيارة رسمية دسمة الاستثمار، جرت مراسم استقبال رسمية لرئيس مجلس الوزراء السيد محمد شياع السوداني مع وفدٍ رفيع المستوى، حيث كان على رأس المستقبلين مستشار جمهورية ألمانيا الاتحادية السيد (أولاف شولتس)، وأيضاً كان للسوداني لقاء مع رئيس جمهورية ألمانيا الاتحادية السيد (فرانك فالتر شتاينماير) حيث تناول الجانبان مجمل العلاقات الثنائية بين البلدين وسبل توطيدها، فضلاً عن مناقشة العديد من القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.
وقد تصدر الزيارة الرفيعة الهادفة إلى تفعيل مذكرة تفاهم استثمارية في مجالات الطاقة والصيانة والغاز، مؤتمر صحافي مشترك بين المستشار أولاف شولتس والرئيس محمد شياع السوداني، الذي أكد على متانة العلاقة بين العراق وألمانيا، كونها داعمة للديمقراطية في العراق، فضلاً عن الدعمين العسكري والأمني أثناء الحرب على داعش، وأن وجود الفريق الاستشاري التدريبي الألماني الذي يعمل مع القوات الأمنية العراقية هو محط تقدير، كما لا ننسى الدعم الإنساني والتنموي الذي قدمته ألمانيا إلى المناطق المحررة.
كذلك أوضح السوداني رؤية الحكومة العراقية وأولوياتها تجاه الخدمات وتخفيف نسب الفقر وتوفير فرص العمل ومكافحة الفساد وإصلاح الاقتصاد، وأنه وفريقه الحكومي جادّون في تنفيذ الإصلاح الاقتصادي، الذي يتعلق جانب مهم منه بتنويع مصادر الدخل، وكذلك مناقشة طرح فرص استثمار الغاز المصاحب لإنتاج النفط والغاز الطبيعي والاستثمار في قطاع البتروكيمياويات، وهي مهمة لتأمين فرص العمل وتأمين احتياجات العراق.
كما أشار السوداني إلى مجالات أخرى تتعلق بالتعاون في مجال استرداد المطلوبين والأموال، في حملة الحكومة لمكافحة الفساد، واسترداد الآثار، وهناك دعم واضح من ألمانيا. وتطرّق إلى الاستفادة من التجربة الألمانية الرائدة في مجال الطاقة المتجددة ومواجهة التغيرات المناخية التي يعاني منها العراق بسبب شحة المياه، وأثرها في الزراعة والبيئة وزيادة نسبة التصحر، وأيضاً معالجة استثمار الغاز المصاحب، التي تندرج ضمن جهود معالجة الآثار البيئية والمناخية. مؤكداً حرص الحكومة على منهج علاقات متوازنة خارجياً وإقليمياً، ودور العراق الريادي في تقريب وجهات النظر، وثمّن كذلك دعم الحكومة الألمانية للعراق في هذا الإطار، باعتبار أن العراق دولة مهمة في مجال الطاقة.
وعلى صعيد إنتاج النفط، أو في خزين النفط والغاز، فإن هنالك سعياً لدى منظمة أوبك لتلبية احتياجات السوق العالمية بما يؤمن مصالح المنتجين والمستهلكين، وأيضاً هناك شركات تنفذ أكبر ميناء في الشرق الأوسط، وهو ميناء الفاو الكبير، وشركات جرى التفاوض معها لمد سكك الحديد وأنابيب نقل الغاز من الميناء إلى تركيا وأوروبا، فضلاً عن وجود تفاهم مع (سيمنز) في مجال التدريب ورفع كفاءة العاملين، من أجل خلق صناعة قادرة على تأمين مستلزمات عمليات ومشاريع نقل الطاقة الكهربائية، وأيضاً توفير فرص العمل، لذا أكد أن العراق بانتظار قدوم شركات إلى بغداد والاطّلاع ميدانياً على الفرص في قطاعات الزراعة والصناعة والتعليم.
خبراء غاز وطاقة متجددة
طاولة عمل رسميَّة متمثلة بدعوة أقامتها غرفة التجارة العربية الألمانية في برلين ومجلس الخبراء، التي من خلالها أوضح رئيس الوزراء محمد شياع السوداني المضامين التفصيلية في توجه حكومته نحو المزيد من مشاركة الشركات الألمانية في إعادة الإعمار وتطوير البنية التحتية، وأن العراق يضـع ثقته بالشركات الألمانية لما تمتاز به من خبرة وكفاءة عاليتين، وسمعة عالمية. كذلك تسعى الحكومة العراقية إلى تشخيص التحديات التي تواجه عملية الاستثمار في العراق، ووضعها في الاتجاه الذي ينسجم مع المعايير العالمية، كما تعمل الحكومة على تذليل العقبات أمام عمل الشركات في العراق وتقديم التسهيلات اللازمة والحد من البيروقراطية التي تواجه المستثمرين وتبسيط الإجراءات، لذا عمدت الحكومة إلى تسهيل منح سمات الدخول إلى الأراضي العراقية للمستثمرين مباشرة في المنافذ الحدودية العراقية (البرية، والبحرية، والجوية) لغرض الاستثمار. وجاءت في الكلمة أيضا دعوة الشركات الألمانية للاستثمار في العراق بمختلف المجالات، ولاسيما الاستثمار في مشاريع الطاقة المتجددة والغاز والبتروكيمياويات وحثّ الشركات الألمانية للمشاركة الفعالة في المعارض والمؤتمرات المشتركة التي سوف تمثل خريطة طريق في عمل الشركات الألمانية في العراق.
كما ذكر السوداني أن من المتوقع أن تكون كلف إنتاج الطاقة المتجددة في العراق منخفضة مقارنة بالدول الأخرى، وكذلك أكد دعم خطة الحكومة العراقية في تطوير قطاعي الطاقة والكهرباء، وأيضاً تسـعى الحكومة إلى فتح خطوط جوية بين العاصمتين بغداد وبرلين وبقية المدن العراقية والألمانية لتعزيز العلاقات التجارية والاستثمارية والسياحية بين البلدين، وأن هنالك طموحاً في شراكة ستراتيجية وتعاوناً في جميع المجالات بين البلدين، مع التأكيد على اشتراك شركات القطاع الخاص العراقي في المشاريع التي بعهدة الشركات الألمانية، وعمل شراكات استثمارية بين الجانبين لتحقيق الشراكة الستراتيجية وديمومتها.
صيانة متطورة بعهدة سيمنز
وضمن جولة مذكرة التفاهم الاستثمارية المثمرة، كان لرئيس مجلس الوزراء السيد محمد شياع السوداني في مقر إقامته بالعاصمة برلين، لقاء مثمر مع الرئيس التنفيذي لشركة سيمنز الألمانية للطاقة السيد (كرستيان بروخ) بحثا فيه آليات التعاون مع شركة سيمنز في تطوير قطاع الكهرباء، وإزالة كل العقبات التي كانت تواجه عملها في العراق.
وأكد السيد رئيس مجلس الوزراء عزم الحكومة على توفير الأموال اللازمة لتنفيذ مذكرة التفاهم الموقعة مع شركة سيمنز على الأرض. وقد حضر اللقاء وزير الكهرباء ومستشار رئيس الوزراء, وعن شركة سيمنز نائب رئيس ومسؤول الشرق الأوسط للشركة، ومدير الفرع التنفيذي للشركة في العراق.
وكانت أبرز الفقرات الأساسية، التي تشكل خريطة عمل لتطوير منظومة الكهرباء في العراق وعلى خلفية توقيع وزارة الكهرباء مذكرة تفاهم مشتركة مع سيمنز، تتضمن وضع خطة متكاملة لمنظومة الكهرباء بشكلٍ عام تسبقها دراسة متكاملة مقدمة من الشركة إلى العراق تتضمن كيفية الاستفادة من الغاز المصاحب، مع توقيع اتفاقية طويلة الأمد لصيانة وتأهيل الوحدات التي أنشأتها شركة سيمنز.
سوق حرّة ودعم معلوماتي
قناة (DW) الألمانية الرسميّة كانت لها مقابلة صحافية مع السيد محمد شياع السوداني، تناولت آليات تنفيذ مذكرة التفاهم وكلفتها وكذلك البرنامج الحكومي في مجال التدريب، فضلاً عن التعاون الأمني بين العراق وألمانيا، ومحاور أخرى على صعيدين، إقليمي وأمني، إذ أكد السوداني أن مجال الكهرباء محل تعاون سابق مستمر بين العراق وشركة سيمنز، ومذكرة التفاهم تتضمن مشاريع في مجالات الإنتاج والنقل والتوزيع، سوف يليها توقيع عقود في بغداد، وقد رُصدت التخصيصات المالية لتنفيذ المذكّرة، وهي تختلف عن سابقاتها من مذكرات التفاهم، حين كان تأمين التخصيصات المالية أهم عائق، علماً بأننا نحتاج إلى مشاريع أكثر من العقود مع سيمنز، وهناك شركات وطنية وشركات أخرى، لأن المشكلة لا تتعلق فقط بالإنتاج، وإنما بتحسين عملية النقل والتوزيع وهذا جزء من مشاريع مشتركة مع سيمنز.
كما أشار السوداني أيضاً، في معرض أجوبته، إلى أن الفساد كان أحد العوامل في عدم النهوض بقطاع الكهرباء، فضلاً عن سوء التخطيط والأحداث الأمنية التي أثّرت في مجمل الخطط، وفي عام 2013 وصلنا إلى مديات متقدمة في تأمين الكهرباء في عموم المحافظات، لكن صفحة داعش الإرهابية وما تلتها من أحداث مؤسفة أثّرت في نسبة كبيرة من المشاريع، أما الأن فإن توجّه الحكومة واضح في مكافحة الفساد ووضع الأموال في مكانها الصحيح في مشاريع واضحة وبإجراءات سليمة.
وجاء في المقابلة مع القناة الألمانية ايضاً أن واحدة من الإشكاليات الاستثمارية المهدورة هي أن الغاز المصاحب لمعظم الإنتاج النفطي يُحرق، في حين يضطر العراق إلى استيراد الغاز لتأمين تشغيل محطات الكهرباء، علماً أن حجم الغاز المصاحب كبير، ويمكن أن يسهم في توليد أكثر من 7000 MW، وهو بصراحة حرق للأموال، لذا نحن حريصون على تعزيز التعاون الأمني مع ألمانيا. وما يزال الفريق الاستشاري موجوداً في العراق ضمن التحالف الدولي وبعثة الناتو، ونجري معهم حواراً لتحديد المديات الزمنية للتعاون في مجالات التدريب والاستشارة والدعم المعلوماتي، لأن الحرب ضد الإرهاب تستدعي استمرار هذا التواصل والتعاون.
وأيضاً توضح أهداف الزيارة إلى ألمانيا أن لدى الحكومة برنامجاً في مجال التدريب المهني وتأهيل الشباب لدخولهم سوق العمل من خلال مشاريع صغيرة أو متوسطة وبرنامج إقراض تتبناه الحكومة، ما سوف يوفر فرص عمل كثيرة.
كذلك تضمنت المقابلة سعي الحكومة العراقية إلى تقريب وجهات النظر بين إيران ودول المنطقة، ومنها السعودية، باعتباره منهاجاً اتبعته الحكومة، ومستمرة فيه، إذ سوف يسهم في تخفيف حدّة التوترات في المنطقة، بما ينعكس على أمن العراق والمنطقة، لأن العلاقات المتوازنة بين العراق ودول الجوار، وفق مبدأ الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، هي النهج الأمثل للحكومة.